الفلسطينيون وصدمات ما بعد الحرب

 يلجأون الى المهدِّئات ويعمّرون بيوتهم بالطين وانتشار سوء التغذية بين الأطفال

 

شبكة النبأ: يلجأ الفلسطينيون الذين يكافحون من أجل مواجهة الحصار الاسرائيلي لغزة والصدمة التي خلفتها الحرب الى المسكنات والمهدئات بمعدل قد يسبب الادمان.

وهناك أيضا ما يدل على تزايد استخدام الادوية الخاصة بتحسين الحالة المزاجية حيث تعيش غزة بلا مستقبل سياسي واضح.

وفي ظل ذلك أفادت وكالات الأمم المتحدة ومسؤولون من وزارة الصحة وأخصائيو الرعاية الصحية في غزة، أن الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة بالإضافة إلى الهجوم الإسرائيلي الأخير قد تسببَّ في تزايد خطر سوء التغذية لدى الأطفال.

وفي دراسة مسحية نشرتها قوة الامم المتحدة للمساواة بين الجنسين في 21 ابريل نيسان تحدث سكان في غزة عن مشاكل صحية بعد الهجوم الاسرائيلي الذي استمر 22 يوما في يناير كانون الثاني وأشار معظمهم الى مشاكل نفسية وأخرى تتصل بالتوتر والضغوط.

وجاء في ملخص تم عرضه في القدس "مع تزايد الاصابة بالصدمات والضغوط والامكانية المحدودة للحصول على خدمات نفسية مهنية هناك مشكلة متزايدة بين سكان غزة تتمثل في العلاج الذاتي بأدوية دون اشراف طبي."

وقالت مدرسة للصف الثامن طلبت عدم نشر اسمها انها اكتشفت مؤخرا استخدام اطفال في الثالثة عشرة من العمر هيدروكلوريد الترامادول وهو مسكن قوي يباع تحت الاسم التجاري ترامال وهو الآن العقار المفضل في قطاع غزة.

وسرق صبي الدواء من غرفة والديه وأعطاه لاصدقائه دون أن يدري بمدى فعاليته او المجازفة بادمانه.

ويقول اسلام شهوان المتحدث باسم قوة الشرطة التابعة لحركة حماس ان ترامال وهو مركب من شبائه الافيون طورته شركة جروينينتال الالمانية عام 1977 لعلاج الالام المتوسطة والحادة يلقى رواجا بين طلبة المدارس الثانوية في غزة من الذكور والاناث. بحسب رويترز.

ومن الممكن جني أرباح كبيرة من العقاقير التي يقول صيادلة وتجار ان بالامكان تهريبها عبر الانفاق من مصر وبيعها بأضعاف السعر الذي تم شراؤها به.

ويقول سالم وهو طبيب وصاحب صيدلية "اي نوع واي شيء يأتي عبر الانفاق التي ما زالت تعمل."

ويقول فلسطينيون ان نحو 1400 شخص بينهم 926 مدنيا قتلوا في الحرب التي شنتها اسرائيل من 27 ديسمبر كانون الاول الى 18 يناير كانون الثاني ضد المسلحين الذين تقودهم حركة حماس في قطاع غزة.أما اسرائيل فتقول ان معظم القتلى وفقا لاحصائها البالغ 1166 قتيلا فلسطينيا كانوا من المسلحين.والى جانب الدمار الهائل زاد القصف من مشكلات الفقر والبطالة والتكدس التي تعانيها غزة.

وقال تيسير دياب الطبيب النفسي ببرنامج غزة للصحة النفسية ان الكثيرين يتعاطون هذه العقاقير للتعامل مع الاكتئاب خاصة الشبان الذين فقدوا وظائفهم وليس لهم دخل.

وتباع اقراص ترامال 100 ملليجرام مقابل 25 شيقل (ستة دولارات) لعبوة من عشرة أقراص. والى جانب ترامال ذكر صيادلة أن ايلاترول ومضادات الاكتئاب الاقدم مثل الفاليوم والانافرانيل شائعة الاستخدام.

وهناك حبة غامضة تعرف مطبوع عليها علامة "الدولار" وهي اغلى بكثير وتلقى رواجا ايضا. ويقول خبراء بمجال الصحة العقلية ان الادمان منتشر.

تقرير أممي يلقي الضوء على الصدمة النفسية لدى سكان غزة

ونشرت فرقة العمل المشتركة بين وكالات الأمم المتحدة المعنية بالقضايا الجنسانية، وهي عبارة عن آلية لإدماج القضايا الجنسانية في سياسات وبرامج الأمم المتحدة، في 23 أبريل/نيسان نتائج دراسة استقصائية عن الأسر تناولت احتياجات وتصورات الرجال والنساء في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على غزة الذي استمر 23 يوماً.

وقد أجري الاستطلاع عبر لقاءات مباشرة مع 1,100 رجل وامرأة من البالغين في جميع أنحاء قطاع غزة، وذلك في الأسبوع الأول من شهر مارس/آذار 2009. وتتبع فرقة العمل المشتركة بين وكالات الأمم المتحدة المعنية بالقضايا الجنسانية لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة في الأرض الفلسطينية المحتلة.

وقد أفاد معظم من شملهم الاستطلاع أن الصدمات النفسية تشكل المصدر الرئيسي للقلق بالنسبة لهم وذلك بغض النظر عن نوع جنسهم أو المنطقة أو الفئة الاجتماعية التي ينتمون إليها. كما خلص الاستطلاع إلى أن هناك حاجة ماسة لتوفير خدمات الرعاية النفسية تماثل الحاجة للغذاء والماء.

وفي هذا السياق، قالت ابتهال (رفضت الإدلاء بكامل اسمها)، 24 عاماً، وهي مسؤولة علاقات عامة بمنظمة للتراث في مدينة غزة: "علينا أن نساعد أنفسنا على التعافي من صور وذكريات الحرب... فخدمات الاستشارة غير متاحة للجميع وليس لدينا سوى مستشفى واحد للأمراض النفسية. كما أن المجتمع لا يتقبل فكرة اللجوء للعلاج النفسي". وأشارت ابتهال إلى أنها تأثرت كثيراً بعجزها عن تقديم المساعدة لمن كانوا بقربها وعانوا حتى الموت.

كما أشارت الدراسة إلى أن زيادة التوتر وقلة فرص الحصول على الخدمات النفسية والاجتماعية أدت إلى ظهور مشكلة التطبيب الذاتي مع اللجوء إلى علاجات دوائية غير خاضعة للمراقبة، حيث أبلغ عاملون في القطاع الطبي وصيادلة في قطاع غزة عن زيادة في التطبيب الذاتي واستخدام مواد وأدوية التحكم في السلوك خلال فترة الصراع وبعدها في غزة. بحسب تقرير شبكة الانباء الانسانية.

وبالرغم من تكاثف جهود الإغاثة في قطاع غزة في مرحلة ما بعد الصراع، إلا أن 85 بالمائة من الرجال و88 بالمائة من النساء الذين شملهم الاستطلاع أوضحوا أنهم لم يشاركوا في أية مشاورات حول أي نوع من أنواع المساعدات الإنسانية في مجتمعهم. كما أفادت النساء اللواتي شاركن في تصميم الإغاثة أن هذا المجال يهمن عليه الرجال بشكل كبير.

ويعتقد صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة أنه يمكن استخدام الدراسة كأداة لتقديم مساعدات تستجيب لاحتياجات الجنسين.

وقد أفاد حوالي 60 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع أنهم تلقوا مساعدات غذائية منذ انتهاء الحرب ولكن حوالي نصف المستفيدين أعربوا عن عدم رضاهم عن المساعدات التي حصلوا عليها بدعوى أنها كانت إما غير كافية أو غير ملائمة لاحتياجاتهم.

انتشار علامات تفاقم سوء التغذية بين الأطفال

ومن جهة ثانية أفادت وكالات الأمم المتحدة ومسؤولون من وزارة الصحة وأخصائيو الرعاية الصحية وعدد من المنظمات غير الحكومية في غزة أن الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة بالإضافة إلى الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استمر لـمدة 23 يوما قد تسبب في تزايد خطر سوء التغذية لدى الأطفال.

وقد أعرب مسؤولو منظمة الصحة العالمية عن قلقهم حيال ارتفاع مؤشرات سوء التغذية، مثل زيادة حالات التقزم والهزال ونقص الوزن لدى الأطفال واستمرار ارتفاع معدلات فقر الدم بين الأطفال والنساء الحوامل.

وفي هذا السياق، أجرت منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي تقييما نوعيا لمستوى الأمن الغذائي في قطاع غزة لعام 2008 وأوائل عام 2009، أشار إلى تزايد مستويات انعدام الأمن الغذائي بالمقارنة مع عام 2007، وفقا لمستشار منظمة الأغذية والزراعة والأمن الغذائي في القدس، إيرمينيو ساكو. كما أفاد المكتب المركزي الفلسطيني للإحصاء أن القدرة على اقتناء المواد الغذائية واستهلاك الطاقة في قطاع غزة قد انخفضت بنسبة 10 بالمائة خلال الفترة بين 2005 و2007.

وأفادت منظمة الأغذية والزراعة أن القطاع الزراعي في غزة ظل يناضل على مدى 18 شهرا الماضية للتغلب على آثار الحصار الإسرائيلي المفروض القطاع وعلى حركة الواردات والصادرات فيه، مما تسبب في انخفاض القدرة الإنتاجية، والحد من فرص الحصول على الأغذية الطازجة بأسعار معقولة.

الفلسطينيون يلجأون الى الطين بعد حرمانهم من الخرسانة

ملَّ جهاد الشاعر من انتظار سماح اسرائيل بدخول الأسمنت والحديد الى قطاع غزة الذي تديره (حماس) وبدأ يدبِّر أموره بنفسه ليبني بيتاً بالطوب اللبن.

فبعد أكثر من ثلاثة أشهر على نهاية الهجوم العسكري الاسرائيلي الذي قتل مئات الفلسطينيين ودمر أو ألحق أضرارا بآلاف المنازل لا يزال سكان القطاع الفلسطيني بانتظار المواد اللازمة لإعادة بنائه.

ولا يزال الاتفاق السياسي مع اسرائيل لتخفيف حصارها للقطاع بعيد المنال اذ يحول الانقسام بين حركتي حماس وفتح دون التوصل اليه.لكن الشاعر يقول ان فكرته بدأت تنتشر.فالطين متوفر على العكس من الأسمنت والحديد.

وزار سكان من غزة بيته المكون من غرفتين بغرض معاينته وقال العديد منهم انهم سيطبقون الفكرة ويبدأون في بناء منازل من الطين لتأويهم. بحسب رويترز.

وقال الشاعر "لا يوجد بديل .. الأسمنت لا يدخل وفصائلنا لا تتصالح" في إشارة الى عدم حدوث تقدم في محادثات الوحدة الفلسطينية والتي تأجلت مرة أخرى هذا الاسبوع حتى منتصف مايو آيار دون أي علامة على امكانية التوصل الى اتفاق.

وأضاف الشاعر الذي استخدم الالواح الخشبية لتسقيف منزله "الناس تريد أن تتزوج وآخرون يريدون أن يبنوا بيوتهم. أنا أنصح الناس أن يبدأوا في بناء مساكنهم وألا ينتظروا."

والمنازل المبنية بالطوب الاحمر والتي تصنع أسقفها بالقرميد والألواح الخشبية على غرار تلك الشائعة في الغرب والصين نادرة الوجود في الأراضي الفلسطينية والشرق الأوسط عموما. والنوع السائد بالمنطقة هو البنايات التي تستخدم في إنشائها الخرسانة المسلحة بالحديد والأسمنت.

وبدا الشاعر سعيدا باكتشافه هذا. فقد تكلف بناء منزله 3000 دولار فقط. وقال "هذا بيت من الطين .. يعني بارد في الصيف دافيء في الشتاء."

وفي شمال قطاع غزة حيث دمرت مئات المنازل في الهجوم الاسرائيلي الذي استمر نحو ثلاثة أسابيع في يناير كانون الثاني لجأ كثير من السكان للعيش وسط ما تبقى من منازلهم الخرسانية في خيام تبرعت بها منظمات إغاثة.

وتعهدت دول مانحة بأربعة مليارات دولار لإعادة إعمار القطاع في يناير كانون الثاني لكن مسؤولين في غزة قالوا انه لا يمكن بدء العمل قبل أن تفتح اسرائيل المعابر الحدودية معه بالكامل.

ولا يبدو أن هناك فرصة تذكر لحدوث ذلك ما دامت الخلافات مستمرة بين حماس والرئيس الفلسطيني محمود عباس زعيم حركة فتح. وترفض الحركة الاسلامية الاعتراف باسرائيل بينما تسعى فتح الى اتفاق سلام مع الدولة العبرية واقامة دولة فلسطينية الى جانبها.

ومنذ سيطرت حماس على قطاع غزة في 2007 بعدما هزمت قوات فتح منعت اسرائيل تماما دخول الأسمنت والحديد قائلة ان حماس ستستخدم تلك المواد لاغراض عسكرية.

وقال نبيل عبد ربه الذي شردت أسرته المكونة من 34 فردا "لا يوجد إعادة إعمار.. هذا كله كذب."

وأضاف أن الجميع قطعوا عهودا فحسب مشيرا الى أنهم يعيشون منذ أربعة أشهر بلا مأوى ودون أن يشاهدوا أي أنشطة لاعادة الاعمار.

وقال ان الاسر كبيرة العدد والتي كانت في السابق تعيش معا في منازلها الخرسانية المكونة من ثلاثة أو أربعة طوابق باتت مشردة ومتفرقة الآن حيث يعيش البعض مع أقارب وآخرون في منازل مستأجرة.

وقالت عائشة عبد ربه (65 عاما) انها فقدت 15 فردا من أسرتها في الهجوم الاسرائيلي. وأضافت "لا أحد يساعدنا .. لا عرب ولا أجانب.. المعابر مغلقة ولا يوجد أسمنت ولا حديد."

وفي مدينة رفح القريبة ساعد نضال عيد العمال في بناء بيته بالطوب اللبن. ويستخدم البناء الطين بدلا من الأسمنت.

وقال عيد "أنا أبني بيت من غرفتين ومطبخ وصالون ودورة مياه وموقد تدفئة. عندما أنتهي من بناء بيتي سوف أبدأ في بناء عشرة مساكن لعائلات طلبت مني ذلك."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 13/آيار/2009 - 16/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م