نحو نقد الذات الحزبية

أحمد شهاب

كعنوان أولي فإن التجديد السياسي مسؤولية الناخبين قبل المرشحين، بصفتهم أصحاب الأمر والإرادة السياسية، والمالكين الأساسيين للقرار، وبرغبتهم ورضاهم تنازلوا عن إرادتهم السياسية إلى من يمثلهم ويصدح برأيهم في المجلس التشريعي. إن العلاقة بين الناخب والمرشح هي علاقة تمثيلية، يقوم الطرف الثاني بتنفيذ مطالب ورغبات الطرف الأول، وهي مطالب ورغبات ليست شخصية وذاتية، بل هي في الدرجة الأولى طلبات عمومية تعني فئات واسعة من الشرائح الاجتماعية، وعليه فإن إخفاق أو نجاح البرلمان في أداء عمله، يتحمل نتيجته الناخب.

أما من حيث التفاصيل، فإن مسؤولية التجديد لا تقع على الناخبين وحدهم، بل ثمة مسؤولية كبرى تقع على عاتق الجماعات والتيارات السياسية المحلية، بصفتها المعنية فعليا بتطوير وعي الأفراد في المجتمع، وتحفيزهم نحو المشاركة الفعالة في الحياة العامة، وترقية قدراتهم وإمكاناتهم السياسية، فدور التيارات السياسية لا يخرج عن أمرين، الأول: اقتراح السياسات والبرامج العامة للدولة، والمشاركة في توليد البدائل، والثاني: تأهيل وصقل وإبراز الكفاءات الجديدة على مختلف المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية.

ومن البين أن التيارات المحلية لا تمتلك حتى الآن، لا برامج واضحة، ولا بدائل مناسبة، وتفتقر

إلى القدرة على بلورة «أجندة عمل وطني» يمكن لها أن تسهم في إخراج البلاد من أزماتها الراهنة. وتحولت التيارات السياسية في السنوات الأخيرة إلى جزء من الأزمة، أو سبب من أسباب تفاقمها. من جهة أخرى فإنها عجزت عن تأهيل كفاءات جديدة قادرة على تحمل المسؤولية، وشنت بعض التيارات حروبا طاحنة ضد الأطروحات الحديثة التي تدور داخلها، وضد العناصر الجديدة التي لها قابلية البروز والتقدم، وعملت على استبعادها وتهميشها والتقليل من شأنها.

إن إخفاق التيارات في اقتراح أجندة عمل وطني، وإعراضها عن بناء الكوادر المؤهلة، هو أحد مظاهر ترهل التيارات السياسية الإسلامية والوطنية، ودليل عدم قدرتها على مسايرة التطورات المتسارعة في الشارع المحلي، ومؤشر حذر على أن أغلب الجماعات العاملة في الساحة باتت مترهلة، ولا تقوى على ملاحقة استحقاقات المرحلة وأسئلتها الملحة، بل تكتفي بالسيطرة عليها وإدارتها بعقلية قديمة هرمة.

وتعمد القيادات الهرمة، أو الأخرى التقليدية في تفكيرها وحركتها، إلى إهمال التأسيس الديمقراطي داخل التيار، ومحاولة تفريغ الهياكل الإدارية من محتواها، بحيث تبقى هياكل شكلية دون سلطة قرار، فيما تؤخذ القرارات من قبل الشيوخ والحرس القديم. ويمكن الإشارة إلى أن أغلب الجماعات السياسية المحلية، لم يكن لديها حتى وقت قريب هياكل إدارية شكلية. وفي مثال التيارات السياسية الشيعية تحديدا، فإن التنظيم الإداري داخلها لم يدخل في حيز التنفيذ إلا بعد ولادة «حركة التوافق الوطني الإسلامية» العام 2003، والتي عمدت إلى وضع لائحة داخلية وهيكل إداري مكتمل، وكانت بمثابة الضاغط على التيارات الشيعية الأخرى للملمة أوراقها وتنظيم صفوفها.

على الرغم من تلك التعديلات والإجراءات، فإن التجربة لم تثبت أن المشاركة في اتخاذ القرار تحولت، وعلى وقع تلك التعديلات الشكلانية، إلى جزء من طبيعة وتركيبة التيارات السياسية، أو أن الديمقراطية تطورت داخليا وأصبحت من بديهيات عمل الجماعات وقيمة أساسية في بنيتها الفكرية والتنظيمية، بل على العكس من ذلك، لقد تم الإجهاز على وعي الأفراد من خلال تعطيل ملكة المشاركة العمومية داخل أغلب الجماعات المحلية.

 إن غياب الديمقراطية أو عدم استقرار ممارستها لفترة زمنية طويلة أسهم في تسطيح وعي الأفراد بصفة عامة، بما حرمهم من اكتشاف أطر حديثة للتفاهم والعمل السياسي الجمعي، ومنع من انتقال وتراكم التجارب السياسية، فانقطاع الممارسة السياسية وغياب الديمقراطية لفترات زمنية ليست بالقصيرة، أسهما في خلق قطيعة ما بين التجارب والمعارف القديمة والأجيال الحديثة.

وهو ما يدعو إلى التأمل في إمكانية الوصول إلى حالة ديمقراطية على مستوى البلد، من دون التقدم في معركة الديمقراطية داخل الجماعات والتيارات السياسية، بما تعنيه من حرية الأفراد والمجتمعات والسعي إلى تحريرهم من «ثقافة الرق» التي زُرعت فيهم باسم الإسلامية مرة، وباسم الوطنية أو القومية مرة أخرى، وتحت ذريعة الطاعة المطلقة لمرجعيات الجماعة أو قادة الحركة.

إن الانتصار في معركة الديمقراطية هو المدخل الضروري والابتدائي للتجديد، فإذا استجابت واستوعبت القيادات الهرمة هذه الضرورات كان بها، وإلا فإن على الأفراد البحث عن خيارات أخرى، بما فيها الانقلاب الديمقراطي على الحرس القديم، أو التقليدي، وتقرير الإرادة العمومية.

* كاتب من الكويت

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 2/آيار/2009 - 5/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م