فضيحة النفقات تستفز المجتمع البريطاني وتربك الحكومة

تراجع شعبية الحكومة البريطانية الى أدنى مستوى لها في تاريخ الحكومات

إعداد: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تسببت التسريبات الصحفية الأخيرة التي كشفت حجم الإنفاق الحكومي في بريطانيا بموجة من الاحتجاجات والانتقادات اللاذعة غير المسبوقة من قبل الصحف ووسائل الإعلام هناك.

حيث عدت اغلب الأوساط الرسمية والشعبية تلك الإجراءات بالفاسدة ويجب أن تلام الجهات التي أقدمت على ارتكابها. 

فيما كشف استطلاع للرأي اجري مؤخرا الى تدني شعبية الحكومة البريطانية بقيادة بروان الى أدنى مستوى في تاريخ الحكومات.

نفقات نواب البرلمان تهيمن على الصحف البريطانية

لا حديث للصحف البريطانية ولأيام طويلة قادمة كما يتوقع كثيرون إلا ما كشفته صحيفة الديلي تلجراف عن المبالغ التي يحصل عليها أعضاء البرلمان مقابل بعض بنود الإنفاق التي يتكلفونها أثناء خدمتهم فيه.

المسلسل ابتدأ مع كشف الصحيفة أن رئيس الوزراء جوردون براون قد حصل على مبلغ ستة آلاف جنيه دفعها مقابل تنظيف مسكنه على مدى عامين، لكنه دفع المبلغ لشقيقه "لأن من يقوم بتنظيف مسكنيهما شخص واحد ورئيس الوزراء مشغول جدا فليس لديه وقت للتعامل معه" كما فسر مكتب رئيس الوزراء. بحسب بي بي سي.

صحيفة الجاريان تناولت هذا الموضوع في مقال مطول ومسهب تحت عنوان "بيت العار" في إشارة الى مجلس العموم البريطاني تنقل عن شابة بريطانية صغيرة ستبلغ السن القانونية التي تسمح لها بالتصويت في الانتخابات المقبلة وصفها لسلوك النائب عن دائرتها وزير النقل جيف هون "ان من الغباء ان يطالب هون بكل هذه المبالغ كتعويضات سكن بينما نمر بمرحلة كساد اقتصادي، ان الناس هنا يعانون من اجل تأمين مصاريفهم بينما تدفع الحكومة حتى قيمة مشترياته من البقال من جيوب الناس".

بينما تنقل الصحيفة عن ناخب اخر في دائرة هون وصفه لفصول هذه الفضيحة بانه " الفساد بعينه".

وتشير الصحيفة الى ان هذه الممارسات لم تقتصر على الحكومة العمالية الحاكمة او النواب من حزب العمال بل تشمل ايضا حزب المحافظين المعارض بزعامة ديفيد كاميرون الذي حاول الحصول على قيمة عربة الاطفال لاحد اطفاله.

وفي مقالة اخرى عن نفس الموضوع قالت صحيفة الجارديان ان موظفي الضرائب سيقومون بالتدقيق في الارباح التي حصل عليها عدد من النواب من بيع منازلهم من دون دفع الضرائب المستحقة عليهم.

والبيوت موضوع التدقيق هي البيوت التي اشتراها النواب خلال عضويتهم في المجلس في لندن لاستخدامها سكنا لهم وصرفوا على تجديدها واصلاحها من اموال دافعي الضرائب وبعد ان ارتفعت اسعارها قاموا ببيعها محققين ارباحا بعشرات الالاف الجنيهات الاسترلينية.

وتورد الصحيفة اسمي عضوين في المجلس لم يدفعا ضريبة الدخل المستحقة عليهما وهما وزيرة الدولة للشؤون الاجتماعية هيزل بليرز التي كانت تتلقى 850 جنيه شهريا من الدولة لدفع اقساط القرض العقاري الذي اخذته لشراء شقة لها في لندن الى ان باعتها عام 2004 وحققت ربحا صافيا بلغ 45 الف جنيه ولم تدفع الضريبة المستحقة عن ذلك.

والثاني هو وزير العمل والمعاشات جيمس برونيل الذي قام ايضا ببيع المنزل الثاني له والذي كانت الدولة تصرف عليه كونه عضوا في مجلس العموم.

وتزخر الصحف بتفاصيل دقيقة ومثيرة بالنسبة للرأي العام البريطاني حول هذا الموضوع الذي كانت صحيفة الديلي تليجراف اول من تناولته قبل عدة ايام.

واعلنت الصحيفة اسماء خمسة نواب لحزب الشين فين، الجناح السياسي للجيش الجمهوري الايرلندي، تلقوا نصف مليون جنيه كتعويضات عن سكنهم في لندن رغم عدم توليهم مهامهم كأعضاء في مجلس العموم، ومن بين هؤلاء زعيم الحزب جيري ادامز ونائب رئيس حكومة ايرلندا الشمالية مارتن ماجنيس.

ونشرت جريدة الديلي تلجراف نشر وئاثق نفقات اعضاء البرلمان البريطاني حيث بينت مصروفات نواب حزب المحافظين الشخصية وتنوعت التعويضات التي رفع الاعضاء الرئيسيون في حزب المحافظين المعارض طلبات بتغطيتها من خزينة المجلس بين تغطية تكاليف صيانة منازل ريفية او بيوت فخمة بتكاليف بلغت عشرات الاف الجنيهات.

واشتملت القائمة طلب احد النواب دفع راتب سنوي بلغ 14 الف جنيه لموظف يقوم برعاية المنزل الخاص بالنائب، وطلب اخر بدفع الفي جنيه لتنظيف نفق يحيط بمنزل ريفي لاحد النواب، وايضا دفع تكاليف صيانة لمهبط طائرات عمودية.

واعتبرت الجريدة ان هذه الطلبات التي تتعلق بنفقات باذخة سيثير حفيظة دافعي الضرائب بشكل اوسع ويثير الشكوك حول اداء مكتب مراقبة نفقات مجلس العموم.

واشارت الجريدة ان ثلاثة اعضاء محافظين تحدثت اليهم الصحيفة ابدوا استعدادهم لاعادة دفع الاموال التي طالبوا بالحصول عليها من المجلس لصيانة او تدفئة برك سباحة في منازلهم الثانوية من مالهم الخاص.

من جهتها عدت صحيفة الديلي تيليجراف إن من بين المطالبات بالنفقات التي تقدم بها ثمانية نواب برلمانيون من حزب المحافظين البريطاني مطالبات لصيانة أحواض سباحة في منازلهم.

وألقت الصحيفة الضوء على ما أسمتها أكثر المطالبات تبذيراً التي نشرت حتى الآن في سلسلة أخبار تعتمد على فواتير مسربة لنفقات النواب.

وتقول الصحيفة إن ثلاثة نواب تقدموا بمطالبات تتعلق بأعمال نظافة أو إصلاح أحواض سباحة في منزلهم الثاني.

لكن الوزير المحافظ السابق دوجلاس هوج نفى أن يكون طالب بألفي جنيه إسترليني لتغطية نفقات تنظيف مجرى مائي في عقار تابع له.

وذكرت مصادر أن زعيم المحافظين ديفيد كاميرون روع بسبب بعض التسريبات التي تم الكشف عنها ويدرس اتخاذ اجراءات تأديبية ضد المتورطين.

وقالت الديلي تيليجراف إن هوج تقدم بمطالبات بأكثر من 2000 جنيه استرليني لتنظيف مجرى مائي حول عقار له وبـ 14500 جنيه لمدبرة منزله.

لكن هوج قال لبي بي سي إنه لم يطالب أبداً بأن يدفع له نظير تنظيف المجرى المائي، وإن هذا البند ذكر في تفاصيل نفقات منزله.

وذكرت التقارير أن نائب رئيس البرلمان الان هاسيلهيرست طالب بمبلغ 142 ألف جنيه لمنزله الريفي و12 ألف جنيه لأعمال البستنة خلال خمس سنوات.

وأخبر هاسيلهيرست بي بي سي أنه طالب بمبلغ الـ 142 ألف جنيه، لكنه قال إنه حول منحة منزله الثاني من لندن إلى دائرته الانتخابية عندما صار نائباً لرئيس البرلمان وإنه يعتقد أن هذه المطالبة ضمن القواعد المعمول بها.

ولم تتمكن بي بي سي حتى الآن من الاتصال بالنواب المحافظين الثلاث الذين قيل إنهم تقدموا بمطالبات لإصلاح أحواض سباحة.

وتتضمن قائمة التسريبات في عدد الصحيفة الصادر الثلاثاء مطالبة أحد النواب بمبلغ 7000 جنيه لحديقته بما في ذلك قطع سياجها لاعداد مساحة لهبوط طائرة مروحية، وقال هذا النائب البارز للصحيفة إن هذه كانت مزحة عائلية.

واتهم نواب بالمطالبة بمبالغ مالية لتسوية واعداد حقول لترويض الخيول، وذكر أن نائباً طالب بـ 380 جنيهاً للحصول على سماد وعبوات من المخصبات.

كما شملت قائمة التسريبات كذلك مطالبة بطعام كلب وأخرى لاصلاح قناة مائية تحت ميدان للتنس وثالثة لاصلاح مصباح كهربائي.

وكان رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون اعتذر الاثنين نيابة عن كل الأحزاب السياسية لما تم الكشف عنه بشأن مطالبات النواب المالية.

وأضاف براون أن على السياسيين مسؤولية خدمة الجمهور. وحث زعيم المحافظين ديفيد كاميرون النواب على ابداء الأسف.

وقال زعيم الديمقراطيين اللبراليين نيك كليج إن الاعتذار يجب ألا يكون فارغ المضمون بل يجب أن يتبعه تغيير حقيقي.

من جانبه قال رئيس مجلس العموم ميشيل مارتن للنواب إنه ليس كافياً فقط اتباع القواعد، بل عليهم أيضاً الأخذ في الاعتبار "روح الحقيقة" عندما يتقدمون بمطالباتهم، متعهداً بالمزيد من التدقيق المستقل في النظام المعمول به مستقبلاً".

شعبية الحكومة البريطانية تتراجع

على اثر ذلك تراجعت شعبية الحكومة البريطانية الى أدنى مستوى لها في تاريخ الحكومات البريطانية مع تكشف مزيد من التفاصيل عن انفاق اعضاء البرلمان على امور شخصية بينها تحسين منازلهم، حسبما اظهرت استطلاعات للرأي.

ودلت استطلاعات الراي على ان حكومة رئيس الوزراء غوردون براون التي لا تحظى بشعبية، تواجه موجة من مشاعر انعدام الثقة عند الشعب بسبب هذه المسالة مع ان سلسلة الفضائح لم توفر ايا من الاحزاب السياسية الاخرى. بحسب فرانس برس.

وفي اخر الاخبار المتسربة قالت صحيفة صنداي تلغراف ان اعضاء البرلمان من حزب الشين فين الجمهوري الايرلندي الشمالي بمن فيهم جيري ادامز دفعوا نحو 500 الف جنيه استرليني (560 الف يورو، 750 الف دولار) ثمنا لمنزل ثان لهم في لندن رغم انهم لم يشغلوا مقاعدهم في مجلس العموم.

واضافت ان النائب المحافظ والوزير السابق جون غمر طلب استرداد اكثر من تسعة الاف جنيه سنويا من الخزينة العامة تعويضا عن تكاليف ترتيب الحديقة في منزله الريفي بما في ذلك مئة جنيه سنويا للتخلص من الفطريات.

اما كيتي اوشير الوزيرة في حكومة براون فقد حصلت على عشرين الف جنيه استرليني لاصلاح منزلها في لندن عقب انتخابها، رغم انها تعيش في ذلك المنزل منذ خمس سنوات.

ونقل عن كيتي قولها في رسالة قدمتها الى مسؤولي البرلمان تطالب فيها بالتعويضات "ادرك ان هذا يفوق حدودنا -- ارجو منكم ان تدفعوا ما تقدرون على دفعه".

ورغم ان جميع هؤلاء النواب كانوا يتصرفون في حدود القوانين، الا ان مسالة النفقات التي سيطرت على عناوين الصحف في بريطانيا خلال الاسبوعين الماضيين، اثارت غضب البريطانيين خاصة وان بريطانيا تعاني من الركود.

واوضح استطلاع للرأي اعدته مؤسسة "بي بي اي اكس" ونشرته الاحد صحيفة "ميل اون صاندي" ووزعت نتائجه مسبقا، ان شعبية حزب العمال قد تراجعت ثلاث نقاط مئوية مقارنة بالشهر السابق وتدنت الى 23% في اسوأ نتيجة للحزب منذ 1943.

وقد استطلعت المؤسسة اراء 2246 شخصا بين السابع والتاسع من ايار/مايو. واشارت الى تقدم كبير لحزب المحافظين، اكبر احزاب المعارضة، بلغ 22 نقطة على العماليين.

وستجرى الانتخابات العامة في حزيران/يونيو 2010.

واظهر استطلاع اخر اجراه معهد "اي سي ام" لحساب صحيفة "نيوز اوف ذي وورلد" الاسبوعية ان 68% من البريطانيين يعتقدون ان فضيحة النفقات اضرت ببراون مباشرة، بينما قال 89% ان سمعة رئيس الوزراء قد تضررت. واجري الاستطلاع على 508 شخصا بين 8 و9 ايار/مايو.

وفي عمود في الصحيفة تساءل اسقف كانتربيري السابق اللورد جورج كاري عن ما اذا كان السياسيون يمكن ان يستعيدوا ثقة الشعب بعد الفضيحة. وقال ان "السلطة الاخلاقية للبرلمان في ادنى مستوى لها في التاريخ".

ووعد براون بتغيير القوانين كما قال حليفه المقرب ايد ميليباند وزير التغيير المناخي الذي رأى ان الضجة تعتبر "تحديا وجرس انذار" بخصوص نظام الانفاق الحالي.

وصرح لتلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" انه "تمر بك احيانا عطل سيئة واسابيع سيئة، هذا هو حال السياسة"، مؤكدا ان براون هو الرجل الانسب لقيادة بريطانيا واخراجها من الازمة الاقتصادية.

فضيحة النفقات تهز الحكومة

وفي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، اعتذر رئيس الوزراء البريطاني، غوردون براون، عن كافة الأحزاب السياسية، بعد كشف صحيفة بريطانية عن كيفية استغلال بعض أعضاء البرلمان والحكومة لنظام "استعادة نفقات"، في خطوة هزت بعنف الثقة في سلطة الحكومة والبرلمان وتدني شعبية "حزب العمال" الحاكم.

ومن جانبه أقر زعيم حزب المحافظين المعارض، ديفيد كاميرون، والذي يتوقع فوزه بهامش كبير في الانتخابات العامة المقبلة، بضرورة اعتذار كافة نواب البرلمان وتغير النظام بأكمله.

وتفجرت الفضيحة إثر نشر صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، صوراً لكافة فواتير نفقات أعضاء البرلمان، ويتوقع نشرها خلال الشهرين المقبلين، بموجب قانون حرية المعلومات.

وخصصت الصحيفة عدداً من صفحاتها يومياً لكشف تفاصيل كيفية تبديد أموال دافعي الضرائب، واستغلال" النظام، تحت مسمى "استعادة نفقات" المخصص لتعويض أعضاء الحكومة والنواب عن نفقات تتعلق بأداء مهامهم الحكومية، منها نفقات لشراء وسائد حريرية، وأجهزة تلفاز وأخرى لتشذيب الحدائق، وطعام كلاب. بحسب (CNN).

واعتذر براون، في كلمة أدلى بها أثناء زيارته للكلية الملكية للتمريض في هاروغيت في يوركشير، "كما أن لكم معايير سامية في مهنتكم، علينا أن نظهر أن مهنتنا كذلك لها مثل المعايير."

وقال إنه ينبغي استعادة ثقة الشعب "فورا.. أعتذر عن كافة السياسيين، وكافة الأحزاب، عن ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية."

وكسائر العديد من دول العالم، تقدم الحكومة البريطانية علاوات سكن لنواب البرلمان، في مناطق إقامتهم الأصلية التي يمثلونها في البرلمان، بالإضافة إلى سكن آخر في العاصمة، حيث مقر المجلس.

وتابعت الصحيفة هجومها: "علاوة النفقات الإضافية هذه صممت لمساعدتهم (النواب) في ملاقاة التكاليف الإضافية للإقامة في بيت ثان، إلا أنه وبإجماع مشترك، تم استغلال النظام."

وأضافت: "نتحدث عن استغلال متعمد لنظام يفتقد الرقابة، بواسطة عدد كبير من النواب، لما قد يبدو للناخبين ما يشبه عملية إثراء لأنفسهم بفساد وعلى حساب الشعب."

ومن بين التسريبات التي نقلتها الصحيفة، مطالبة رئيس المجلس لنفقات بلغت 4 آلاف جنيه إسترليني عن استخدامه وزوجته سيارات الأجرة في رحلات تسوق، بالإضافة إلى إنفاقه 150 ألف جنيه إسترليني، من أموال دافعي الضرائب، في التنقلات إلى المحكمة العليا لمحاولة منع الكشف عن كيفية إنفاق النواب لأموال دافعي الضرائب.

ودفع الكشف المواطنين للمطالبة بتبرير مطالبة النواب بعلاوة طعام، تصل إلى نحو 400 جنيه إسترليني شهرياً، فيما يتمتعون بوجبات من مطاعم مدعومة من قبل الحكومة، في وقت يعاني فيه الشعب من ضائقة حادة جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة.

وأظهر استطلاع للرأي حديث تراجع شعبية "حزب العمال" بأربعة نقاط، عن معدلات مطلع إبريل/نيسان المنصرم، إلى 26 في المائة، أعلى بقليل عن أدنى مستويات الصيف الفائت.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/آيار/2009 - 19/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م