أنت والمسؤول..

محمد علي جواد تقي

فيما كنت أتابع إذاعة كربلائية تبث برانامجاً على الهواء إسبوعياً فحواه إقامة جسور العلاقة بين المواطن والمسؤول في المدينة المقدسة في مختلف الميادين، قلت لزميلٍ لي: يكون البرنامج ناجحاً عندما يحضر المسؤول أمام (المايك) داخل استوديو الإذاعة ليكون على إتصال مباشر مع المواطنين، ولينقلوا شكاواهم ومطالباتهم أو حتى أسئلتهم المختلفة، وهو بدوره يجيب على ما أمكن منها، وليس بالضرورة أن يصدر بذلك أحكاماً قاطعة، لكن أن يكون مقدم البرنامج وحيداً في الاستوديو وينقل رسائل المتصلين هاتفياً، فذلك ما يمكن تسميته بإلقاء حجر داخل بئر، إذ ربما نسمع أثر ارتطامه بالماء وقد لانسمع شيئاً، لكن هل المشكلة في الذي يرمي الحجر سعياً منه للحصول على الماء، أو بالأحرى في الجهد الذي تبذله هذه الإذاعة وكادرها، أم في المسؤول الذي رفض تجشم عناء المجيء الى مقر الإذاعة، لإرواء غليل المواطنين أو لنقل البعض منهم من الذين يتابعون البرنامج على الهواء صباح كل إثنين؟

 نحن في هذا الحيّز المحدود لن نأتي بجديد للأخوة المسؤولين إذا ذكرناهم بمسؤولياتهم إزاء المواطنين وعدم التهرب منها، وأزاء الأسئلة المحرجة التي تعتلج في الصدور وهي لا تُعد ولا تحصى في مختلف المجالات والميادين، لكن لنا أن نشير الخطأ الفادح في التقليل من شأن هكذا برامج سواء عبر هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك، وأهمية الأمر تعود لقضيتين: – حسب إعتقادي القاصر-

أولا: خروج المسؤول والدائرة الحكومية التي يعمل فيها من الدائرة التنفيذية المغلقة الى رحاب المجتمع والواقع، حيث يجد نتائج أعماله وجهوده  على أرض الواقع، فان كانت ايجابية وبناءة فانه بالتأكيد سيسمع الثناء والشكر الجزيل، ومعروف عن الغالبية العظمى من ابناء شعبنا أنهم لاينكرون الجميل، وما ردود الفعل إزاء استتباب الوضع الأمني في عموم البلاد إلا مثلاً واحداً على ذلك، أما اذا كان هناك قصوراً أو مشكلة ما، وهو أكثر ما يطبع نشاط دوائرنا الحكومية، فان مجرد سماع المسؤول للعتاب والتظلم وغير ذلك، والتجاوب مع المواطن عبر الهاتف، يُعد خير مصداقية لموقعه الرسمي ومشروعية لتسنّمه منصبه، فمن غير المقبول ولا المعقول ألا يعرف المواطن أسماء المدراء العامين في المؤسسات الحكومية في البلاد، ولا يجدون أيضاً معول الديمقراطية لتحيطم جدار الدكتاتورية والبروقراطية أو ما يسمى بالروتين.

ثانياً: خروج المواطن من عزلته القاتلة وهو يدور حول نفسه طوال السنوات الماضية، ويبذل المزيد من الجهد شتاءً ويريق الكثير من العرق صيفاً، لقضاء الكثير من متطلبات حياته اليومية التي يُعد جزءاً كبيراً منها من مهمة الدولة لاسيما ما يتعلق بالخدمات، والقضية الأهم في هذه النقطة، والتي يفترض انها تلتقي مع مهمة المسؤول ومكانته الرسمية، وهي ثقة المواطن بالنفس وبالآخرين التي أصابها الاهتزاز والتصدّع، بسبب الإسقاطات وتراكم المشاكل والازمات ، لذا بات من النادر أن نجد مواطناً يصدق بسماع المسؤول لشكواه أو متابعة مشكلة يعاني منها ابناء محلّة أو منطقة، ولا نتحدث طويلاً عن سبب أو منشأ هذا  التصدّع في الثقة بين المواطن والمسؤول خلال السنوات التي أعقبت الاطاحة بنظام صدام.

لنعود الى زميلي الذي سمع ما أبديته من تبرّم وتشاؤم، وقال: لا عليك فان المسؤولين يسمعون ويتابعون بالتأكيد ما يرد في وسائل الاعلام من شكاوى وانتقادات، وقد أثبتت هكذا برامج جدوائيتها – يقول زميلي- في حل عدد من المشاكل، ونحن نضم صوتنا الى صوته بانه في حال معالجة الخلل من خلال جسور العلاقة بين المسؤول والمواطن، فان الامتياز هنا سيكون في جعبة المسؤول بالدرجة الأولى، لأنه تحلّى بالشجاعة والمصداقية والأمانة وواجه أبناء شعبه بما يملك من قدرات وامكانات، ثم تأتي الوسيلة الإعلامية في الدرجة الثانية التي تكون قد أدت دور (واسطة الخير).

وعلى ذكر تأثير وسائل الاعلام في تقريب المسافة بين المواطن والمسؤول، سمعت بالصدفة نوعاً من التبرّم من مديرية بلدية كربلاء على ما جاء في هذا الحيّز من انتقاد للوضع الذي كان عليه متنزه الحسين (ع) في المدينة، وكيف إن أفراداً من الشرطة منعت الأطفال من اللعب لأسباب قالوا (إنها أمنية)، والقضية تعود لأكثر من سنة، وقبل أن يتم تسييج المتنزه، علماً إن الانتقاد كان موجهاً للجهات الأمنية بشكل واضح ومباشر، وما تفاعل الأخوة في البلدية مع هذا الانتقاد إلا دليل صحة في العملية الديمقراطية، وكثّر الله الطيبين من أبناء بلدنا.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/نيسان/2009 - 30/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م