سعادة الانسان والعوامل المساعدة على تحقيقها

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: من طموحات الانسان المشروعة والمتفق عليها، هو سعيه الجاد والحثيث للوصول الى حياة سعيدة له ولذويه ولرعيته اذا كان مسؤولا عن مجموعة من الناس، فالسعادة هي مبتغى الجميع والسعي إليها لا يتقاطع مع تعاليم الاديان او الاعراف او التقاليد او غيرها من القوانين الاخرى.

وفي هذا الباب يقول المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي في كتابه الموسوم بـ (العلم النافع/ منهل السعادة):

( ينشد السعادة كلّ إنسان ويبحث عنها، ويسعى لها كل جدّه واجتهاده، وبعض الناس يعيشون السعادة، وكثير منهم لا يعيشونها. فأين تكمن السعادة؟).

إذن ينبغي أن يكون ثمة بحث مستفيض ودقيق عن مكامن السعادة  من لدن الانسان، ولعل التأكيد المستديم الذي يقول بأن مكمن السعادة هو الانسان نفسه او ذاته يتوافق مع ما ذهب إليه المرجع الشيرازي في كتابه هذا حيث يقول في هذا الصدد:

(إنّ أصل السعادة ومنبعها هو الرضا بما قسم الله جلّ وتعالى. وليست بالمال أو العلم أو الشباب أو صحّة البدن أو في الوظيفة أو في الشخصية أو في العشيرة أو الأقارب الكثيرين، أو في السمعة الطيبة؛ بدليل أنّ هنالك العديد ممّن توفّرت عندهم هذه الأمور لكن مع ذلك تراهم متعبين نفسياً، أو يقدمون على الانتحار ـ والعياذ بالله ـ .

لذا، فالملاك في السعادة أن يجد الإنسان نفسه قانعاً بمقدار ما يوجد في أعماق نفسه من رضا بما قسم الله سبحانه له، سواء كان شاباً أو كبير السن، فتاة أو عجوزاً، متزوجاً أو أعزب، رجلاً أو امرأة، غنياً أو فقيراً، جامعياً أو حوزوياً، وفي أيّ مجال كان. فإذا رضي مئة بالمئة، فهذا سعيد مئة بالمئة، وهكذا).

إذن تكمن السعادة في الرضا عن النفس، بمعنى ان الانسان كلما كان متوافقا مع نفسه كلما كان قريبا من كنز القناعة التي تقوده الى حالة التوافق مع الذات، وتبعده عن الندب او اللهاث وراء غنائم الحياة الفانية، فحين نقول بأن من حق الانسان الحصول والوصول الى السعادة ومنبعها، فهذا لا يعني قط ان يحقق الانسان مآربه بالطرق او الوسائل غير المشروعة، حيث سيتعارض ذلك مع مبدأ التوافق النفسي او الرضا عن الذات، ناهيك عن تقاطعه مع التعاليم الدينية والاخلاق والاعراف وما شابه ذلك، نعم انت لك كل الحق ان تكون سعيدا في حياتك ومن هم تحت رعايتك لكن ينبغي ان تصل الى هذا الهدف بما يقبل به الله تعالى.

إن إيمان الانسان بما أتى به القرآن الكريم في هذا الصدد سيغنيه عن الكثير من المصاعب والمتاعب في آن، وسوف يقوده الى السعادة بأقصر الطرق، وفي هذا الصدد يقول سماحة المرجع الديني الشيرازي في كتابه المذكور نفسه:

(إنّ الآيات المباركة في القرآن والأحاديث الشريفة عن المعصومين الأربعة عشر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قد أكّدت هذا الأمر كثيراً. ففي محكم التنزيل قال الله تعالى: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)، وفي دعاء الإمام زين العابدين سلام الله عليه الذي نقرأه في أسحار كلّ يوم من شهر رمضان المبارك والمعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي ـ الذي لو قرأه المرء مرّة واحدة بتأمّل وتفهّم دقيقين، فإنّه سيرجى عند الانتهاء منه أن يكون مستجاب الدعوة من الله إن شاء الله تعالى ـ نقرأ في آخر سطر منه العبارة التالية: «ورضّنـي من العيش بما قسمت لي».

إنّ امرأة فرعون كانت تعيش مع أسوأ الرجال، حيث كان طاغوتاً وجبّاراً وظالماً، فرضيت بما قسم الله لها، حين قالت كما أخبر عنها قوله تعالى: (رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) فكانت امرأة سعيدة، وصارت نموذجاً للاقتداء والتأسّي. فالله تعالى في كتابه العزيز يدعو النساء والرجال إلى التعلّم منها، وهذا هو أساس السعادة.

إنّ الرضا بما قسم الله ليس معناه أن لا يسعى الإنسان في رفع مشاكله أو سدّ نواقص حياته أو دفع معاناته، بل عليه مع ذلك أن يكون قانعاً بما قسمه الله عزّ وجلّ له، حتى يهنأ في معيشته وحياته.

إنّ الذي يرضى بما قسم الله له لا يتعرّض للأمراض، سواء البدنية منها أو النفسية ولا يقتل نفسه أبداً، وهذا أمر بالغ الأهمية وله آثار إيجابية كبيرة. فينبغي لكلّ مؤمن أن يعزم عليه ويعمل به دوماً، حتى يهنأ ويسعد في عيشه).

وهكذا نستطيع أن نقول بأن الانسان هو من يمسك بزمام الامور فيما يتعلق في استحصال السعادة والوصول الى منابعها وروافدها في آن، ولعل الامر مقرون بالارادة الانسانية الصالحة التي تدفع بالانسان الى البحث عن عناصر ومقومات سعادته ولكنها في الوقت نفسه تضع له الحدود والاشتراطات التي تمنعه من الشطط والميول الى ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى لأن ذلك سيقود (بما لايقبل الشك) الى تضارب وتضاد نفسي يدمر التوافق المطلوب توافره في ذات الانسان لكي يتجنب السقوط في مهاوي الرغائب والغرائز التي غالبا ما تدفع الانسان الى حافة اللامشروع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 17/آيار/2009 - 20/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م