أهمية الكلام وقوة تأثيره في الآخرين

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: يتفق المختصون بأن خطوة إكتشاف الانسان للّغة شكَّلتْ قفزة أساسية في رحلة التطور البشري، فبدلا من لغة الإيماءات والاشارات وما شابه، صارت للانسان حروف وأصوات ومن ثم كلمات ولغة تفاهم تختصر له زمن الفهم وتخلصه من عناء اللغة الاشاراتية البطيئة جدا في حينها.

وأصبحت اللغة هي العنصر الوسيط والرابط بين الناس من حيث التعامل الفكري والحركي، وهي أداة العلماء والمفكرين والمصلحين والفلاسفة والسياسيين مثلما هي اداة لعامة الناس من عمال وطلاب وموظفين وغيرهم، وبهذا فقد تعددت مهام الكلام وتضاعفت ادواره في الحياة الفكرية والعملية حتى اصبح الوسيلة الأخطر والأكثر تأثيرا في المحيط البشري.

من هنا فرّق العلماء والمختصون بين حالتين للغة او الكلام، فثمة كلام او لغة مجردة معدّة سلفا للسماع فقط من اجل تحقيق اهداف محددة ربما تكون فكرية او دينية او علمية او غيرها، وثمة لغة أخرى ينبغي أن تُقرَن بالفعل المرادف لها، بمعنى أن مثل هذه اللغة سيكون تأثيرها محدودا في حال عدم إقرانها بالفعل المشابه لها او المحقق لمضمونها، ولذلك جاء في الآية القرآنية الكريمة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾.

وفي هذا الصدد، جاء في كتاب المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي الموسوم بـ (العلم النافع):

إن (المفهوم من الآية الكريمة أنّ الله تعالى يمقت الذين يقولون ما لا يفعلون. بيد أنّ ههنا مسألتين لا ينبغي الخلط بينهما:

الأولى: أخلاقية، وهي قبح مناقضة القول للعمل.

أمّا المسألة الثانية: فهي مسألة شرعية، وهي عدم سقوط وجوب القول بذريعة عدم العمل به.

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان حتّى على الشخص الذي لا يعمل بالمعروف ولا ينتهي عن المنكر).

إذن فالكلام مهما بلغ فحواه من العلو والكمال والصحة، فإن تحقيقه على أرض الواقع سيكون شرطا للقبول به، بمعنى أن القائد السياسي الفلاني على سبيل المثال وليس الحصر، قد يطالب شعبه بضرورة التطور والتقدم وزيادة الوعي والتنبّه للمخاطر وما الى ذلك، فهل سيلاقي قوله هذا قبولا في حال كان مشغولا بتحقيق مصالحه وملذاته الشخصية وما الى ذلك كما يتحدث لنا التاريخ والواقع عن قادة من هذا النوع، فمثل هذا القائد الذي يتحدث عن العدل والمساواة والمثابرة وتكافؤ الفرص وغيرها، هل سيُقبل منه هذا الوعظ وهو موغل بالظلم والتفرقة وتقريب الاهل والحاشية والبطانة المفسدة وما شابه؟.

قطعا ان الشعب لا يهتم بكلام مثل هذا القائد ولا يتأثر به لأنه يعرف بأن هذا الكلام (مجرد من الفعل) أي أن حصته من التطبيق ملغاة تماما او ضيلة بما لايتناسب وحاجة الناس لتطبيقها.

نعم نحن نتفق على ان الكلام الجميل الحقيقي المخلص له وقع في النفس وله قبول كبير من لدن الناس على مختلف مشاربهم ومستوياتهم في التمحيص والاستيعاب، لكن يبقى الفعل داعما قويا له، وحول هذه النقطة يذكر المرجع الشيرازي بكتابه (العلم النافع) ايضا:

(إنّ كثيراً من العبارات الجميلة التي تُنسب لبعض الحكماء أو المفكّرين ترى لها أصلاً في كلمات أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم، فإن لم تكن بالنصّ فبالمعنى؛ ذلك أنّ أهل البيت سلام الله عليهم ما تركوا شيئاً حسناً وجميلاً إلاّ أمروا به ودعَوا إليه، وما من سيّئة إلاّ ذمّوها ونهوا عنها، ولذلك يجد الباحث كلّ العبارات الصائبة والجميلة للحكماء مقتبسة من كلمات الرّسول وأئمّة الهدى عليهم الصلاة والسلام).

وجاء في كتاب المرجع الشيرازي ايضا:

(إنّ الناس لا يكونون كما تقولون، بقدر ما يكونون كما تكونون، إنّهم يأخذون من سيرتكم أكثر ممّا يأخذون من أقوالكم).

إذن فالكلام هنا واضح جدا، إذ لا قيمة للكلمات ما لن تدعمها سيرة عملية على ارض الواقع، وهكذا كانت سيرة نبينا الأكرم (ص) وآل بيته الطاهرين (ع) داعما عظيما لأقوالهم العظيمة، وسيتأكد من قرأ التاريخ بتمعن أن العمل والتطبيق كان يسبق إن لم يرافق كلام الأئمة (ع)، وأمامنا بل أمام الجميع السيرة السياسية العظيمة لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) وكيف ساس الرعية وكيف كان يطبق قوله على نفسه (ع) وذويه قبل أن يشترط تطبيقه من لدن رعيته.

وهذا ما يدل بصورة قاطعة على ان القول يكتسب أهميته وقوة تأثيره من درجة تطبيقه على ارض الواقع من لدن القائل على نفسه أولا ثم على الآخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 3/آيار/2009 - 6/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م