الضمان الاجتماعي في الاسلام

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: تشكو شعوب وأمم كثيرة من تنصل حكامها ومسؤوليها إزاء رعيتهم لاسيما في مجال الضمان الاجتماعي، حيث تثقل الديون كواهل الفقراء وينتشر العوز بين الايتام والارامل من دون ان يتنبه لهم ولأوضاعهم المزرية من هو قائم على المال خاصة في الدول التي تعلن الاسلام دينا رسميا لها لكن حكامها وانظمتها السياسية هي اكثر الجهات تنصلا من المسؤولية الملقاة على عاتقها فيما يخص إعالة اليتيم والارملة والمسن والمحتاج وغيرهم.

أما نظرة الاسلام للضمان الاجتماعي وتعامله مع هذا الجانب فهو يشكل سبقا انسانيا على مستوى التأريخ او الديانات او الامم والشعوب غير المسلمة، حيث نرى ان تعامل الاسلام مع مسألة الضمان الاجتماعي تختلف مع عموم التعاملات من قبل الآخرين في هذا المجال.

فالاسلام على سبيل المثال وليس الحصر، يعلن ان المسلم إذا توفى وترك بذمته دينا لشخص او جهة ما فإن الاسلام هو من يسد عنه ممثلا بشخص الامام الديني، أما إذا ترك المسلم اموالا من بعده فهي لورثته حصرا وحسبما تقرره الشريعة في هذا المجال، وعن هذا الموضوع نقرأ في كتاب سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام/ باب..سياسة الاسلام في الضمان الاجتماعي):

(الضمان الاجتماعي في الإسلام صبابة الإنسانية في قمّتها، ولذا فإنّ الإسلام حيث ينطلق من زاوية الإنسانية، يصب هذا الضمان بما توافق الإنسانية في أعمق أبعادها الفضيلة، وبتأكيد لم ير التاريخ قبل الإسلام، ولم تسجل الحضارات بعد الإسلام حتى اليوم ضماناً إجتماعياً بعمق الضمان الإجتماعي في الإسلام.

إنّه يقول: إنّ كل من يموت وعليه ديون، فعلى إمام المسلمين أداء ديونه، وكل من يموت وله مال، فالمال كلّه لورثته، ليس لإمام المسلمين منه شيء..

فهل سمعت ضماناً اجتماعياً كهذا، حتى في أعمق الحضارات؟.

بالتأكيد، لا..).

وقد دخل اليهود في ذلك الزمن الى الدين الاسلامي لتوفر هذا الضمان المهم لهم ولعوائلهم حيث نقرأ عن الامام الصادق (ع) كما جاء في كتاب المرجع الشيرازي (السياسية من واقع الاسلام):

(وما كان سبب إسلام عامّة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله صلی الله عليه و آله وأنّهم آمنوا على أنفسهم وعلى عيالاتهم (1).

بهذه الروح المسؤولة يتعامل الاسلام مع حاجة المسلمين والعوز الذي قد يتعرض له المسلم نتيجة عارض ما، فالاسلام لا يتنصل من مسؤولياته ازاء المسلمين لا سيما في هذا المجال الحياتي الذي يعتبر من اهم واخطر المجالات، إنما من يتنصل هم المسؤولون او القادة الرسميون للبلاد الاسلامية حيث يسيطرون على اموال المسلمين وتصبح في عهدتهم لكنهم لا يهتمون بالمسلم المعوز او المحتاج او المريض بل يجيّرون هذه الاموال لهم ولذويهم وحاشياتهم والمقربين منهم تنافيا مع ما أقره الاسلام من ضمان اجتماعي فيما لو عُمل وفقه لتجاوز الناس الفقراء جميع مشاكلهم المالية التي تقودهم الى مشاكل اخرى في مجالات متعددة.

وتؤكد كثير من النصوص على ما ذهب اليه الاسلام في هذا المجال كما ورد في كتاب المرجع الشيرازي حيث يقول:

(وفي نصوص الشريعة الإسلامية زخم كبير من ذلك، وهو إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على مدى اهتمام الإسلام بالتأكيد على هذا الجانب الإجتماعي المهم، حيث تكرر نقل ذلك عن نبي الإسلام صلی الله عليه وآله والأئمة من العترة الطاهرة عليهم السلام).

وفي احاديث الأئمة الاطهار في هذا المجال نقرأ في الكتاب نفسه:

(عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:«من مات وترك ديناً، فعلينا دينه، وإلينا عياله، ومن مات وترك مالاً، فلورثته»(2).

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ما كان رسول الله صلی الله عليه و آله ينزل من منبره، إلا قال: «من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديناً أو ضياعاً، فعليّ»(3).

ومن جانب آخر نلاحظ ان الاسلام يؤكد على ان كل ما يتركه المسلم بعد موته هو من حق الورثة، ولا يحق للحكومة او المسؤول الفلاني ان يستقطع منها شيئا تحت أي مبرر كان، حيث نلاحظ ان هناك من يفرض ضرائب على الاموال او الاملاك التي يخلفها الميت لذويه كما تقوم الامم والجهات الاخرى في عموم العالم، بخلاف الدين الاسلامي الذي يحصر تركة الميت بمن يرثه في الوقت الذي يتحمل فيه الاسلام ديونه اذا كان مديونا بعد موته، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في تعليقه على هذا البند من بنود الضمان الاجتماعي الاسلامي:

(هذا واحد من بنود الضمان الإجتماعي في الإسلام، ويظهر منه عمق الإنسانية في الإسلام، وفي هذا النظام بالذات.

بالعكس تماماً مما تعمله عدّة من أنظمة العالم اليوم، من جعل الضريبة على الإرث على من مات وترك أموالاً.

ولو مات شخص وعليه ديون، فليس على النظام الحاكم من دينه شيء أبداً، أترى كم يساهم مثل هذه الأنظمة في تشتيت المجتمع وتحطيم الديون بين الأفراد والجماعات، إذ الدائن لا يملك ضماناً لو أعطى ديناً لفقير معدم، لأنّه لو مات فمن الذي سيتكفّل ديونه؟

فمن تراه يقرض المحتاجين والمعوزين؟

فهل هناك ضمان إجتماعي كما في الإسلام؟).

............................................................................

المصادر/

(1) الكافي: ج1 ص406 باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام ح6.

(2) وسائل الشيعة: ج26 ص247 ب3 ح4.

(3) مستدرك الوسائل: ج17 ص207 ب2 ح1.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 7/حزيران/2009 - 10/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م