الاحتفاء بالمبدعين

بقلم: علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ليس من السهل أن تُطلق صفة الإبداع على الانسان من لدن المعنيين او المتابعين لمنجزه في أي مجال كان، فالابداع كما يُتفق على توصيفه هو إنجاز سبقٍ ما في مضمار ما لم يسبقك إليه أحد، بمعنى أنك تكتشف الجديد الذي لم يطرقه أحد قبلك، ولاينحصر الابداع في مجال او حقل محدد من النشاطات البشرية بل يتوزع على عموم مجالات الحياة الفكرية والعلمية وغيرها.

ولعل الشعوب والأمم الأكثر تطورا من غيرها هي الأكثر إهتماما ورعاية لمبدعيها، بمعنى أن احتفاءهم بالمبدعين ليس فعلا كماليا يحاول أن يحسَّن صورتهم بصيغ مزيفة، بل تُعدّ مسألة الاحتفاء نمطا أساسيا من أنماط حياتهم الفعلية، فتلك الامم والشعوب المتقدمة عندما تحتفي بأحد مبدعيها فإنها تقصد ذلك فعلا وأنها تمارس هذا الاحتفاء ليس لتلميع الاطار الخارجي لوجه الشعب ومظهره، بل تضع مثل هذا الاحتفاء في صميم واجباتها وأنماط حياتها.

ولذلك يتطور الإبداع ويتكاثر المبدعون لديهم لسبب بسيط أن المبدع ينتظر أن يقطف ثمار إبداعه وما يقدمه من منجز في احد مجالات الثقافة او غيرها، بمعنى أن الجهد الفكري او العملي الذي يبذله العقل الموهوب المتميز في مجالا ما لايذهب سدى، فهناك من يراقبه ويتابعه ويقدم له نتيجة جهده الخلاق ما يستحقه من رعاية وتكريم واحتفاء .

لكن الأمر معنا لا يحتكم الى ما ذكرناه آنفا، حيث يفتقد الوسط المعني الى التقاليد الراسخة والحقيقية في رعاية الابداع والمبدعين معا، بل قد لانخطئ اذا قلنا ان حجب الرعاية والاهتمام قد لاتكفي بعضهم فيتحول الى محاربة الابداع بأشكاله كافة!!.

ولعل العلاقة الشائكة بين المثقف والسياسي هي احدى اهم إشكاليات الصراع المجتمعي في كثير من الدول العربية، فمع حاجة المثقف (لمعونات) السياسي ولهاثه وراء تحقيق بعض متطلبات العيش العادي، نجد أن السياسي يتعامل معه وفق أساليب أقل ما يُقال عنها إنها (نفعية مصلحية)، وقد تجاوز الغربيون هذه الاشكالية حين فصلوا بين المثقف والسياسي بعد أن وفروا للمثقف او المبدع  متطلباته الحياتية وغيرها بعيدا عن السياسيين وقراراتهم التي غالبا ما تتوشح بالطابع النفعي البراغماتي إن صحَّ الوصف.

وقد تنبّه المبدعون والمثقفون عموما الى طبيعة هذا الصراع بينهم وبين السياسيين، غير ان المشكلة الحقيقة التي ربما تظل قائمة هو لهاث البعض منهم وراء السياسي من اجل تحقيق منفعة اسرع واكبر، وهذا يُعد نوع من الخرق في صفوف المثقفين، ولعل معالجته تكمن في تنشيط الجهات الداعمة غير الحكومية، فالمعروف عن الحكومات أنها اذا ما أعطتك (كمبدع او مثقف) مكسبا ما بيدها الأولى القصيرة ستأخذه منك بيدها الثانية الطويلة.

وعليه يُفضَّل عدم الاعتماد على منح الحكومات لأنها أشبه بالفخ الذي يستدرج الآخرين سواء بغفلة منهم او بوعيهم التام.

أما مسألة الاحتفاء بالمبدع الراسخ فهو امر لاعلاقة له بهذه الحكومة او تلك، أو يُفترَض ان يكون كذلك، بل ينبغي على ذوي الشأن أن يعملوا بجد على ترسيخ نوع من السلوك الاحتفائي الذي يدخل ضمن منظومة سلوك الوسط المتخصص، فيصبح نشاطا طبيعيا وليس مفتعلا او شكليا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/آيار/2009 - 17/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م