قضايا العولمة والفطرة الاجتماعية

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: على الرغم من ان العولمة كمصطلح يُنسب الى قائمة المصطلحات الحديثة التي استحدثها الغرب في عموم مجالات الحياة، إلاّ إنها كفعل متحقق على أرض الواقع الإنساني تعود الى عشرات القرون وربما ينتمي ظهورها الى ظهور الانسان على الأرض، بمعنى أن الطبيعة البشرية تنحو الى الاجتماع والتقارب والتفاعل والتعارف والتحاب وما شابه من سلسلة العلاقات الانسانية المتشعبة.

إذن فالعولمة ومحاولة إشاعة النموذج المقترح وتسويقه او تسويغه كي يصبح نموذجا بشريا شاملا، ليس وليد اليوم ولا يشكل براءة اختراع للغرب، إلاّ إذا كان المقصود بذلك إسم المصطلح فحسب، أما التطبيق الفعلي له فقد ظهر مع ظهور النشاطات البشرية الأولى، فالانسان كما يقول الامام السيد محمد الشيرازي رحمه الله:

(يميل إلى هذه الجهة: جهة التعارف والتآلف، وينحو نحو هذا الاتجاه الفطري الموهوب).

بمعنى أن ثمة موهبة فطرية مترسخة في الذات الانسانية تدفعها نحو التقارب والتفاعل مع بعضها، وهذا ما سيقود بدوره الى خلق التأثير المتبادل بين الطرفين، بل بين الاطراف المتعددة وتبدأ مرحلة تبادل واكتساب الخبرات والمهارات بمختلف المجالات، ثم التشابه او التقارب في منظومة السلوك والثقافة وطرائق العيش وما شابه، ويبقى الأمر بعيدا عن الانتساب الى جهة انسانية بعينها او أمة ما، فالسلوك (العولمي) أو النزعة الاجتماعية المتجذرة في فطرة الانسان هي ليست وليدة العصر الراهن، وهنا يقول الامام الشيرازي:

(فالإنسان مهما كان بلده وموطنه هو إنسان، وله نفس المشاعر والأفكار الجسدية التي يحملها كل إنسان آخر، وإنما الاختلاف غالباً في الأفكار والآراء).

بمعنى أن عناصر التشابه الأساسية متوافرة لدى عامة البشر، أما الاختلاف فيظهر في تنوع الأفكار وتعدد الآراء واختلافها او تشابهها في بعض الأحيان.

ولذلك كانت (العولمة) ولاتزال هدفا انسانيا ينشده الجمع البشري الذي يؤثث تضاريس الأرض المختلفة بنشاطاته الحياتية المتواصلة والمتباينة في آن واحد، وهذا ما يؤشر صحة هذا اهدف الانساني الشامل كونه ينبع من فطرة الانسان الاجتماعية النازعة الى التقارب والتعارف والتفاعل والى عموم الصفات البشرية الجامعة، وفي هذا الجانب يقول الامام الشيرازي:

(إن العولمة الصحيحة هدف إنساني لا غناء عنه إلاّ بنشره وتعميمه، ولا طريق للإنسانية أمامها إلاّ بالدخول فيها والانتماء إليها، علماً بأنّه لم يكن الدخول فيها قد بدأ في هذه الأيام، بل منذ إرسال الأنبياء أولي العزم عليهم السلام وأخذت تتبلور وتتكامل منذ بدء عهد الرسالة الإسلامية، ففي يوم الأحزاب عندما كان رسول الله (ص) والمسلمون معه يحفرون الخندق حول المدينة ليأمنوا جانب العدو استعصى عليهم حجر صلد، فضربه رسول الله (ص) بمعوله فانقدحت منه شرارة وسطع منها نور، فقال )(ص) وهو يبشر المسلمين: إني رأيت فيه قصور الحيرة ومدائن كسرى، ثم ضربه ثانية وثالثة، فانقدحت في كل ضربة شرارة، وسطع منها نور كذلك، وفي كل مرة يقول )(ص) لأصحابه بأنه رأى فيها هدفا من الأهداف العالمية).

وهكذا نرى بأن ساحة الاسلام هي عموم المعمورة أرضا وبشرا وهذا الهدف بحد ذاته ذو طابع عولمي، حيث نقرأ في كتاب (العولمة) للامام الشيرازي:

(وبالفعل، فقد وصلوا –المسلمون- إلى تلك المناطق البعيدة، ونشروا الإسلام فيها، وهم في طريقهم إلى تحقيق ما وعدهم الله من ظهور الإسلام على كل الأديان، لما في الإسلام من محاسن الأديان كلها وخلو الأديان من محاسن الإسلام).

ولعل الأمر هنا لايقتصر على المسلمين وحدهم كون الاسلام دينهم، بل ثمة من ينتمي الى الغرب نفسه من العلماء والكتاب وقد ذهبوا الى ان الاسلام سينتشر في عموم العالم في آخر المطاف، ويرد هذا في كتاب العولمة للامام الشيرازي حيث يقول:

(ويؤيد ذلك –أي نشر الاسلام عالميا- تنبؤات بعض كُتّاب الغرب ومحققيهم فقد قال أحدهم في كتابه: إنه لا يمرّ علينا مائة عام إلا ونرى البريطانيين يدخلون في الإسلام).

وهكذا نصل الى ان (العولمة ليست) لايمكن أن تكون وليدا معاصرا إلاّ إذا تعلّق ذلك بالمصطلح كمعنى، أما مضمونه فقد تحقق على الأرض منذ عشرات القرون، إستنادا الى الطبيعة الانسانية التي تميل الى كسب التجارب وحب التقليد لاسيما اذا كان الامر ينطوي على سمة التجديد والتحديث باعتباره هدفا إنسانيا فطريا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 28/نيسان/2009 - 2/جمادى الآولى/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م