لنقدم الوجه الحقيقي للعراق

محمد علي جواد تقي

وجوه باسمة لأفراد الشرطة على نقاط التفتيش في الطرق الخارجية والداخلية، وشباب يمارسون رياضة كرة القدم في ساحات مفتوحة، والحياة العامة جارية بخير مع شئ من العمران والتغيير يدبّ في ميادين الخدمات والبناء وفرص العمل، كلها مشاهد سريعة مرت على عراقي مهاجر عاد الى وطنه حديثاً بعد فراق دام ثلاثين عاماً بالكامل، لكنها لم تكن مشاهد مألوفة، فكانت الغرابة والتعجب مرتسمة على وجهه طوال فترة تواجده في وطنه الأم، وبمعرفة السبب يبطل العجب – كما يقال- إذ إن صورة العراق في الخارج تتعرض للتشويه والتزييف لأسباب مختلفة، فهي عند المقيمين في الخارج تضم مشاهد الرعب والدمار والفقر والبؤس، وحياة لاتُطاق، لذا فان مجرد التفكير بزيارة العراق تُعد مغامرة غير محمودة العواقب.

لاعتب على إخواننا وأصدقائنا المهاجرين المقيمين في مختلف بلاد العالم، فهم لا يبرحون يعبرون عن مشاعر الودّ والحنين الى الوطن والأهل، لاسيما كبار السنّ منهم، الذين قضوا ردحاً من الزمن أيام الرخاء والأستقرار قبل اشتعال فتيل الحروب الصدامية، لكن كل العتب على وسائل الاعلام وأيضاً بعض المهاجرين الزائرين، الذين لا يلتزمون الأمانة ولا يحكّمون الوجدان عندما ينقلون الصور والمشاهدات عن الأوضاع في العراق، وربما يفترق الاثنان على الهدف والغاية من نقل الصور المشوهة وغير الصحيحة عن العراق.

 فالمغترب يحاول تبرير عدم عودته مع أهله الى وطنه الأم، فيما وسائل الاعلام تحاول تسويق رسائل اعلامية فضفاضة غير رصينة تحوي عبارات الرجاء والتوسّل لمدّ يد العون الى ابناء الشعب العراقي بذريعة أنه يعيش البؤس والحرمان، مما يعني أن الإثنان يشتركان في اللامسؤولية عن سمعة البلد وكرامة شعبه، والكل يعلم ما لدى العراق من خيرات وامكانيات مادية وانسانية كامنة تحت رماد الحروب والأجندة الخارجية.

وربما هناك من يسأل؛ كيف نستقطب مساهمات ومشاركات إخواننا وإصدقائنا خارج العراق لمشروع إعمار وبناء البلد؟

نعم؛ إنه سؤال وجيه يصدر من شخص مسؤول وحريص على حاضر ومستقبل بلده وشعبه، وبكل بساطة نقول: ان تكرار الآهات وتسليط عدسات الكاميرات على دموع الأرامل والأيتام وأوضاعهم المأساوية، سيثير في نفس كل غيور وخيّر الاشمئزاز والاحباط ، حتى انه ربما يتسائل عن امكانية انهاء هذه المعاناة برفد الأموال والمساعدات المختلفة؟ أو ان العطاء يجب ان يستمر للعراق الى ما لانهاية!

وهذا لايعني بأي حال من الأحوال إخفاء مظلومية شعبنا والسكوت عن حقوقه المشروعة ومكافأته على تضحياته الجسام، لكن يجب أن يعلم الجميع أن بين ركام المعاناة من أرامل وأيتام وعاطلين عن العمل طاقات جبارة وعقول عظيمة، من شأنها – إن تم استثمارها- أن تنتشل العراق مما هو فيه وترتقي به الى مستويات عالية من التقدم والازدهار.

وهذه مسؤوليتنا وجميع الأخوة الاعلاميين في إظهار الصورة الحقيقية للعراق والعراقيين للأخوة والأصدقاء، والقضية مستعجلة إذ ربما يصل الآخرون من وراء البحار والمحيطات ويستحوذون على هذه الطاقات والامكانات، لأن بعد ذلك قد يكون العراق أكثر مأساوية مما هو عليه اليوم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/آيار/2009 - 19/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م