مهرجان الحمق العالمي!!

د. أحمد راسم النفيس

(إِنَّ أَغْنَى الْغِنَىُ الْعَقْلُ، وَأَكْبَرَ الْفَقْرِ الْحُمْقُ)!!.

تشير بعض الدلائل إلى قرب انتهاء (مهرجان الحمق العالمي) الذي شهده الشرق الأوسط القديم, كخطوة كان من المفترض أن تؤدي إلى (قيامته) جديدا جديدا!!.

من أهم الفقرات التي عرضت وما زالت تعرض حتى الآن في مهرجان الحمق العالمي على (مسرح الشرق القديم) كانت فقرات التحريض والتهويل بالخطر الإيراني والقتل المذهبي من أجل إثبات أولا أن هذا الصنف من البشر (نحن) لا يعرف غير لغة العنف ويرفض التعايش مع المختلف دينيا ومذهبيا وهو ما يبرر لإسرائيل من ناحية احتفاظها بتفوق عسكري مطلق غير قابل للمنافسة وامتلاكها لأسلحة الدمار الشامل ومن ناحية أخرى وفي حال تطور الصراع المفخخاتي الدائر بين المسلمين إلى حرب شاملة فإن هذا يوفر للصهاينة أيضا مهلة زمنية إضافية من التفوق العسكري ويحول بين المسلمين وبين تطوير أي نوع من التحالف فيما بينهم يمكن له أن يهدد هذا التفوق.

انقسم الراقصون على حلبة مهرجان الحمق العالمي ما بين أصحاب مصلحة أصلية في إشعال الهيعة الطائفية وفرق مستأجرة, بعضهم قبض ثمن الرقص مقدما وبعضهم كان يطمح في الحصول على نصيبه من النقوط بعد انتهاء الحفل المشار إليه والبعض الآخر صدق بسذاجة مفرطة أنه صاحب قضية وأنه يدافع عن شيء ما رغم أنه لا يعرف ما هو على وجه التحديد!!.

وحدهم الصهاينة وأشباه الصهاينة (أدعياء التفوق الديني والعرقي والمذهبي) كانوا وما زالوا أصحاب مصلحة في إقامة مهرجان الحمق والتعري لأن نموذجهم المفروض والمرفوض لا يمكن له أن يبقى ويستمر إلا عبر الخداع وإشعال الحرائق هنا وهناك (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ) المائدة 64.

ليس هناك أسوأ من تعرية الجسد إلا (تعرية المجتمعات) وكشف عوراتها ونقاط ضعفها وجعلها سلعة معروضة للانتهاك في سيرك السياسة الدولية التي هللت لمحور الاعتدال لأنه يتصدى للخطر الشيعي الإيراني ثم عادت لتطلب رأسه لأنه ينتهك حقوق الإنسان ويصادر الحريات الدينية (للطائفة الشيعية)!!.

كده تسليك!! كده توليع!!.

مؤامرة أم خدعة؟!

لم يكن الفخ الراقص الذي وقع فيه البعض مجرد مؤامرة أبرمت بليل بل هي خدعة كبرى ابتلعها البعض بسبب محدودية معارفه وإفراطه في الثقة بالذات خاصة عندما شرب من كأس القوة الزائفة فكان كالدبة التي قتلت صاحبها.

لم يكن التنوع الفكري والديني والمذهبي يوما ما سببا لضعف المجتمعات بل يرجع هذا الضعف إلى رفض القبول بالتنوع واختلاف الرؤى التي هي دليل ثراء عقلي وسعة أفق ثم التعامل مع هذا الملف بصورة عنيفة فظة تكرس الانقسام وتستثير الحروب.

ولأن الغالبية العظمى من الدول المعاصرة اعتمدت المواطنة أساسا لوجودها فهي لم تكن بحاجة لخوض غمار هذا النوع من الصراعات التي تخصم من رصيدها الوطني والدولي.

أما الدول والكيانات التي تأسست على وهم التفوق الديني أو العقائدي فهي ترى في أي نموذج يكرس التسامح والمساواة ويقر بحق الاختلاف تهديدا لوجودها لا لمصالحها وحسب.

لا عجب إذا أن نرى تحالفا معلنا أو خفيا بين الفريقين (الصهيوني والعقائدي) ولا عجب أن نرى ذلك التلازم في التوقيت بين صعود هؤلاء وهؤلاء تحت رعاية نفس القوى الاستعمارية التي كانت تهيمن على المنطقة وتصادر قرارها والأهم من هذا هو اجتماع الفريقين على عدو مشترك ومن ثم على مصير مشترك.

قبل أيام قلائل كان الإرهاب الأعمى يضرب المجتمعين للصلاة في مسجد للشيعة قرب العاصمة الباكستانية إسلام آباد وهو حادث لم يكن الأول من نوعه خلال الشهور والسنوات الماضية.

وقبل أسبوعين قام هؤلاء البرابرة بتفجير مسجد (سني) يرتاده الجنود الباكستانيون أثناء أدائهم لصلاة الجمعة.

ما هو الفارق بين هؤلاء الإرهابيين الذين لا يفرقون بين مقاتل وغير مقاتل ولا يميزون بين طفل وامرأة وشيخ وبين الصهاينة الذين قصفوا كل هذه الأصناف من البشر أثناء عدوانهم الأخير على غزة؟!.

لا فارق على الإطلاق.

الرغبة الجامحة في إذلال الآخرين عبر استخدام الأساليب الأكثر وحشية في قتلهم وعدم الاعتراف بحرمة مساجدهم وكأنهم حفنة من الحيوانات هو الدافع وراء الإمعان في ممارسة هذا النوع من الجرائم. 

نحن أمام فكر عنصري استئصالي لا يرى لنفسه وجودا ولا بقاء إلا باحتقار الآخرين وإبادتهم وهو هدف يبدو بعيد المنال مهما طال الزمان ومهما توسعت عمليات القتل والإبادة.

لم نفهم حتى هذه اللحظة كيف يمكن لدول قامت على مبدأ المواطنة أن تتحالف مع من يحملون هذا الفكر ويروجونه ويعتقدون اعتقادا جازما (وهم محقون في ذلك) أن وجودهم مرتبط بوجوده فإن زال زالوا معه ولم يعد لبقائهم مبرر ولا حجة؟!.

 الآن استنفذ مهرجان الفك والتركيب المشار إليه أهدافه وثبت بالدليل والبرهان أنه مهرجان فك بلا تركيب وأن الآثار السلبية لهذه العملية بدأت تطال مناطق لم تكن مدرجة على اللائحة وبدلا من أن يبقى الأمر في إطار الاستنفار المذهبي الإسلامي في مواجهة الخطر الوهم الآتي من الشرق إذا به يتطور في إطار (دارفوري) ينذر بتفكيك السودان وما يعنيه ذلك من حرمان مصر من الماء اللازم للزراعة والشرب.

كما تبين أن تسليم المفكات مبكرا وتأخير شحن (البراغي) اللازمة لإعادة التركيب لم ينجم عن خلل إداري بل كان أمرا متعمدا لإحداث أكبر قدر ممكن من التفكيك والبعثرة ليصغر الكبير أو من كان يظن نفسه كبيرا, ويكبر الصغير ولتبقى في المنطقة قوة كبرى واحدة ولا عزاء للحمقى والمغفلين.

أما المثير للسخرية فهو أن أصحاب نظرية التفوق العقائدي المطلق وبعد أن جروا حلفاءهم إلى معارك خاسرة سارعوا لعقد مصالحات وصفقات مع خصوم الأمس وتركوا أصدقاءهم بمفردهم من دون حتى مراعاة الحد الأدنى من اللياقة الأدبية أو السياسية!!.

يبقى الهدف الثابت الذي يتعين على كل مشتغل بالشأن العام أن يضعه نصب عينيه وهو الحفاظ على وحدة المجتمعات العربية والإسلامية ووقف اندفاعها نحو مزيد من التدهور والتفكك إذ أن الوضع العام لم يعد يسمح بمزيد من الحروب والصراعات ويكفينا حتى الآن ثلاثين عاما من المغامرات الكارثية الفاشلة.

لن يتحقق هذا إلا بلجم التحريضيين السفهاء والقبول الواضح بحق الاختلاف والتنوع قطعا لدابر كل من يحاول أن يفرض وصايته على هذه المجتمعات أو ينصب نفسه حاميا لمن يسميهم بالأقليات!!.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/آيار/2009 - 7/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م