
شبكة النبأ: يثير مفهوم الديمقراطية
التوافقية هاجس الكثير ما بين مؤيد ورافض خصوصا في بلد متعدد الطوائف
والإثنيات، حيث تتعدد قياسات المصالح والمنافع لجميع الاطراف والفئات
والتيارات والحركات السياسية والدينية والاجتماعية.
ان الديمقراطية التوافقية صيغة مطروحة حاليا في بعض البلدان كحل
يقوم بفك الاشتباك الحاصل بين القوى والتيارات والمصالح والفئات
الموجودة على ارضية المشهد السياسي والاجتماعي.
ولكن الديمقراطية التوافقية التي يراها البعض ان الحل الذي يضمن
مصالح الفئات المتنوع في مجتمع اثني قد انتج مشاكل كبيرة وادى الى
تعقيدات متراكمة مثل لبنان والعراق، فهل الاشكال في الديمقراطية
التوافقية ام في سوء تطبيقها.
تفسير الديمقراطية التوافقية
يفسر "آرنت ليبهارت" "الديمقراطية التوافقية"، بانها تعني النظام
الذي تتعدد فيه مصادر السلطة، ويكون أقرب الى النظم الديمقراطية من دون
التمكن من الوصول إليها. أما الاستقرار السياسي الذي يشكل شرطاً مفصلياً
للديمقراطية التمثيلية عند "آرنت"، فيتحقق حين يضمن النظام السلم
المدني، ويتأسس على المشروعية (Legitimite) والفعالية (Efficacite)،
ويكون قادراً على تقليص العنف المدني وترشيد إمكانيات اللجوء إليه.
عناصر وسمات الديمقراطية التوافقية:
1- الاستقلالية الفئوية: الفكرة مأخوذة إلى حد بعيد من النظام
الملّي حيث تتمتع الطوائف بإدارة شؤونها الداخلية .
2- النسبية التي تطبق بصورة خاصة في الانتخابات العامة حيث تسمح
لأكبر عدد من المواطنين باختيار ممثليهم إلى السلطات التشريعية.
3- حق ممارسة الفيتو الذي يعطى عادة إلى الأطراف الرئيسية في البلاد.
4- الائتلاف الواسع:
السمة الاساسية للديمقراطية التوافقية هي ان زعماء القطاعات في
المجتمع التعددي تتعاون في ائتلاف واسع لحكم البلاد ويضم هذا الائتلاف
كما في نظم الديمقراطية التوافقية أبرز وأهم الأحزاب أو الجماعات
السياسية في البلاد، والغرض منه - كما يقول التوافقيون - إقامة “كارتل
حاكم” يوطد النظام الديمقراطي والوحدة الترابية للبلاد. ويتطلب
الائتلاف الكبير قيام أحزاب قوية ذات انتشار واسع، وقيام تكتلات نيابية
قادرة على تكوين أكثريات مستقرة، وتمتلك برامج واضحة تشكل أساساً
للعلاقة مع المواطنين ولإقامة التحالفات المزدهرة. والائتلاف الكبير
يتطلب اعتراف الأطراف الرئيسية ببعضها بعضاً واتفاقها على أساس البرامج
والتطلعات والأهداف المشتركة.
مساوئ الديمقراطية التوافقية :
1. انها ليست على درجة كافية من الديمقراطية .
2. . النموذج التوافقي يشبه "المجتمع الطائفي"
3. وربما كان لمجتمع شديد التجانس والامتثالية نفس التأثير الكابت
لحرية الأفراد.
4. الديمقراطية التوافقية تفضي الى تكريس تقسيم المجتمع التعددي الى
عناصر أكثر استقلالية.
5. عجزها المحتمل عن إحلال الاستقرار السياسي والحفاظ عليه.
6. تقود الى التردد وعدم الفعالية.
7. الجمود وعدم الفعالية الإدارية.
الانفصال والتقسيم والمحاصصة
هنالك تخوف من النظام الفدرالي على الديمقراطية التوافقية وذلك لان
قيام قطاعات متمايزة اقليمية اذا مااقترن بما تمنحه الفيدرالية من
استقلال ذاتي جزئي ربما اتاح اندفاعا اضافيا للمطالبات بمزيد من
الاستقلال الذاتي وعندما ترفض هذه المطالبات فقد يعقب ذلك الانفصال ثم
الحرب الاهلية.
أما المحاصصة في ظل الديمقراطية التوافقية فكانت من نتائج
الديمقراطية التوافقية؛ لان النفوس كانت مثقلة بالخوف من التهميش وعدم
وجود ثقة بين المجموعات، ولم يكن الخيار أمام الحكومة إلا أن تخضع
للديمقراطية التوافقية. وكان المشتركون في العملية السياسية بحاجة
لطمأنة بعضهم البعض، لكن الاستمرار بهذا النوع من الديمقراطية ادى الى
ارباك عملية الاستقرار السياسي لان الدولة اصبحت مقسمة بين الاحزاب
بالحصص دون اي اعتبار لمعاني الكفاءة والقدرة، مما ادى الى تكريس
الفساد والانقسام حيث اصبحت بعض الاحزاب تستفيد من المحاصصة لتقوية
مواردها المالية، بل ان بعضها استفاد من المحاصصة ليمارس الارهاب
والعنف ضد الدولة والشعب.
كما لم تأت التوافقية إلا بتهميش النخب والكفاءات الذين لم ينتموا
لأي جهة، والذين لم يمتلكوا قوة يحتمون في ظلها، ومن بين المشاكل
الأخرى حصول بعض الكيانات على إستحقاقات لم تكن من حقهم؛ أما ماحصلوا
عليه كان بسبب تخوف الحكومة وباقي الكيانات من إثارتهم للنزاعات
والحروب الداخلية.
التوافقية أحد أسباب مشاكل العراق
وعد رئيس الوزراء نوري المالكي الديمقراطية التوافقية احد اسباب
مشاكل العراق، مبينا ان النظام الرئاسي افضل من البرلماني، في حال كان
وفق الاستحقاق الانتخابي. وقال اؤيد مبدأ الديمقراطية الذي يمنح
الاكثرية الانتخابية حق تشكيل الحكومة، وان مصطلح الديمقراطية
التوافقية غريب على الديمقراطية ومتناقض معها ويحمل في طياته مشاكل
عانى منها العراق والحكومة الحالية، موضحا ان "النظام الرئاسي هو افضل
من البرلماني، اذا كان الاخير وفق الاستحقاق الانتخابي، اي عن طريق
الانتخاب المباشر من قبل الشعب.
طالباني يؤكد الحاجة إلى الديمقراطية التوافقية
من جهته قال الرئيس العراقي جلال طالباني إن الديمقراطية التوافقية
ما تزال ''مطلوبة'' وذلك ردا على رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يطالب
بإنهائها، وأضاف إن ''ترسيخ التوافق الوطني وسيلة ناجعة لتوحيد صفوف
الأطياف المتنوعة في البلاد، فالعراق لا يحكم بالغالبية فالوضع ما يزال
يتطلب التوافق.
مخرج سياسي للخروج من الأزمة
قبلت الديمقراطية التوافقية على مضض في بداية العملية السياسية في
العراق من أجل إيجاد مخرج سياسي للاحتقان الحزبي والطائفي والقومي الذي
برز بقوة وبشكل مهول بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق.
ومبدأ التوافقات السياسية أصبح مانعاً وعائقا أمام أداء الحكومة
السليم كما حال دون تطور النظام الديمقراطي في العراق سياسيا وإدارياً.
مما تركت تلك التوافقات الحزبية حالة من الجمود والركود والترهل في
أداء مؤسسات الدولة الادارية وتعطيل التام للعديد من المؤسسات الخدمية،
بسبب عدم الانسجام والتوازن بين الكتل السياسية داخل البرلمان والحكومة
دون الاكتراث لمصلحة الشعب العراقي.
المصادر:
وكالات، جريدة الصباح، موقع الحوار المتمدن. |