باكستان.. طالبان وإفرازات الحرب الكارثية

الهجوم على سوات ربما يسبب رد فعل عكسي

 

شبكة النبأ: أرضت باكستان حلفاءها الغربيين وشنت هجوما كبيرا على مقاتلي طالبان لكن سجلها السياسي المتأرجح يعني أن عزيمتها لإنهاء المهمة ما زالت محل شك. ومع ذلك فقد نفى الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري ان تكون بلاده التي تملك ترسانة نووية على حافة الإنهيار واعداً بإنهاء المهمة او استسلام المتمردين...

لكن خبراء غربيون في المجال العسكري والمخابرات يرون أن الهجوم المكثف الذي تشنه باكستان على طالبان في شمال غرب البلاد عمل غير رشيد وربما يسبب المزيد من الاضطرابات في البلاد.

وتهاجم القوات المسلحة مدعومة بقوة جوية المسلحين في وادي سوات على بعد 130 كيلومترا الى الشمال من العاصمة الباكستانية إسلام أباد لوقف تمرد متزايد لطالبان أثار قلق الولايات المتحدة.

وأصدر رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني أوامر للجيش بتوجيه ضربات الى "المتشددين والارهابيين" الذين قال انهم يحاولون احتجاز البلاد رهينة تحت تهديد السلاح.

وفي الوقت الحالي يشيد بعض الباكستانيين بتحرك الحكومة مدفوعة بالقلق المتزايد من انتشار نفوذ طالبان في أنحاء الشمال الغربي والتفجيرات التي نفذها متشددون في البنجاب. بحسب رويترز.

كما أشادت واشنطن ايضا بهذا التحرك حيث ينظر الى الهجمات على المتشددين قرب الحدود مع افغانستان على أنها ضرورية لجهود الولايات المتحدة لضرب القاعدة وانهاء التمرد في ذلك البلاد.

لكن المتشككين يتساءلون عما اذا كانت لدى الجيش رغبة حقيقية لبذل جهد مستمر يمكن أن يؤدي الى وقوع خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين ويزيد من عبء النازحين وينفر الرأي العام.

وقال جاريث برايس رئيس برنامج آسيا في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية ببريطانيا "فيما مضى كانت هذه الهجمات للاستعراض. تبدأ في يوم وبعد ثلاثة ايام عندما تلقى الاشادة من واشنطن تتوقف. وأضاف "في هذه الحالة سيكون علينا أن نعطيها مزيدا من الوقت فحسب لنرى ان كانت ستتطور الى شيء مستدام."

ويرى محللون أنه ربما تكبح وكالة المخابرات العسكرية القوية الهجوم اذ انها لا تريد الاضرار بالعلاقات مع بعض الجماعات المسلحة التي تعتبرها أدوات في مواجهة باكستان مع الهند.

وقال سيد رفعت حسين من جامعة القائد الاعظم "طالما ظلت الهند العدو اللدود لباكستان وتمثل تحديها الامني الرئيسي لا أرى فرصة تذكر لوقف تعامل الدولة الباكستانية مع هذه الجماعات الجهادية."

زرداري يؤكد ان باكستان لن تنهار

ونفى الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري ان تكون بلاده التي تملك ترسانة نووية على حافة الانهيار بينما رحب مسؤولون اميركيون بالهجوم الذي يشنه الجيش الباكستاني على طالبان.

وقال زرداري في مقابلة مع شبكة التلفزيون الاميركية "ان بي سي""هل ستنهار دولة باكستان؟ لا. نحن 180 مليون نسمة. عددنا اكبر بكثير من عدد المتمردين". بحسب فرانس برس.

وكان زرادري الذي يواجه معارضة متزايدة من البرلمانيين الاميركيين الذين ينتقدون ادارته، التقى الاسبوع الماضي الرئيس الاميركي باراك اوباما بحضور نظيرهما الافغاني حميد كرزاي.

وقد عبر كرزاي عن استيائه من الضربات الاميركية على قرى افغانية بعد غارة اسفرت عن سقوط اكثر من 130 قتيلا بينهم نساء واطفال الاسبوع الماضي.

وقال مستشار اوباما لشؤون الامن القومي جيمس جونز ان الولايات المتحدة "ستضاعف" جهودها للحد من الخسائر في صفوف المدنيين لكنها لن تمنع قواتها في افغانستان من اللجوء الى الضربات الجوية.

واكد الجنرال جونز لمحطة "ايه بي سي" انه "لا يمكننا ان نقاتل واحدى يدينا موثقة وراء ظهرنا"، موضحا ان كرزاي "يتفهم انه علينا ان نمتلك كل القوة التي نحتاجها لهجومنا العسكري عندما نحتاج اليها".

كما رد قائد القيادة الوسطى الاميركية الجنرال ديفيد بترايوس على انتقادات كرزاي مؤكدا ان مقاتلي طالبان "يتحملون الجزء الاكبر من اللوم" باطلاقهم النار على القوات الاميركية من بيوت القرويين.

واشار بترايوس الى انه مع تقدم طالبان داخل باكستان نفسها، هناك "درجة من الاجماع" بين القادة المدنيين والعسكريين في باكستان على ضرورة التصدي لهم. وقال "انها معركة باكستان مع عناصر (...) يهددون وجود الدولة الباكستانية بحد ذاتها".

ورد الجنرال الاميركي على المخاوف التي عبر عنها اعضاء في الكونغرس بشأن سلامة الترسانة النووية الاميركية في مواجهة تقدم حركة طالبان. وقال "نثق باجراءاتهم الامنية وعناصرهم ونعتقد ان اجراءات ضمان سلامة المواقع مناسبة".

واعترف زرداري بان باكستان تواجه "مشكلة" مع ميليشيا طالبان داخل حدودها، داعيا الى معالجة دولية للتطرف بشكل شامل لانه "ليس ظاهرة باكستانية حصرا". وقال "اعتقد ان العالم يجب ان يدرك ان هذا هو التحدي الجديد في القرن الحادي والعشرين وهذه هي الحرب الجديدة".

الهجوم على وادي سوات ربما يسبب رد فعل عكسي

ويرى خبراء غربيون في المجال العسكري والمخابرات أن الهجوم المكثف الذي تشنه باكستان على طالبان في شمال غرب البلاد عمل غير رشيد وربما يسبب المزيد من الاضطرابات في البلاد.

ومن خلال استعانة باكستان بما يصل الى 15 ألف جندي وأسلحة ثقيلة ضد ما يقدر بنحو خمسة الاف من مقاتلي طالبان في سوات وهو الوادي الواقع الى الشمال الغربي من إسلام أباد فربما يحقق الجيش الباكستاني مكاسب قصيرة الاجل ولكنه يزيد من احتمال شن هجمات إرهابية على أهداف في مناطق أكثر استقرارا في شرق باكستان على المدى الطويل. بحسب رويترز.

ويقول محللون انه في حين أن الجيش ليس لديه خيار بشكل أساسي سوى مواصلة الهجوم بعد أن انتهكت طالبان اتفاق سلام وممارسة الادارة الامريكية ضغوطا على باكستان لاتخاذ اجراء فان الاستراتيجية العامة في حاجة الى تعديلات.

وقال نايجل انكستر الخبير في شؤون التهديدات العابرة للحدود في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن ومدير سابق في المخابرات البريطانية "في هذه الحالة قبل الجيش الباكستاني أن انتهاك طالبان لاتفاق سوات يمثل في واقع الامر خطرا لا يمكنه تجاهله أو عدم الرد عليه."

وأضاف "غير أن الاساليب المستخدمة تتناقض مع كل الممارسات الجيدة المتفق عليها لمكافحة التمرد خاصة استخدام النيران الكثيفة."

وأردف قائلا "هناك أوقات تحارب فيها تمردا وتتبع أساليب الحرب الجادة. ولكن على الرغم من ذلك هناك رأي عام وهو أن طبيعة رد الجيش المتسمة بالقوة المفرطة ربما تؤدي الى تزايد الاستياء في أماكن أخرى."

ومما يثير القلق على وجه الخصوص قدرة جماعات متحالفة مع طالبان على شن هجمات في أجزاء أكثر استقرارا من البلاد بما في ذلك العاصمة إسلام أباد عندما تتعرض طالبان لضغوط في مناطق أخرى. ويمكن تشبيه هذا الوضع بالبالون الذي اذا تم الضغط عليه في موضع ما فانه يتضخم في موضع اخر.

هذا النوع من رد الفعل ظهر في فترة سابقة عندما لجأت القوات الباكستانية الى القوة ومن المتوقع حدوث رد فعل مماثل هذه المرة أيضا حتى اذا وجهت ضربة شديدة لطالبان في سوات وأجزاء أخرى من الاقليم الحدودي الشمالي الغربي.

الباكستانيون يفرّون من وادي سوات

من جهته قال الجنرال ديفيد بتريوس قائد القيادة المركزية الامريكية إن تمرد طالبان المتنامي حرك باكستان لمحاربة "الخطر الذي يتهدد وجودها" في الوقت الذي شددت فيه اسلام أباد هجومها على متشددي طالبان.

وقال بتريوس ان الحملة العسكرية الباكستانية على طالبان في وادي سوات علامة على اتحاد زعمائها السياسيين وشعبها وجيشها ضد المتشددين.وأضاف في حديث لقناة فوكس نيوز صنداي "يبدو ان اعمال طالبان الباكستانية عبأت باكستان كلها."بحسب فرانس برس.

وقال بتريوس "بالتأكيد ستكون الاسابيع القادمة مهمة للغاية في هذا المجهود لوضع حد لهذا الخطر الذي يتهدد وجود باكستان... فالخطر الذي تمثله طالبان الباكستانية هو خطر حقيقي على وجود باكستان نفسها."

وتأمل باكستان في وقف تمرد طالبان من خلال هجومها في وادي سوات وهو منطقة سياحية سابقة تبعد نحو 130 كيلومترا عن اسلام اباد بعد ان انتقدت الولايات المتحدة الحكومة الباكستانية لتقاعسها عن التحرك ضد المتشددين.

وأمر الجيش الباكستاني سكان بعض المناطق في وادي سوات بمغادرة ديارهم يوم الاحد وخفف بشكل مؤقت حظر التجول المفروض للسماح للمدنيين بالفرار من القتال.

وقال الجيش ان نحو 200 متشدد قتلوا في سوات ومنطقة شانجلا المجاورة خلال الاربع والعشرين ساعة الاخيرة. ولم يتسن التأكد بشكل مستقل من العدد.

وغادر قرابة 200 الف شخص سوات في الايام الاخيرة ومن المتوقع أن يغادر المنطقة نحو 500 ألف شخص اجمالا. وينضم الفارون الى 555 ألف شخص نزحوا من سوات ومناطق اخرى بسبب القتال منذ أغسطس اب.

وقال زبير خان أحد سكان مينجورا وهي البلدة الرئيسية في وادي سوات في حديث هاتفي "الجميع يريدون الخروج من هذا الجحيم."

وتابع "البعض يخرجون بسياراتهم ويخرج كثيرون سيرا على الاقدام. لا يعلمون الى أين يذهبون ولكن البقاء هنا يعني الموت."

الامم المتحدة تتحدث عن ازمة انسانية كبيرة في باكستان

من جهة اخرى وصفت الامم المتحدة بـ "الازمة الانسانية الكبيرة" نزوح مئات آلاف السكان الفارين من المعارك في وادي سوات ومحيطه شمال غرب باكستان حيث يواصل الجيش هجومه على طالبان.

وقال الجيش انه قتل 52 مقاتلا اسلاميا متطرفا مرتبطا بالقاعدة خلال 24 ساعة غير انه يتعذر التأكد من هذه الحصيلة.

وسجل اعتداء انتحاري استهدف الجنود الباكستانيين، خلف عشرة قتلى بينهم ثمانية من المارة، وذلك على الارجح ردا على حملة الجيش المستمرة منذ 15 يوما. بحسب فرانس برس.

وقال مانويل بيسلر منسق الشؤون الانسانية في الامم المتحدة بباكستان لوكالة فرانس برس انه تم تسجيل اكثر من 360 الف شخص قادمين من وادي سوات واقليمي بونر ولوير دير (دير السفلى)، في مخيمات نازحين في الايام العشرة الاخيرة.واضاف "اننا نواجه ازمة انسانية كبيرة" معربا عن خشيته من ارتفاع عدد النازحين الى 800 الف شخص بحلول نهاية العام.

ولم تصدر الحكومة اي رقم رسمي لكن بعض المسؤولين المحليين باتوا يتحدثون عن نصف مليون نازح منذ بدء الهجوم العسكري في منطقة سوات قبل 15 يوما.

وكانت حركة طالبان المرتبطة بالقاعدة استولت قبل سنتين على وادي سوات، الموقع السياحي سابقا في البلاد فيما لم يتمكن الجيش من طردهم من هذه المنطقة.

وفي منتصف شباط/فبراير وقعت اسلام اباد اتفاق سلام وافقت بموجبه طالبان على وقف اطلاق النار مقابل اقامة محاكم اسلامية في سوات وستة اقاليم اخرى.

لكن المقاتلين الاسلاميين استغلوا وقف اطلاق النار لاحراز تقدم ميداني اكبر عبر الاستيلاء على اقاليم دير السفلى وبونر المجاورين، على بعد حوالى مئة كلم من اسلام اباد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/آيار/2009 - 21/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م