توني بلير.. معلم في العقيدة والأخلاق !؟

مرتضى بدر

مثل ما توجد هناك أماكن أثرية صُنّفت ضمن عجائب التاريخ، قد توجد كذلك شخصيات مهمّة - شغلت الرأي العام العالمي لبرهة من الزمن - تُصنّف ضمن عجائب السياسة، بل الأجدر أن نقول: سخافة السياسة.

أليست من سخرية التاريخ أنّ شخصية كتوني بلير المثقل بالفضائح والأكاذيب، والمسوّق لسياسات جورج بوش، والمُروّج للحرب على العراق وأفغانستان، والداعم للكيان الصهيوني في حربه على لبنان، وفي قمعه للشعب الفلسطيني يصبح اليوم رسول سلامٍ في الشرق الأوسط، ويصول ويجول لإلقاء محاضرات في الفكر والعقيدة ؟

توني بلير شغل منصب رئاسة الحكومة العمالية في بريطانيا لمدة عشرة أعوام، وكان أكبر حليف لإدارة اليمين المحافظ في البيت الأبيض، وترك بصماتٍ سيئة في السياسة الخارجية. في غزو العراق كان هو المحرّك الأول للحرب؛ فهو أول من قدّم أدلة كاذبة عن أسلحة الدمار الشامل، وشجّع الإدارة الأميركية على توجيه ضربات للقدرات العراقية.

وبعد أن خرج من رئاسة الحكومة اعترف بقوله: “أتحمّل مسؤولية أحداث العراق منذ 2003”. وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع حليفه بوش في مايو 2006 اعترف بارتكاب أخطاء في العراق، وفي تصريح لبوش في نفس المؤتمر قال فيه: “سندفع ثمن ذلك لفترة طويلة”.

توني بلير قبيل انتهاء ولايته غيّر ديانته واعتنق الكاثوليكية، وبعد خروجه من الوزارة عمل مستشاراً لعددٍ من البنوك وشركات التأمين في الولايات المتحدة وسويسرا مقابل مبالغ طائلة، وعُيّن رئيساً للجنة الرباعية من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط !! وبجانب ذلك قام بأنشطة من أجل تحسين وتلميع صورته، أو ربما من أجل التكفير عن ذنوبه التي اقترفها طيلة فترة حكمه، فأقدم على إنشاء (مؤسسة توني بلير للعقيدة) في الولايات المتحدة.

في 20 من شهر ديسمبر الماضي نشرت له صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية مقالاً بعنوان (القيم سبيل نجاح العولمة .. والعقيدة يجب أن تؤدي دورها). والمقال هو خلاصة المحاضرة التي ألقاها بلير في جامعة (ييل) الأميركية. من الواضح أنّ الرجل يريد الخروج بمظهر المفكّر والفيلسوف، أو ربما يرغب في القيام بدور القديس المنقذ، فنراه كثيراً ما يستخدم مصطلح التسامح، والاعتقاد الديني، وتحقيق العدل، والقيم الدينية وغيرها من المصطلحات التي تثير عواطف المتدينين من المسيحيين والمسلمين واليهود. فيقول في محاضرته: “إذا لم نجد طريقة للتوفيق بين العقيدة والعولمة فسوف يكون العالم عرضة للخطر، بل وستكون العولمة أقل نجاحاً في نشر الرخاء”.. ويختتم محاضرته قائلاً: “نحتاج إلى اتحاد من القيم التي تعترف – على الرغم من اختلافات العقيدة أو اللون – بتساوي منزلة جميع البشر وقيمتهم أمام الله”.

أثناء قراءتي لكلمات بلير راودني السؤال التالي: ما الذي جعل توني بلير يتحوّل بهذا الشكل الدراماتيكي من رجل سياسي إلى واعظ ديني؟ في مقابلة له مع مجلة (دي تسايت) الأسبوعية الألمانية قال بلير: “أنا أقرأ القرآن بانتظام يومياً” واصفاً النبي محمد (ص) بأنه “قوة حضارية هائلة”.

وفي رده على سؤال ما يراه المسلمون من تعرّضهم للقمع، قال بلير: “من يقمع المسلمين في أفغانستان والعراق؟ لقد أطحنا بديكتاتوريتين، وتركنا للشعبين أن يقررا من يحكمهما من خلال صناديق الاقتراع”. توني بلير لم يكشف كم دفع المسلمون من ثمن جراء تدخّل قواته وقوات الحلفاء في البلدين؟! ولماذا لم تمنعه اعتقاداته الدينية من قتل المدنيين الآمنين من خلال قصف مدنهم وقراهم، إضافة إلى تدمير البنية التحتية في البلدين؟

قناة (بي بي سي) بثت في 25 نوفمبر الماضي فيلمًا تسجيليًا بعنوان (سنوات عهد بلير)، فتحدث بلير عن تأثّر قراراته السياسية بمعتقداته الدينية، فقال بصريح العبارة: “إن إيماني الديني قد لعب دوراً كبيراً في عملي السياسي، لكنني فضلت عدم الكشف عن هذا الأمر أثناء رئاستي تجنباً للحرج والجدل” ! ووفقاً لهذا الاعتراف، فإن قرار غزو العراق كان قد اتُخِذ بناءً على ما أملى عليه إيمانه. ألم يقل حليفه جورج بوش في وصفه للحرب على العراق بأنها حرب صليبية؟ يا ترى هل يلتحق جورج بوش الابن بحليفه القديس توني بلير ويسعى إلى تحسين صورته أيضًا؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/آيار/2009 - 7/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م