الأنروا ودورها في مكافحة البطالة وتأمين حياة اللاجئين

 

شبكة النبأ: مارست وكالة الأنرواـ وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (UNRWA) ـ خلال ما يقرب من ستين عامًا أعمالها الإنسانية بهدف مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وتزويدهم بما يلزمهم من خدمات صحية، وتعليمية، واجتماعية، ومالية، وسط دعم دولي لأنشطة الوكالة، لاسيما من الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحمل الجزء الأكبر من الدعم المالي لهذه المؤسسة غير مسيسة النشاط.

وعلى الرغم من أهمية الدور الذي تضطلع به هذه الوكالة فإن الدراسات التي تناولت أنشطتها قد افتقدت لعاملين أساسيين: أولهما أن يكون كاتبو هذه الدراسات من المشتغلين أو المتعاونين مع الوكالة، الأمر الذي يكفل الدراية الكافية بآليات عمل المؤسسة بدءًا من تلقيها الدعم المالي من دول العالم المختلفة، وحتى توصيل الخدمات التي تقدمها الوكالة للاجئين الفلسطينيين. وثانيهما: عدم تناول هذه الدراسات العلاقة بين الوكالة والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها أكبر داعميها ماليًّا، من ناحية، وأهم الانتقادات الموجهة للوكالة، وبالتالي تقديم التوصيات في هذا الإطار من ناحية أخرى. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وهذا ما حاولت دراسة أصدرها "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنىWashington Institute for Near East Policy" في يناير الماضي تفاديه، وقد حملت الدراسة عنوان"إصلاح الأنروا. إصلاح مشاكل نظام الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين وتتميز الدراسة بأن كاتبها "جيمس جي. ليندسايJames G. Lindsay" من أحد المشتغلين بالوكالة. فقد شغل منصب المستشار القانوني بها خلال الفترة من عام 2000 وحتى عام 2007. تركز الدراسة على علاقة "الأنروا" بالولايات المتحدة الأمريكية، وتقييم دورها، وإلقاء الضوء على الخيارات المستقبلية للسياسة الأمريكية مع الوكالة.

مشروطية الدعم الأمريكي للوكالة

استهل الكاتب دراسته بإلقاء الضوء على تاريخ إنشاء الوكالة، موضحًا أنها قد أُنشئِت بموجب قرار من الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة يحمل رقم"302" خلال عام 1949، بهدف مساعدة ما يقرب من 4.5 مليون لاجئ فلسطيني في قطاع غزة، والضفة الغربية، الأردن، سوريا ولبنان، من خلال ما يزيد عن 200 موظف دولي، إلى جانب الفلسطينيين والمتطوعين المتعاونين مع الوكالة، ليصل مجمل عدد العاملين بالوكالة إلى 29.000‏ موظف؛ لتسهيل وصول خدمات الوكالة إلى اللاجئين من خدمات صحية، إسكانية، واجتماعية.

ركزت نشاطات الوكالة منذ نشأتها على ثلاث برامج رئيسة (تعليمي، صحي واجتماعي) وذلك حتى عام 1991 الذي بدأت فيه تنفيذ برنامجي الدعم المالي، ودعم مشروعات الفلسطينيين الصغيرة لتحسين دخولهم، وقد وضعت الوكالة شروطًا تنظم استفادة اللاجئين الفلسطينيين من خدماتها، مشترطة أن يكون اللاجئ محتاجًا للمساعدة، وأن يكون مستقرًّا منذ بدء النزاع في عام 1948 في إحدى الدول التي تنشط بها الوكالة على إغاثة اللاجئين فيها.

ونظرًا لكون الولايات المتحدة الأمريكية أحد أهم وأكبر داعمي الوكالة ماليًّا، فقد خضع دعمها لقانون المساعدات الخارجية لعام 1961، الذي نص على " أنه لا يجوز توجيه مساعدات "للأنروا" إلا لأهداف الإغاثة والتشغيل". وفي ظل الاطمئنان إلى أن هذه المساعدات لن تذهب إلى أي لاجئٍ ينتمي إلى أي منظمة (إرهابية)، وبالتالي ينفذ بها أي عمل إرهابي ـ حسب تعبير القانون ـ، وهو ما فرض على الوكالة بعد قبولها نص التشريع الأمريكي، التحري عن المستفيدين من دعمها، من خلال دورات تدريبيه لموظفيها، ومعاقبة الذين يخفقون في الإبقاء على حيادية الوكالة وأنشطتها، وكذلك الإجابة عن التساؤلات التي تطرحها الولايات المتحدة في هذا الشأن.

وفي هذا الإطار خضع تعيين الموظفين بالوكالة إلى عدة شروط أهمها: عدم ممارسة الموظف التابع لها لأي نشاط سياسي يتناقض مع حيادية الوكالة، واستقلاليتها، في حين يسمح له بالمشاركة السياسية في بلاده من خلال ممارسته حق التصويت الانتخابي، كما يجب ألا يكون عضوًا في أي جهاز حكومي لأي دولة، وذلك بهدف منع أي تعارضٍ أو تأثيرٍ على السياسيات الداخلية والخارجية للوكالة من خلال انتماءات موظفيها السياسية والأيدلوجية.

أهم الانتقادات الموجهة لعمل الوكالة

توضح الدراسة أن وكالة "الأنروا" تتعرض لعديدٍ من الانتقادات التي تتناقض مع بعضها بعضًا. فعلى سبيل المثال تتهمها إسرائيل بمساعدة ودعم الفلسطينيين، والمعادين لإسرائيل، بل ودعم (الإرهاب)، في حين يُنظر إليها من بعض دول الشرق الأوسط على أنها دمية في يد الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن ما تقدمه من خدمات إنما هي محاولة لتلبيد مشاعر الفلسطينيين المقاومة. وركزت الدراسة على الجانب الأول من هذه الاتهامات، موضحة أن سياسات الوكالة تتعارض مع مصالح مموليها.

ففي هذا الإطار أوضح الكاتب أن أحد أهم الانتقادات الموجهة ضد "الأنروا"، تتمثل في أنها لا تسعى لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بشكل مؤقت، والإصرار في المقابل على حل سياسي دائم قائم على عودة اللاجئين إلى أراضيهم، وذلك من خلال توضيح وتحذير الوكالة للفلسطينيين اللاجئين من تغيير بعض أوضاعهم حتى لا يفقدوا صفات اللاجئين وبالتالي لا يستطيعون العودة إلى فلسطين إذا ما تم التوصل إلى حل لقضيتهم العالقة. ومما يزيد من حدة هذه الانتقادات أن الوكالة قادرة على مساعدة اللاجئين الفلسطينيين إذا ما رغبوا في ترك المخيمات، والعودة إلى الحياة الطبيعية في الدول التي تستضيفهم، من خلال تقديمها منحًا لهؤلاء تمكنهم من شراء مساكن، لاسيما وأن نسبة وإن كانت ضئيلة نسبيًّا من اللاجئين لا يعترضون على مثل هذه المنح، بل إنهم يتمنونها وإن كانت ستحرمهم من حق العودة إلى أراضيهم، إذ لن تنطبق عليهم شروط اللجوء بعد تلقيهم هذه المنح.

يقود الانتقاد السابق بدوره إلى انتقاد آخر ذي صلة وهو أن "الأنروا" تحولت من تنفيذ أهداف إنسانية إلى تحقيق أهداف سياسية للعالم العربي، من خلال إبقائها على حالة الفوضى التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في الضفة الغربية، قطاع غزة، ولبنان، على النحو الذي سبق الإشارة إليه، وذلك في محاولة لإعادتهم إلى أراضيهم الفلسطينية، وعدم دمجهم في مجتمعات أخرى عربية تفقدهم حق العودة، ولا تتفق مع رغبة الدول العربية التي عادةً لا تتجه إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين لديهم. وتطرح الدراسة انتقادًا ثالثًا لا يقل أهمية عن الانتقادين السابقين، وهو أن الوكالة تتوسع في قبول من تطلق عليهم وصف اللاجئين الفلسطينيين، إذ أن متطلبات الوثائق التي لا تثبت أحقية الفرد في أن يكون لاجئًا غير صارمة، كما أنها قابلة للتزييف، حيث تعتمد فقط على تقديم إحدى فواتير المرافق العامة الصادرة قبل مايو 1948، وفي بعض الأحيان تتغاضى الوكالة عن وجود هذه الوثائق، وهو الأمر الذي يزيد من أعداد من لهم حق العودة إذا ما تم الاتفاق على هذا التوصيف للاجئ.

أما الانتقاد الأكثر خطورة الذي تسوقه الدارسة، فهو تورط موظفي الوكالة في بعض الأعمال الإرهابية ـ على حد وصف الدراسة ـ في قطاع غزة والضفة الغربية، وذلك اعتمادًا على المعلومات التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية في هذا الإطار، وبالفعل فقد تم توجيه عديد من التهم لعدد من موظفي الوكالة في الأراضي الفلسطينية، مفادها تواطؤ هؤلاء مع الفلسطينيين الذين يقومون بتنفيذ عمليات إرهابية ضد الإسرائيليين ـ حسب الكاتب ـ من خلال تزويدهم بوثائق سفر الأمم المتحدة، وعربات "الأنروا" لتجاوز نقاط التفتيش الإسرائيلية في غزة، والسماح باستخدام ساحات المدارس التابعة للوكالة كمعسكرات للتدريب‏ خلال الإجازات الصيفية. إلى جانب التجاوزات المالية المتمثلة في تقديم رواتب لأفراد ينتمون لحركات سياسية معادية لإسرائيل على رأسها حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

كما تطرقت الانتقادات التي أشارت إليها الدراسة إلى أسلوب ومحتوى الخدمات التعليمية التي تقدمها الوكالة للاجئين لاسيما في سوريا، لبنان، والأردن نظرًا لبعدهم عن التفاعل المباشر مع إسرائيل، ولبعدهم عن عمليات السلام حاليًّا، حيث المواد التعليمية المعادية لإسرائيل، تلك العملية التي عززها القرار الخاطئ ـ من وجهة نظر الكاتب ـ المُتخذ عقب اتفاقية أوسلو والقاضي بإعادة تدريس المناهج المصرية والأردنية دون حذف المواد التي سبق وحذفتها إسرائيل، في مدارس الوكالة.

مستقبل الوكالة والخيارات الأمريكية

انطلاقًا من الانتقادات السابقة أشارت الدراسة إلى أهم الحلول التي طرحها منتقدي نشاط الوكالة، والمتمثلة في تحويل نشاط "الأنروا" ومهامها إلى "اللجنة العليا لشئون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة"، وذلك اعتمادًا على عدة اعتبارات:

أولها: إن تعريف اللجنة للاجئ أكثر تحديدًا وشمولاً من تعريف وكالة "الأنروا".

ثانيها: تاريخ اللجنة الطويل في إعادة تسكين اللاجئين بنجاح، وهو ما لم تنجح فيه "الأنروا" حتى الآن ـ حسب الدراسةـ.

ثالثها: إن مهمة "الأنروا" هي الاهتمام باللاجئين الفلسطينيين فقط، بينما تهتم "اللجنة العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة" بشئون اللاجئين كافة بما فيهم اللاجئين الفلسطينيين، وبشكل سياسي في الأساس وليس كخيار إنساني كما هو الحال بوكالة "الأنروا".

وفي هذا السياق اقترح الكاتب اتخاذ عدة خطوات من شأنها تهميش دور الوكالة، ومن ثم زوالها. ينطلق اقتراحه بالأساس من العمل على تخفيض نشاط "الأنروا" في بعض المناطق، والإبقاء على أنشطتها في بعضها الآخر وبشكل مؤقت، وتوكيل "اللجنة العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة" بهذه المهام المنتقصة من الوكالة، والعمل على تحسين الخدمات المقدمة من الأخيرة خلال هذه الفترة المؤقتة.

وعن إمكانية تأثير الولايات المتحدة في سياسات الوكالة الحالية، أوضح " ليندساي Lindsay" أن الولايات المتحدة لن تستطيع تنفيذ ذلك دون ربط زيادة تمويل الوكالة وبقائه بتغيير هذه السياسات، بل وحشد باقي الممولين الكبار في هذا الاتجاه لاسيما دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمكن أن يمثل ضغطًا كبيرًا على الوكالة لتغيير سياستها، بالإضافة إلى البدء في تنفيذ عدة آليات بغرض تحقيق هذا الهدف لمصلحة كل من اللاجئين، والمتبرعين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وتتمثل هذه الآليات فيما يلي:

أولاً: تقليص مسئولية الوكالة عن المواطنين الفلسطينيين: وذلك من خلال تسليم مهمة الاهتمام بشئون اللاجئين للسلطات الوطنية المختصة، وتكليف منظمة الأمم المتحدة بتقديم خدمات التعليم والصحة لهؤلاء اللاجئين، على أن تكون الأردن هي الساحة الأولى لتنفيذ هذه الآلية، لاسيما وأن عديدًا من اللاجئين الفلسطينيين فيها باتوا يعدون من المواطنين، وإن كانوا لا يتمتعون بحق التصويت، والترشيح للانتخابات.

ثانيًا: تطوير بند الخدمات: وذلك في محاولة لإعادة هيكلة أنشطة الوكالة، وتخصيص الدعم المالي للخدمات الأساسية، وتكثيف الاهتمام بالحالات الطارئة، وإعطائهم الأولوية لغير القادرين بين المستفيدين من خدمات الوكالة، فتقول الدراسة: لا داعي لتقديم تعليم وعلاج مجاني لكل اللاجئين بما فيهم القادرين على دفع تكلفة هذه الخدمات، إذ يجب تقليص الخدمات المقدمة للطبقة المتوسطة من اللاجئين، في مقابل تعزيزها لطبقة المعدمين والفقراء.

ثالثًا: توحيد الخطابات الصادرة عن الوكالة: نظرًا لكون مهمة وكالة "الأنروا" تنحصر في توفير بيئة ملائمة للاجئين الفلسطينيين، وبالتالي فإن مهمتها إنسانية وليست سياسية، فإنه من الضروري أن يبتعد مفوضي الوكالة في الدول المضيفة "للأنروا" عن توجيه خطابات تحمل دلالات سياسية، والاقتصار على الدور الإنساني للوكالة، وبالتالي فإن على الولايات المتحدة أن تحث مفوضي الوكالة على ترك الخطابات السياسية للهيئات السياسية المختصة في منظمة الأمم المتحدة.

رابعًا: التدقيق فيما يخص الموظفين واللاجئين: نظرًا لوجود تجاوزات عدة على صعيد عدم التدقيق في إجراءات تعيين موظفي الوكالة، وقبول طلبات المستفيدين من خدماتها، الأمر الذي نتج عنه تورط الوكالة في أعمال إرهابية ـ حسب الدراسة ـ، فإن على وزارة الخارجية الأمريكية أن تزود الوكالة بالمعلومات الخاصة بتعريف "العمل الإرهابي" استنادًا إلى الاتفاقيات الدولية لمنع تمويل الإرهاب. وكذلك حث المختصين في الوكالة على التدقيق في هوية الموظفين واللاجئين، والتشدد في توقيع العقوبات المنصوص عليها على مرتكبي المخالفات، وعدم تقديم الدعم لكيانات سياسية إرهابية ـ حسب الكاتب ـ وهي على سبيل المثال: حركة حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ولواء شهداء الأقصى.

خامسًا: مراقبة المناهج الدراسية: تقول الدراسة: إن عدة دراسات أظهرت عدم صلاحية الكتب الدراسية التي يتم تدريسها في مدارس الوكالة، ناهيك ـ حسبما قال الكاتب ـ عن تعارضها مع اتفاقيات وجهود السلام مع إسرائيل، لاسيما في سوريا، وهو ما يوجب متابعة هذه المواد الدراسية، والتأكد من موائمتها مع الأوضاع الحالية، وذلك من خلال مراجعة "منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة" "‎UNESCO‎".

سادسًا: إعادة التفكير في خدمات سيارات الإسعاف: في ظل تشغيل وكالة "الأنروا" لعدد كبير من سيارات الإسعاف، وبشكل يخرج عن السيطرة في بعض الأحيان، إذ تورطت بعض هذه السيارات في أنشطة مخالفة، من ناحية، وتقديمها خدمات صحية لمرتكبي عديدٍ من الهجمات، تطرح الدارسة أن على الولايات المتحدة أن تحث الوكالة على استخدام هذه السيارات بشكل أكثر رُشدًا، وأن تكون تحركات هذه العربات خاضعة لرقابة مشددة.

سابعًا: التوسع في القروض السكنية: بات من الضروري أن تتوسع الوكالة في منح وتمويل مشروعات الإسكان للاجئين الفلسطينيين، وفي هذا الإطار، يجب على الولايات المتحدة أن تدعم وتمول المشروعات التي توفر المسكن للاجئين الفلسطينيين خارج مخيماتهم، بهدف التشجيع على إعادة الاستيطان في المجتمعات المضيفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/آيار/2009 - 8/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م