المسلمون ورهانات المستقبل

أحمد شهاب

تقدم وسائل التواصل والتفاهم والتعاون بين الشعوب في ظل ما يشهده العالم من طفرات تقنية في عالم التقنية الإلكترونية وشبكات الاتصال، لم يرافقه تخطيط أمثل من قبل الدول والشعوب العربية للاستفادة منها، وتسخيرها في خدمة قضاياها وهمومها ومشكلاتها، بل عجزت عن استثمار تلك الأدوات العصرية، على الرغم من تملكها لعدد كبير منها.

فشبكة الإنترنت التي أسهمت في مضاعفة القدرة الاتصالية بين شعوب الدول المتقدمة، والتي كانت من أبرز أدوات العولمة والكوننة، والسبب الرئيس خلف بناء الترسانة المعلوماتية للشركات العملاقة العابرة للقارات، فإن مجتمعاتنا استفادت منها في زيادة فرص التعارف بين الجنسين، وفي إبداع ما يُعرف «بمحاورات الشاتنج»، وفي نشر وتسويق الفتن المذهبية بالنسبة إلى المتحمسين للمذهبية، أو لنشر الأخبار الحقيقية والكاذبة في أكبر مشهد للفضائحية العربية والإسلامية.

من المؤسف أن المسلمين وبدلا من استثمار فرص الانفتاح والاتصال الكوني لتكثيف حركة التواصل على المستوى الفكري والإنساني مع الشعوب الأكثر تقدما وتميزا في الجوانب العلمية والمعرفية، ومحاولة التعرف إلى جوانب الضعف والقوة عند الآخرين، والسعي شيئا فشيئا نحو تجسير الفجوة الحضارية بين عالمنا المتأخر وعالمهم المتقدم، وبين مجتمعاتنا الساكنة ومجتمعاتهم الحيوية، فإن السواد الأعظم من المسلمين سلك منحى آخر تماما، وتحرك في اتجاه التسويق لثقافة مريضة تعكس الواقع المأزوم الذي عاشته الشعوب الإسلامية على مر السنوات في جو موبوء بالاستبداد الثقافي.

استفاد المسلمون من تقنية الإنترنت لنشر أسوأ نتاجاتهم الفكرية والثقافية، وعبروا بلغة مبتذلة ولا تليق بسمو الفكر الإسلامي عن معتقداتهم الدينية وأفكارهم وآرائهم المذهبية، وتحولت قاعات الشبكة العنكبوتية إلى مرتع آسن للقذف والتشهير والتعدي المذهبي، وميدان مُشرع لفرسان أشداء، لكن بسيوف ورقية مُغلفة بادعاء القلق على الدين والخوف على الأخلاق وحراسة القيم، ومبطنة بالأحقاد التاريخية والجرأة على التلاعب بالنصوص الشرعية، وسوء التربية.

وعلى الرغم من أن الانفتاح الإعلامي يُعد بمثابة الفرصة السانحة لإعادة تسويق المسلمين لمبادئ دينهم بحله جديدة، وترغيب العالم بالتمسك بالقيم الإسلامية الأصيلة، وإثبات أنها صالحة فعلا لكل زمان ومكان، إلا أن الفضاء الإعلامي تحول بيد عدد كبير من الإسلاميين إلى مجرد ساحة لتصفية الحسابات المذهبية والدينية، ولاسيما أن الذين تصدوا للإعلام والاتصال هم على شاكلة الذين يرون أن الدين له أظفار حادة يخدش بها المخالفين، وأن الآخرين لن يحترموا المسلمين، ولن يضعوا لهم اعتبارا إذا لم يكن للمسلمين صوت يصل حد الصراخ واستخدام القوة اللفظية تجاه الآخرين.

والمشكلة أن تلك اللغة العنيفة والأدوات الحادة، تستخدم بين المسلمين أنفسهم، وضد بعضهم البعض، في صراع مذهبي محموم مغرق بالسطحية والقشرية، حتى دخلنا في السنوات الأخيرة مرحلة الإثارة حول مسائل ليست لها أهمية تُذكر لمجرد الإثارة، وتحولت تلك المسائل والموقف منها بفعل التضخيم والتهويل والتعبئة الإعلامية إلى مؤشر على درجة الإيمان واليقين.

دشن المسلمون عصر المعارك الإعلامية الواسعة النطاق بنجاح كبير، وبعدما كانت المعارك مختزلة في الكتب والجوامع تحولت إلى الإنترنت والفضائيات في حالة أقرب إلى تفريغ الكبت منه إلى التعبير عن الأفكار والمعارف، بل أقرب إلى إطلاق رصاصة الإعدام على صدور المسلمين للانتقاص من وحدتهم وتماسكهم.

لا نحتاج اليوم إلى مواقع للجدل الديني والمذهبي، بل ساحات للحوار المعرفي والإنساني، ومنتديات للتثاقف بين الشعوب والأمم، ولن يفيدنا نشر الآراء المتشددة وثقافة الكراهية لأسباب دينية أو مذهبية، بقدر ما سوف تُفيدنا نشر ثقافة التسامح والمحبة، ونقل وتداول الآراء العلمية المفيدة، ولن يتغير العالم على وقع الشعارات المهيمنة على الفضاء الإعلامي، وإنما يتغير ويتجاوب مع النغم الإنساني الأخاذ والأفكار الحية الملهمة.

* كاتب من الكويت

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/آيار/2009 - 30/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م