جنوح عالمي نحو الطاقة المتجددة: مدن الشمس شعار جديد

تخفيضات ودفعات مالية وحوافز للتحول إلى الطاقة النظيفة

 

شبكة النبأ: الوقود مجاني، ولكن الناس يترددون محجمين عن دفع التكاليف المترتبة على التجهيزات والأدوات اللازمة لاستخدام هذا النوع من الوقود أو الطاقة. فالتكلفة هي المشكلة التي تقف عائقا في طريق عدد متزايد من الحكومات المحلية في سعيها لإقناع أصحاب المنازل والمؤسسات التجارية في مدن وولايات أميركا بتركيب الألواح الشمسية على سطوح مبانيهم لتحويل ضوء الشمس وحرارتها إلى طاقة كهربائية.

وقد استنبطت ولاية كاليفورنيا الرائدة في الترويج لاستخدام الطاقة الشمسية خططا ومشاريع مبتكرة للتمويل وعرضت حوافز تسهّل استثمار أشعة الشمس وتسخيرها كمصدر للطاقة. وتأتي هذه الجهود ضمن حملة يشنها مسؤولو الولاية والبلديات لتخفيض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري وزيادة مصادر الإمداد بالطاقة. ويشير مسؤولو الولاية إلى أن تكاليف الطاقة الشمسية تحقق انخفاضا تدريجيا بالمقارنة إلى الوقود الهيدروكروبوني (من النفط والفحم الحجري) وتتزايد في الوقت نفسه إمكانيات توفيرها فرصا اقتصادية "خضراء" لمدن الولاية ومجتمعاتها.

غير أن الطاقة الشمسية ما زالت في هذه المرحلة مكلفة إذا ما قورنت بتكاليف الطاقة التي يتم توليدها باستخدام الفحم الحجري. ولذا فإن بلديات المدن ودوائر الإمداد بالطاقة، سعيا منها إلى دفع اصحاب المنازل والمؤسسات نحو استخدام البدائل المنسجمة مع البيئة وتصونها، عمدت إلى تقديم إعفاءات ضريبية وتخفيضات تشجيعا لهم على تركيب الألواح الشمسية. والمؤسسات المختصة بتركيب أنظمة الألواح تضطلع أيضا بدور في الحملة. فهي تعرض خيارات للتمويل مثل مشروع "اتفاقيات شراء الطاقة" التي تسمح للمستهلكين بشراء الأنظمة بفوائد ثابتة محددة ومنخفضة على المدى الطويل بتمويل من طرف ثالث أو استئجار التجهيزات لمدة 10 سنوات مع الاحتفاظ بحق الشراء. بحسب موقع أميركا دوت غوف.

من قبيل المثال على ذلك أن مدينة سان فرانسيسكو بدأت بتطبيق برنامج التعويضات، أو الرديات المالية في تموز/يوليو 2008. ويسمح البرنامج بتخفيض أو رد مبلغ 6,000 دولار من قيمة لوازم توليد الطاقة الشمسية في المنازل و10,000 دولار في المؤسسات التجارية في المدينة. ويتكلف تركيب أجهزة عادية لتوليد 2.5 كليواط من الطاقة اللازمة لمنزل نحو 25,000 دولار. غير أن مسؤولي المدينة يقولون إن التكلفة ستنخفض عندما يتم احتساب التعويضات أو الرديات المالية التشجيعية من الولاية والمدينة إلى نحو 4,000 دولار للمنزل.

وأعلنت مدينة سان فرانسيسكو في أيلول/سبتمبر 2008 عن برنامج مجاني للتدقيق والمراجعة وتقدير الطاقة الشمسية للمؤسسات الخاصة في المدينة. وسيقوم الإخصائيون وخبراء الطاقة الشمسية بتقديم المشورة والتوصيات للمؤسسات حول الطرق والوسائل التي تمكنها من الاقتصاد في الطاقة وتخفيض التكاليف والتوفير الذي ينتج عن تركيب اللوحات الشمسية.

وأصبحت منطقتا خليج سان فرانسيسكو وبيركلي بكاليفورنيا في خريف العام 2008 أول مدينتين أميركيتين تقدمان برنامجا للإقراض بدعم من المدينة لمساعدة أصحاب المنازل على تركيب الألواح الشمسية. ويجري تحصيل القروض على أقساط على مدى عشرين سنة تدفع كجزء من ضرائب الأملاك. ومن شأن البرنامج أن يقلص احتمالات تعرض أصحاب المنازل للضرر. فعندما يبيع صاحب المنزل بيته ينتقل القرض ومسؤولية دفع أقساطه للمالك الجديد. وقد تبنت مدينة "بالم دزرت" بكاليفورنا أيضا برنامجا شبيها.

هذه الحوافز أصبحت تؤتي أكلها. إذ يقول مجلس كاليفورنيا للخدمات العامة إنه رغم الاقتصاد المنكمش فقد عمد الأهالي والمؤسسات التجارية في العام 2008 إلى تركيب ألواح فولت- ضوئية (تحوّل أشعة الضوء إلى فولتات طاقة كهربائية) على أسطح المباني تكفي لتوليد طاقة قياسية تصل إلى 158 ميغاواط. وهي كمية تزيد عن ضعف ما كان ينتج قبل عام.

المدن الشمسية

وفي كاليفورنيا هناك برنامج آخر متوفر للمؤسسات التجارية يجري تمويله جزئيا بمنحة 200,000 دولار من وزارة الطاقة الأميركية. وقد أعلنت الوزارة في عامي 2008 و2007 عن تصنيف 25 مدينة "مدنا أميركية شمسية" اعترافا بما بذلت من جهود في هذا السبيل. وقد تلقت كل مدينة من تلك المدن منحة مالية قدرها 200,000 دولار.

وقال وزير الطاقة صامويل بودمان في إعلانه أسماء المدن المستفيدة من المنح في العام 2008 "إن الهدف من هذه "المدن الأميركية الشمسية" هو البدء بدمج الطاقة الشمسية.

ويدل وجود أكبر عدد من المدن الأميركية الشمسية في كاليفورنيا على التزامها الشديد باستغلال الطاقة الشمسية. فقد وقع الاختيار في العام 2008 على كل من مدن ساكرامنتو وسان هوزيه وسانتاروزا، وفي العام 2007 على بيركلي وسان دييغو وسان فرانسيسكو لتصنيفها مدنا شمسية.

ومما يذكر أن الرئيس أوباما أعلن بعد أسبوع من توليه الرئاسة قائلا "إن كاليفورنيا أثبتت شجاعة وقيادة حزبية مشتركة في جهودها لوضع معايير للقرن الحادي والعشرين."

أصحاب المنازل والمدن أيضا منتجون للطاقة

عملت ولاية كاليفورنيا على الترويج للطاقة الشمسية وتعزيزها منذ أكثر من عقد من الزمن. فقد أصدرت قانونا في العام 1995 يطالب شركات توزيع خدمات الطاقة الكهربائية بمنح ائتمانات أو تخفيضات للسكان الذي يحولون جزءا من الطاقة الكهربائية التي يولدونها إلى شبكة توزيع الطاقة وذلك بموجب برنامج يعرف باسم "صافي العداد" الذي يعني أن كل صاحب منزل يولد طاقة كهربائية بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح يمكن أن لا يدفع أي تكاليف للطاقة عن طريق تحويل الفائض من طاقته إلى شبكة التوزيع والحصول على ائتمان مقابل ذلك.

ويشرح آدم براوننغ مدير مبادرة التصويت للطاقة الشمسية هذا البرنامج بقوله "إن عداد الكهرباء يدور عكسيا إلى الوراء" عندما يكون صاحب المنزل غائبا في عمله ويقوم جهاز توليد الطاقة الشمسية بإرسال الكهرباء المولدة إلى شبكة التوزيع العامة. وأضاف براوننغ الذي يروج للتوسع في استثمار الطاقة الشمسية في تصريحات له لموقع أميركا دوت غوف قائلا إن صاحب المنزل "عندما يعود إلى البيت في المساء يستعمل الطاقة التي توزعها الشبكة، فيدور العداد إلى الأمام" ويسجل الاستهلاك الكهربائي من الشبكة ولا يدفع المستهلك إلا ما يزيد عن قيمة ما زود به هو الشبكة من طاقة.

وقد بدأت مدينة سان فرانسيسكو وبعض مدن ولاية كاليفورنيا الأخرى في تطبيق برنامج ناشط وفعال لتطوير مشاريع توليد الطاقة الشمسية لسد الحاجات البلدية من الطاقة.

وتنوي المدينة تركيب نحو 30,000 لوح شمسي على سطح خزان "صن ست" أكبر خزان في داخل المدينة. وسيتمكن المشروع عند إتمامه في العام 2010 من إنتاج 5 ميغاواط من الكهرباء مما يجعله أكبر مشروع لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في كاليفورنيا ويزيد الإنتاج الحالي إلى ثلاثة أضعافه. وسيزود المشروع المستشفيات والمدارس والشوارع بالكهرباء.

ومع أن المدن في مختلف أنحاء أميركا تعمل على تطوير مشاريعها الخاصة للطاقة الشمسية فهي تتابع باهتمام المبادرات التي تتخذها كاليفورنيا كي تفيد منها وتحذو حذوها.

قرية أميركية تسخّر الرياح التي دمّرتها كأداة لتجديد نفسها

وفي اليوم الرابع من شهر أيار/مايو سنة 2007 ضرب إعصار قرية غرينزبيرغ وأهلها البالغ عددهم 1,400 نسمة في ولاية كانزاس فدمرها تدميرا كاملا، مما حدا بالبعض على الاعتقاد بأن الضربة كانت قاصمة لا نهضة منها ونذيرا بزوال البلدة.

غير أن ستيف هيويت، رئيس بلدية القرية والمسؤول عن إدارة شؤونها قال "إن مسألة بقائنا أصبحت في مهب الريح. ولذا تداول زعماء القرية فيما بينهم وقر قرارهم على أنه يتحتم علينا أن نسير في اتجاه جديد."

وبتوجيه وقيادة من رئيس البلدية آنذاك، لوني ماكلّوم، علّق أهل القرية قرار عودة السكان وإعادة بناء مجتمعها وكيانها من جديد على ما يجسده اسمها الذي يعني بالعربية "قرية الخضرة." وباختصار، ودون طويل شرح، اعتمدت البلدة مبدأ الطاقة "الخضراء – أي الطاقة ذات الكفاءة وتكنولوجيا الطاقة المتجددة – لا كمجرد وسيلة لإعادة بناء القرية المدمرة والمؤسسات التجارية المنهارة والبيوت المهدمة وحسب، بل وكوسيلة لجعل نفسها واجهة ونموذجا قوميا للممارسات والاستخدام الجيد للبيئة. بحسب موقع امريكا دوت غوف.

ويشبّه رئيس البلدية الحالي بوب ديكسون الجهد الذي بذل بالروح التي تحلى بها رواد الاستيطان الذين استعمروا السهول الكبرى في القرن التاسع عشر وأوئل القرن العشرين.

قال ديكسون إن ممارسة الإدارة الحصيفة للأراضي والبيئة ليست مفهوما جديدا، "فأسلافنا في المناطق الريفية عرفوا كل شيء عن الرياح والشمس والمحافظة على المياه. ثم علمونا أننا إذا اعتنينا بالأرض فإن الأرض بدورها ترعانا." 

يرى المختبر القومي للطاقة المتجددة في بلدة غولدن بولاية كولورادو أن مصدر غرينزبيرغ الأساسي للطاقة سيكون من الرياح. فولاية كانزاس تأتي في المرتبة الثالثة بين الولايات الأميركية  من حيث أفضل الإمكانيات المتاحة لتوليد الطاقة الكهربائية من الريح.

ويقول مسؤولو بلدة غرينزبيرغ إن شركة فرعية من شركة دير وشركاه لصناعة الآلات الزراعية بدأت تعد لإنشاء مزرعة من أبراج مراوح توليد طاقة الرياح خارج القرية بطاقة تبلغ 12 ميغاوات. وتقول مصادر الشركة المعنية إن من المتوقع أن تبدأ مزرعة الرياح إنتاجها الكهربائي بحلول نهاية العام 2009.

وفي أوقات سكون الرياح وعدم هبوبها، تقول لين بيلمان من المختبر القومي للطاقة المتجددة، إن القرية ستستمد طاقتها من مصدر احتياطي يزودها بالكهرباء المولدة بالطاقة المائية.

وقال مايك إيستيس الذي يتعاون مع أخيه كلي في إدارة فرع الشركة، إن الفرع أعيد بناؤه وفق أعلى المستويات المتوفرة في التصاميم الرائدة للمباني المنسجمة مع البيئة ونظام تقييم المباني الخضراء طبقا للمعايير التي وضعها المجلس الأميركي للمباني الخضر. إذ يتولى هذا المجلس وضع المعايير والمستويات الخاصة بالمنشآت وأساليب العمل المتوافقة مع البيئة وتحافظ عليها.

ويحصل فرع شركة دير على نسبة تتراوح بين 10 و15 بالمئة من طاقته الكهربائية من توربينين صغيرين لتوليد الطاقة من صنع شركة إنديورانس لطاقة الرياح. أما تدفئة المبنى فتتم من خلال جهاز للتوزيع الشعاعي يضخ مزيجا من الماء و السائل المضاد للتجمد والتجلد في شبكة من الأنابيب الممدودة تحت الأرض. وأما جهاز التدفئة نفسه فيتم تزويده بالوقود المستصلح من الزيوت المستهلكة في الآلات الزراعية وتودع في مشغل الصيانة والتصليح. ويقول إيستس إن هذا الأسلوب "متجدد كليا وذو كفاءة عالية."

ولمبنى الشركة الجديد 23 نافذة شمسية متصلة بمحسّات مركبة في نظام أجهزة الإضاءة الفلورسنتية تعمد إلى إضاءة النور الصناعي عندما ينخفض النور الطبيعي الخارجي. وهناك وسيلة أخرى للإضاءه وهي استخدام الأنابيب الشمسية المصقولة التي تعكس ضوء الشمس وتحوله من الخارج إلى الداخل.

والمراحيض وغيرها من الأجهزة التي تستهلك الماء صممت بحيث تقتصد في استهلاك الماء، مما أكسب مبنى فرع الشركة أعلى تقدير كمبنى أخضر.

وقال مايك إيستيس "إن التكنولوجيا الخضراء ستمكننا إجمالا من تخفيض تكاليف الطاقة بنسبة تبلغ 40 بالمئة."

ويقول هيويت، رئيس بلدية القرية، إن إعادة بناء منشآت القرية كلها، بما فيها مبنى البلدية والمدرسة والمستشفى، تتم وفق أعلى معايير الصدارة في تصاميم الطاقة والبيئة للمباني الخضراء.

وعلى الرغم من أنه لا سلطة لمسؤولي بلدة غرينزبيرغ على الكيفية التي سيعيد بها أهلها بناء مساكنهم الخاصة، تقول بيلمان من مختبر الطاقة المتجددة إن أكثر من نصف البيوت التي أعيد بناؤها شيّد بشكل يزيد من كفاءة المنازل في الطاقة بنسبة 40 بالمئة بالمقارنة مع المنازل التي بنيت وفق معايير قوانين البناء المعمول بها.

وفي جهد للترويج لجهود قرية غرينزبيرغ وجمع المال لها أسس دانيل والاك منظمة باسم غرينزبيرغ غرينتاون. وكان والاك قد جاء ليقيم في القرية بعد حياة عملية تولى فيها إدارة مؤسسة لمجموعة لا تستهدف الربح في ولاية كولورادو المجاورة.

ويعزو المسؤول عن إدارة القرية ومختبر الطاقة المتجددة الفضل لوالاك في الرقابة غير الرسمية في القرية وإخضاعها للمحاسبة والوفاء بكل التزاماتها البيئية. أما والاك فيقول إن كل ما يريده هو أن يعرض "غرينزبيرغ كواجهة نموذجية لكيفية ما ينبغي أن يكون عليه المستقبل."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/نيسان/2009 - 17/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م