في يوم ولادتها.. زينب الكبرى مدرسة الصبر والعلم والعبادة

اعداد:عبدالامير رويح

شبكة النبأ: سيدة عملاقة من سيدات التاريخ وعلم من أعلام الدين والزهد والوفاء, احتضنتها يد الرسالة وغذتها من منابع الإيمان, سيدة ليس لها شبيه في عالم النساء فقد كانت أمها خير النساء وأبوها وصي رسول الله، ومن هذه المدرسة المتكاملة تعلمت الصبر والعلم, من مدرسة الرسالة تخرجت سيدتنا زينب (ع) والتي تمر علينا ذكرى ولادتها الميمونة، فقد أشرقت الشمس مستبشرة حيث ولدت السيدة الطاهرة زينب عليها السلام في اليوم الخامس من شهر جمادى الاولى، في السنة الخامسة للهجرة، وكانت ولادتها قبل وفاة جدها رسول الله الأعظم محمد (ص) بخمس سنين.

أبوها: هو أمير المؤمنين، أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيه وخليفته.

وأما أمها عليها السلام فهي: البضعة الطاهرة، سيدة نساء العالمين، الصديقة الكبرى، فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صلوات الله عليه وآله.

لمّا وُلدت (عليها السلام) جاءت بها أمها الزهراء الطاهرة إلى أبيها أمير المؤمنين (ع) وقالت له: سمّ هذه المولودة؟ فقال (ع) ما كنت لأسبق رسول الله (ص) وكان في سفر له، ولما جاء النبي (ص) وسأله عن اسمها فقال: ما كنت لاسبق ربي تعالى، فهبط جبرائيل يقرأ على النبي (ص) السلام من الله الجليل وقال له: سمّ هذه المولودة (زينب) فقد اختار الله لها هذا الاسم، ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب، فبكى النبي (ص) وقال: من بكى على مصاب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين (ع) كانت(ع) تشبه أباها وأمها (ع) بالعبادة.. فكانت تؤدي النوافل كاملةً في كل أوقاتها، ولم تغفل عن نافلة الليل قط. فكانت من القانتات العابدات، اللواتي وقفن حركاتهن وأنفاسهنّ للباري عزّ وجل.

إخوتها وأخواتها عليها وعليهم السلام

إخوته وأخواتها الذين هم من غير الصدّيقة الطاهرة فاطمة صلوات الله عليها: أي الإمامين الحسن والحسين عليهما السلا فأولهم: محمد بن الحنفية.

ومن إخوتها: العباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان أمهم أم البنين فاطمة ابنة حزام الكلابية تزوجها علي عليه السلام بإشارة أخيه عقيل وكان عالماً بأنساب العرب وأخبارهم، وكانت من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت عليهم السلام.

كناها عليها السلام

كان لسيدتنا ومولاتنا زينب (ع) عليها السلام العديد من الكنا والألقاب التي عرفت بها فكانت(ع) تكنى بأم كلثوم، وأم الحسن وتلقَّب: بالصديقة الصغرى والعقيلة  وعقيلة بني هاشم وعقيلة الطالبيين والموثقة والعارفة والعالمة غير المعلمة  والكاملة وعابدة آل علي وغير ذلك من الصفات الحميدة والنعوت الحسنة، وهي أول بنت ولدت لفاطمة صلوات الله عليها.

ولقد كانت نشأة هذه الطاهرة الكريمة وتربية تلك الدرة اليتيمة في حضن النبوة، ودرجت في بيت الرسالة، رضعت لبان الوحي من ثدي الزهراء البتول، وغذيت بغداء الكرامة من كف ابن عم الرسول (ص) فنشأت نشأة قدسية وربيت تربية روحانية متجلببة جلابيب الجلال والعظمة متردية رداء العفاف والحشمة فالخمسة أصحاب العباءة (ع) هم الذين قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها وكفى بهم مؤدبين ومعلمين.

ولما غربت شمس الرسالة، وغابت الانوار الفاطمية، وتزوج أمير المؤمنين (ع) بأُمامة بوصية من الزهراء (ع)  قامت أُمامة بشؤون زينب, وكانت أمامة هذه من النساء الصالحات القانتات العابدات، وكانت زينب (ع) تأخذ التربية الصالحة والتأديب القويم من والدها الكرار وأخويها الكريمين الحسن والحسين (ع) إلى أن بلغت من العلم والفضل والكمال مبلغا عظيما.

ولما بلغت سيدتنا زينب صلوات الله عليها مبلغ النساء، ودخلت من دور الطفولة إلى دور الشباب، خطبها الاشراف من العرب ورؤساء القبائل، فكان أمير المؤمنين (ع) يردهم ولم يجب أحدا منهم في أمر زواجها, أن الذي كان يدور في خلد أمير المؤمنين (ع) أن يزوج بناته من أبناء إخوته ليس إلا امتثالا لقول النبي (ص) حين نظر إلى أولاد علي (ع) وجعفر وقال: بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا، ولذلك دعا بابن أخيه عبد الله بن جعفر وشرّفه بتزويج تلك الحوراء الأنسية إياه على صَداق أمها فاطمة أربعمائة وثمانين درهما ووهبها إياه من خالص ماله (ع).

وذكر بعض حملة الآثار أن أمير المؤمنين (ع) لما زوج ابنته من ابن أخيه عبد الله بن جعفر اشترط عليه في ضمن العقد أن لا يمنعها متى أرادت السفر مع أخيها الحسين، وكان زوجها عبد الله بن جعفر، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، ونشأ وترعرع في حجر عمه أمير المؤمنين(ع) إلى أن زوّجه ابنته زينب(ع)، وكان عبد الله جواداً كريماً يكنّى بأبي محمد، وأبوه هو جعفر الطيار شهيد مؤتة.

توفي عبد الله بالمدينة المنورة سنة 80هـ، وخلف من زينب (ع) أربعة أولاد هم: عون الأكبر، محمد، علي، وأم كلثوم.

وقد استشهد محمد وأخوه عون مع خالهما الحسين(ع) في كربلاء، وأمهما زينب تنظر إليهما.

أجمع المؤرّخون على أنها (ع) سافرت، أولاً، مع أبيها أمير المؤمنين(ع) من المدينة إلى الكوفة، عاصمة حكمه. ثم رجعت مع الحسن(ع) إلى المدينة. وفي عام 60هـ سافرت مع أخيها الحسين(ع) إلى كربلاء، حيث أُخِذت سبيّة مع باقي سبايا أهل البيت(ع) بعد الواقعة، إلى الشام، حيث مكثت أسيرة لمدة رجعت بعدها مع ابن أخيها السجاد(ع) إلى كربلاء، ومنها إلى المدينة.

أما نشاطها الاجتماعي والسياسي، فهي زينب بطلة كربلاء، والمتممة لدور أبي عبد الله (ع)، وخطبها في الكوفة والشام، لا تزال تدوِّي مدى الدهر فهي من أزلت عروش الظالمين.

وأبرز ما يميّزها هو ذلك الموقف العملاق الذي وقفته (ع) في يوم عاشوراء وما سبقه من ايام وما تلاهُ حتى وفاتها (ع) وذلك الموقف الذي أصبح أنموذجا يذكره القريب والبعيد ويقتدى به في كل زمان ومكان ومن قبل كل انسان، حيث قامت السيدة زينب (ع) بإدارة نصف الصراع الذي دار بين الحق والباطل في ملحمة كربلاء لتعطينا درسا عظيماً  فالصبر والقيادة والوفاء.

ففي يوم عاشوراء قامت بدور المشجّعة التي لا تفتر، حيث أثارت حميّة الهاشميين ونصحت النساء وحرضّت للجهاد بكل وسيلة ممكنة، وفي الكوفة حيث أحتشدت الجماهير حول القافلة العائدة من كربلاء ألقت (ع) خطايا فضحت فيه السلطات الحاكمة، حيث قالت: تعساً لكم وبعدا، فلقد خاب السعي وتبّت الايدي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله ورسوله وضربت عليكم الذلة والمسكنة.

وفي الشام حيث أحتفل يزيد في قصره الفخم وجاء بالأسارى ليستعرضهم أمام اعوانه، هنالك جاشت نفس زينب (ع) بروح الدفاع عن الاسلام ونسيت مقتل أخيها الحسين والشهداء (ع) تجاهلت كل تلك الحقائق وتذكرت ضرورة الدفاع عن الحق بالتوكل على الله وحده والثقة بنصره، فألقت خطاباً هزَّ عرش يزيد وأثار بعض الجالسين حول يزيد عليه حين قالت:

أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فاصبحنا نساقُ كما تُساق الأسارى، أن بنا على الله هوانا وبك عليه كرامة؟، حتى قالت: ولئن جرّت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكثر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرّى، فكِد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحوا ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدفع عنك عارها.

زينب (عليها السلام) عريقة في الشرف، والنسب، والمجد، ويكفي دلالة على ذلك ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كلّ بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة فأنا أبوهم وعصبتهم).

وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله) قال:(إنّ الله عز وجل جعل ذريّة كل نبي من صلبه، وإن الله جعل ذريّتي في صلب علي بن أبي طالب).

فانتسابها إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)، وإنّ أبوها وجدها، منتهى الشرف، والنسب، والفخر، والمجد، ولذلك لم يعرف أحد أعلى شرفاً وأكبر مجداً من آل الرسول (صلى الله عليه وآله) وهي من قال عنها احد الشعراء:

أبوها علـي أثبت الناس في اللقا      وأشـجع ممّن جاء من صلب آدم

تلك كانت شجاعة الأنبياء ورثتها زينب من جدها الرسول (ص) وأبيها المرتضى علي (ع), هذه زينب العظيمة انها مدرسة الأجيال ومعلمه البطولة والأخلاق, زينب الصابرة المجاهدة زينب العالمة العابدة, انها سليلة الدوحة الهاشمية وفرع من فروع الشجرة المحمدية, فسلام عليها يوم ولدت ويوم نصرت الإسلام ويوم استشهدت ويوم تُبعث مع الصديقين والأنبياء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 3/آيار/2009 - 6/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م