العنف والمصالحة في العراق: سباق المصالح وتغيير الأضداد

تراجع العنف والهجوم على الديمقراطية التوافقية وتوقعات بظروف صعبة قادمة

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: تشير الاحصائيات الى ان الهجمات الانتحارية في العراق تقلصت خلال الاثني عشر شهرا الماضية بنسبة 60 في المئة، على الرغم من استمرار العنف في الموصل شمالي البلاد، حيث يستهدف انتحاريون بسيارات مفخخة دوريات امريكية تسببَ آخرها في مقتل عراقي واصابة 45 معظمهم من المواطنين المدنيين. لكن وزير الداخلية العراقي توقّع ان الجماعات المسلحة ستحاول تنفيذ هجمات دموية بعد مغادرة القوات الامريكية القتالية بغداد ومدن اخرى بنهاية الشهر المقبل، كاشفاً عن وجود أدلة على ان أجنحة وخلايا مرتبطة بحزب البعث تتآمر على الحكومة تحت مسميات مختلفة.

وفي غضون ذلك شنّ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هجوما عنيفا على مبدأ الديمقراطية التوافقية والمحاصصة اللذين يجلبان الفساد بحسب قوله، وطالب بإنهاء هذه المعايير وضرورة العودة الى الدستور والقانون، وقال امام مشاركين في مؤتمر حضره شيوخ كبار العشائر في قبيلة الدليم، اضطررنا الى المحاصصة والديمقراطية التوافقية لأن النفوس كانت مثقلة بالخوف والتهميش ولم يكن أمامنا خيار سوى التوافق ومبدأ المحاصصة السيء.

تراجع الهجمات الانتحارية في العراق

وقالت القوات الامريكية في العراق ان الهجمات الانتحارية في العراق تقلصت خلال الاثني عشر شهرا الماضية بنسبة 60 في المئة، على الرغم من استمرار العنف في مدينة الموصل شمالي البلاد، حيث يستهدف انتحاريون بسيارات مفخخة دوريات امريكية، تسببَ آخرها في مقتل عراقي واصابة 45 آخرين.

وتعتبر الموصل واحدة من معاقل تنظيم القاعدة في العراق، وجاء الهجوم في وقت يقترب فيه الموعد النهائي لاستكمال القوات الامريكية انسحابها من المدن العراقية في الثلاثين من يونيو/ حزيران.

وكانت الحكومة العراقية قد ذكرت ان موعد الانسحاب لن يمدد على الرغم من شكوك بعض القادة الامريكيين من قدرة القوات العراقية على بسط سلطتها على الموصل. بحسب رويترز.

وقال اللواء ديفيد بيركنز الناطق باسم القوات الامريكية في العراق الاحد ان تلك الهجمات، التي تستهدف ايقاع خسائر بشرية كبيرة، تراجعت بنسبة 58 في المئة منذ مارس/ آذار الماضي، وبمعدل 50 في المئة منذ شهر.

وقال الضابط الامريكي ان عدد الهجمات التي وقعت في ابريل/ نيسان الماضي بلغ 20 هجوما قويا، في حين بلغ العدد لشهر مايو/ ايار الحالي 13 هجوما.

وتشير الارقام الامريكية الى ان هجمات ابريل اسقطت نحو 253 قتيلا، مما زاد من درجة المخاوف من تلاشي المكاسب الامنية التي تحققت خلال العامين الماضيين.

العنف انخفض والاعتداءات الأخيرة أخفقت في تحقيق أهدافها

صحيفة وول ستريت جورنال الامريكية قالت في تقرير لها، على الرغم من تصاعد العنف الذي أودى مؤخرا بحياة حوالي 300 عراقيا في الأسابيع القليلة الماضية، إلا أن الجيش الأمريكي يقول إن عدد الهجمات الكبيرة قد انخفض إلى ما دون 50% منذ نيسان ابريل حتى الشهر الجاري.

ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم الجيش الأمريكي، الميجر جنرال ديفيد بيركنز، قوله إن 13 هجوما كبيرا قد حدث في العراق من بداية الشهر الحالي حتى 23 منه مقارنة مع 28 هجوما خلال شهر نيسان ابريل بأكمله. وقال أيضا إن عدد الضحايا هذا الشهر حتى 23 منه انخفض إلى 58% عن المدة المماثلة خلال المدة المماثلة حتى 23 من أيار مايو من العام الماضي.

وقال الجنرال بيركنز أيضا إن فيما تستعد القوات القتالية الأمريكية للانسحاب من مدن عراقية بحلول 30 من حزيران يونيو، فان المدة الانتقالية سوف تعني مدة من الضعف. لكن كل من قوات الأمن العراقية والأمريكية تعمل على ضمان أن يكون الانتقال سلسا قدر الإمكان، كي لا يشهد البلد تصاعدا في أعمال العنف.

فضلا عن هذا، بإمكان الحكومة العراقية الطلب المساعدة من الأمريكيين بعد موعد 30 من حزيران يونيو على وفق الاتفاقية الأمنية المبرمة في العام الماضي، كما قال بيركنز. وهذا يعني أن القوات الأمريكية من الممكن أن تبقى تسير دورياتها في مناطق حضرية والبقاء مؤقتا فيها إذا كانت هناك ضرورة ملحة.

مخاوف من عودة العنف بانسحاب الأمريكيين

وأشارت صحيفة لوس انجلس تايمز Los Angeles Times في تقرير لها الى تزايد المخاوف من تصاعد العنف بسعي المسلحين إلى تأكيد وجودهم مع الاستعدادات الأمريكية للانسحاب من مدن عراقية بحلول نهاية الشهر المقبل.

وأضافت الصحيفة إن شهر نيسان ابريل شهد سلسلة من التفجيرات الكبيرة التي أوقعت المئات من الضحايا بين صفوف المدنيين، لكن شهر أيار مايو كان هادئا نسبيا.

ويقول الجيش الأمريكي، حسب ما تذكر الصحيفة، إن المسلحين لم يعودوا يملكون القدرة على إدامة حملات تفجير واسعة، لذا فقد لجأوا إلى تركيز جهودهم على تنفيذ أعمال عنف تستقطب الانتباه من خلال التسبب بوقوع أعداد كبيرة من الضحايا.

ورأت الصحيفة أن المخاوف زادت من أن العنف سوف يرتفع مع سعي المسلحين إلى تأكيد وجودهم قبل الموعد المقرر لانسحاب القوات الأمريكية من مدن عراقية، من بينها بغداد، بحلول 30 من حزيران يونيو المقبل.

وذكرت الصحيفة أن 3 جنود أمريكيين في دورية راجلة كانوا من بين القتلى الذين بلغ عددهم 25 شخصا في طفرة في العنف شهدها العراق اليوم.

وقد قتل الأمريكيون في حي الدورة جنوبي بغداد عندما انفجرت قنبلة قرب دوريتهم، حسب ما ذكر بيان للجيش الأمريكي. وطبقا للشرطة العراقية فان 5 جنود أمريكيين آخرين جرحوا.

المسلحون سينفذون هجمات كبيرة مع انسحاب الجيش الامريكي من المدن

من جانبه توقع وزير الداخلية العراقي ان الجماعات المسلحة ستحاول تنفيذ هجمات مشابهة لتلك التي قتلت ما يزيد عن 66 عراقيا الاسبوع الماضي بعد مغادرة القوات الامريكية القتالية بغداد ومدن اخرى بنهاية الشهر المقبل، كاشفا عن وجود ادلة على ان اجنحة وخلايا مرتبطة بحزب البعث تتآمر على الحكومة تحت مسميات مختلفة.

وقال جواد البولاني في لقاء اجرته معه وكالة اسوشيتد برس “اعتقد ان هناك جماعات ارهابية سوف تحاول تنفيذ بعض النشاطات الارهابية والاجرامية في الفترة المقبلة خلال وبعد انسحاب القوات الامريكية من المدن”، مبينا ان “بعض التفجيرات التي حدثت العام الحالي يظهر انها نفذت على يد خلايا ارهابية تضم مقاتلين اجانب من شمال افريقيا”.

واضاف وزير الداخلية ان “هذا متوقع، لكن هناك خططا وتدابير وقائية لإحباط هذه الانشطة الارهابية”، متابعا ان هناك ادلة على ان “بعض الاجنحة المسلحة والخلايا” المرتبطة بحزب البعث كانت تتآمر فعلا على الحكومة “لكن تحت مسميات مختلفة”.

ومع ذلك يرى البولاني ان الانسحاب الامريكي لن يتأجل، معتقدا ان القوات العراقية مستعدة لمواجهة التحديات لكنه اعترف بان “الاختبار الحقيقي لقواتنا الامنية” سيأتي بعد انسحاب حزيران يونيو المقبل.

ومع اقتراب الموعد النهائي للانسحاب، يقول البولاني الذي تسيطر وزارته على غالبية القوات الامنية العراقية في بغداد، ان “السلطات تحاول تحديد واعتقال خلايا سرية تديرها القاعدة وجماعات اخرى”.

وذكر ان السلطات العراقية اعتقلت عددا غير معلوم من خلايا مسلحين في بغداد، من بينهم تونسيون ومغاربة “ومن جنسيات اخرى دخلت الى العراق بهدف تنفيذ هجمات ارهابية”، من دون ان يعطي اعداد المعتقلين الاجانب او اماكن القبض عليهم.

متحدث صدري يحمّل البعثيين المسؤولية عن تفجير الشعلة

من جهة اخرى حمّل المتحدث باسم الكتلة الصدرية احمد المسعودي، البعثيين و”فدائيي صدام” المخترقين للاجهزة الامنية المسؤولية عن التفجير الذي شهدته منطقة الشعلة في بغداد، داعيا الحكومة الى “تطهير” وزارتي الدفاع والداخلية منهم.

وقتل 35 شخصا واصيب 72 آخرون مساء امس الاربعاء جراء انفجار سيارة مركونة قرب احد المطاعم في منطقة الشعلة شمال غربي بغداد .

وأوضح المسعودي لوكالة اصوات العراق أن “تفجير الشعلة الذي حدث الاربعاء الماضي هو كشف للخرق الامني من قبل البعث لوزارتي الدفاع والداخلية وهو ردة فعل على جلسة البرلمان التي حضرها وزيرا الدفاع والداخلية الاثنين الماضي.

وكانت جلسة البرلمان السرية في الاثنين (18/5/2009) خصصت لاستضافة وزيري الدفاع والداخلية لمناقشة الملف الأمني في العراق وأسباب تدهوره في الفترة الأخيرة، فضلا عن موضوع انسحاب القوات الامريكية من المدن في نهاية حزيران يونيو المقبل.

وأضاف المسعودي أن “التفجير رسالة الى السياسيين العراقيين والشعب العراقي مفادها بأن الاجهزة القمعية وفدائيو صدام قادرين على إرباك الوضع الامني في حال توجه البرلمان العراقي لقانون العدالة والمساءلة والذي شُرع من مجلس النواب لإبعاد هؤلاء الذين تلطخت ايديهم بدماء الشعب العراقي من هذه الاجهزة”.

وشدد المسعودي على أن “تغلغل هؤلاء في اماكن مهمة في وزراتي الدفاع والداخيلة سيكون له اثر سلبي على الوضع الامني بالعراق”، داعيا الجهات السياسية إلى أن “تكون حاسمة في امرها من تطهير الاجهزة الامنية من هؤلاء الملطخة ايديهم بدماء الشعب العراقي”.

وطالب بـ”ضرورة الاسراع بتشكيل هيئة المساءلة والعدالة لتخليص وزارتي الداخلية والدفاع من الذين يساعدون الارهابيين في عملياتهم الارهابية”.

المالكي يشن هجوماً على الديمقراطية التوافقية والمحاصصة مطالباً بإنهائها

من جهة ثانية شنّ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هجوما عنيفا على مبدأ الديموقراطية التوافقية والمحاصصة اللذين "يجلبان الفساد" وطالب بـ"انهاء" هذه المعايير وضرورة العودة الى الدستور والقانون.

وقال امام مشاركين في مؤتمر حضره شيوخ كبار العشائر تنظمه قبيلة الدليم، القاطنة غرب العراق بشكل اساسي، "اضطررنا الى المحاصصة والديموقراطية التوافقية لان النفوس كانت مثقلة بالخوف والتهميش لم يكن امامنا خيار سوى التوافق والمبدأ السيء المحاصصة". بحسب فرانس برس.

وشدد على "العودة الى القانون والدستور ومبدأ التنافس والقائمة الوطنية والتلاحم بين المكونات بعيدا عن الانتماءات الطائفية، لا بد ان تنتهي هذه التوافقات والمحاصصة" التي وصفها بانها "جالبة للفساد".

واضاف "كنّا في بحاجة لطمأنة الشركاء، وقد حققنا ما أمكن تحقيقه في ظل ذلك، لكن الاستمرار هو الضد لعملية الاستقرار السياسي (...) لا بد من التنافس والعودة الى الدستور والقانون وفي المرحلة القادمة سننتهي من التوافقية والمحاصصة لا بد ان تنتهي هذه المعايير".

واكد المالكي "اننا نحتاج الى شركاء في العملية السياسية اكثر شفافية، ووضوحا لأن المسالة لا تتحمل ان يكون شريكا في العملية السياسية وفي الوقت ذاته خصما لها، قدما هنا وقدما هناك هذا تخريب وتدمير للبلد".

ودعا الى "اكمال تشريع القوانين فهذا مطلب خطير وضروري".

واعتبر انه "لا بد ان نختار اما الدولة وتحمل المسؤولية، واما المعارضة فالصيغ التي اضطررنا اليها، مثل الديمقراطية التوافقية والمحاصصة ربما كانت ضرورة في مرحلة بناء الدولة لكن اليوم لا بد ان ننتهي ونعود الى القانون والدستور".

وطالب بـ"عمل دستوري على اساس القوائم والبرامج الانتخابية وليس على الانتماءات الطائفية، لا يمكن بناء دولة بالطريقة التي اضطررنا اليها".

وقال "نريد بلدا لا يمنح تغطية لمجرم او مفسد بالمال العام، انها حرب من نوع اخر، بداناها منذ فترة وسننهيها".

واشار الى "وقوع بعض الاخطاء بسبب غفلة هنا وكلمة وضعت هناك كانت سببا في العفو عن الحيتان الكبيرة فقانون العفو تضمن بعض التغييرات قياسا على التشريع الذي كتبته الحكومة ما اسفر عن العفو عن كثير من المفسدين".

وتابع رئيس الوزراء "احدهم بحقه 24 دعوى فساد حصل على العفو (...) هكذا بسبب كلمة واحدة اضيفت غفلة او عمدا، لا ادري، لكن هذه الكلمة تسببت باطلاق سراح كبار الارهابيين ممن تسبب بالقتل المباشر".

واكد "لكن، هذه سوف تصحح ويعاد النظر فيها على قاعدة ان لا حماية لمفسد في قانون مشرّع او في قوة سياسية مشاركة في الحكومة".

وكان المالكي دعا الجمعة بمناسبة الذكرى الثالثة لتشكيل حكومته بتعديل وزاري معتبرا ان "الظروف مؤاتية" لبناء دولة "عصرية".

وقال "امام عملية استكمال البنية اللازمة لدولة عصرية متماسكة كنت قد طرحت لاكثر من مرتين عملية اجراء تعديل او تغيير وزاري لكنها لم تحظ بالموافقة من الشركاء في العملية السياسية". واضاف "اليوم، اجد ان الظروف مؤاتية لاجراء تعديل وزاري اتمنى من الكتل السياسية ان تتعاون معنا لاحداث هذا التغيير لانه سيكون داعما اساسيا لجهد الحكومة وقدرتها على مواجهة التحديات".

طالباني يؤكد استمرار الحاجة الى الديمقراطية التوافقية

من جهة ثانية قال الرئيس العراقي جلال طالباني ان الديمقراطية التوافقية ما تزال "مطلوبة" وذلك ردا على رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يطالب بانهائها.

واضاف طالباني اثناء لقائه وفدا من محافظة ديالى في مقر اقامته في السليمانية (330 كلم شمال بغداد) ان "ترسيخ التوافق الوطني وسيلة ناجعة لتوحيد صفوف الاطياف المتنوعة في البلاد، فالعراق لا يحكم بالغالبية فالوضع ما يزال يتطلب التوافق. بحسب فرانس برس.

واشاد بلجوء اعضاء مجلس محافظة ديالى الى التوافق واشراك غالبية الكتل في ادارة شؤون المحافظة، مشددا على اهمية انتهاج سياسة "باقة الورد العراقية" في اشارة الى تنوع الاطياف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/آيار/2009 - 30/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م