يحيا العسكر... تسقط الديموقراطية

ثامر الزغلامي

لم تكف النوايا الصادقة للجنرال الجيد وجماعته , ليبقى ذلك المشهد السريالي للعسكر وهم يسلمون مقاليد الحكم الى المدنيين شاهدا مربكا لمروجي نظرية الخوف من القفز الى المجهول وما تبعها من افكار تقول ان الشعوب العربية جبلت على حكم الافراد والقبيلة والعسكر.

اذ لا تبدو حظوظ المترشحين الثلاثة لرئاسة موريتانيا( حميدو بابا ومختار سار وولد مبارك) وافرة للفوز في انتخابات السادس من جوان /يونيوالقادم أمام المرشح العسكري النازع للتو بزته الخضراء والملتحق حديثا بصفوف المدنيين بعد استقالته من الجيش والحكم.

السلطة في موريتانيا تتجه من جديد عبر الانتخابات الى الانقلابيين لتعود الى طبيعتها العسكرية بعد تجربة ديموقراطية أهداها الى البلاد الجنود الجيدون بقيادة محمد فال. هذه التجربة الفريدة في الوطن العربي لم تعمر طويلا حيث خاضت التيارات السياسية الصراع الديموقراطي تحت قبة البرلمان فترة لم تتجاوز أشهرا معدودة, فشلت أثناءها في ادارة ازماتها الدستورية, ليعود العسكر الى الطريق العام بعد اعتقال الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله وحل المؤسسات الديموقراطية.

 الطريق تبدو سالكة ومعبدة امام ولد عبد العزيز لتولي الحكم عبر صناديق الاقتراع بعد أن بدت احتجاجات جبهة المعارضة كصياح في صحراء خالية, وبعد صمت دولي ومباركة فرنسية معلنة وسط سيطرة محكمة لمجلس الدولة على اجهزة الادارة والاعلام.

تهيأت الظروف في الداخل والخارج للقبول بواقع العسكر بديلا عن المؤسسات لتقطع موريتانيا نهائيا مع تجربة كان يمكن لها أن تعزز الممارسة الديموقراطية والتداول السلمي على السلطة وتحدث التراكم المطلوب لادارة شؤون العباد بالاحتكام الى القانون والمؤسسات المنتخبة.

 في الداخل, أخفقت النخب السياسية في العودة الى الشرعية والحكم المدني اثر الانقلاب العسكري ولم تتمكن جبهة الدفاع عن الديموقراطية من اختراق الاجندة الاحادية لمجلس الدولة وظلت في حركة دائرية مفرغة بين المظاهرات اليومية في شوارع نواك شوط والتصريحات الصحفية المنددة على الفضائيات العربية التي لم ترتق كلها الى مستوى الفعل السياسي الضاغط والقادر على التغيير في نظام تمكن بسرعة من القبض على مقاليد تسيير البلاد بحكمة لا يمكن انكارها تجلت في استثمار احداث خارجية على غرار الاعتداء الاسرائيلي على قطاع غزة وفي التعاطي الذكي مع الحركة الاحتجاجية المستمرة في شوارع العاصمة ومع مختلف التيارات السياسية التي بدات تهب تدريجيا في اتجاه العسكريين.

هذا بعد ترتيب البيت الاعلامي في موريتانيا وفق رؤية تلح على وقوف الحركة التصحيحية للعسكر المنقلبين أمام الفساد والمفسدين ومع عامة الشعب المحرومين الذين لم يتغير وضعهم المعيشي في ظل المسار الديموقراطي.

اما في الخارج, تحرك باهت للغرب الامريكي ,الذي لا تعنيه الديموقراطية الا في اقطار النفط العربي والجوار الاسرائيلي, توقف عند حدود الادانة وتعليق المعونات غير الملحة الموجهة الى الشعب الموريتاني, ومباركة فرنسية أضفت على لسان وزير خارجيتها برنار كوشنار في تصريح لمجلة جون افريك الشرعية على الانتخابات القادمة بادارة الجنرال بعد خلعه البزة العسكرية.

 ولعل نتائج الاستحقاق الانتخابي الآتي لامحالة في جوان/يونيوالقادم قد تنهي أزمة مشروعية النظام الحالي وحالة الترقب في الشارع السياسي الموريتاني وتؤكد بالتالي ما ذهب اليه بعض المحليين ابان الانقلاب من أن اسطورة الجنود الجيدين الذين يؤمنون بالديموقراطية قد تحطمت الى الابد في موريتانيا وأن البلاد ستعود الى احضان العسكر الذين الفتهم طويلا.

 ويبقى المستقبل السياسي للبلاد رهين امرين , نفس معارض لا ينقطع ,وجدية الطبقة الحاكمة الجديدة في استيعاب ضرورات الحكم المدني والمحافظة على الحراك السياسي لموريتانيا ما بعد حركة الجنود الجيدين.

* صحافي من تونس

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 13/آيار/2009 - 16/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م