زلزال ايطاليا يكشف عن خفايا الجريمة والفساد

تضرُر مباني تاريخية وقرية تتحول الى مدينة أشباح

 

شبكة النبأ: بعد ثلاثة عقود منذ أن دمر زلزال جنوب ايطاليا لا يزال الكثير من المنكوبين يعانون في منازل مؤقتة بعد أن ثارت مزاعم بأن المافيا وجماعات سياسية ملات جيوبها بمليارات اليورو من أموال المساعدات.

ويخشى الكثير من الايطاليين الان من أن الفساد والجريمة المنظمة يمكن أن يعوقا الجهود الرامية الى اعادة بناء منطقة ابروتسو المدمرة التي تقع في الوسط على الرغم من وعود رئيس الوزراء سيلفيو برلوسكوني بسرعة اعادة الاعمار بعد الزلزال المدمر الذي وقع الاسبوع الماضي.

وتقع ابروتسو حيث قتلت كارثة اكثر من 280 شخصا وشردت 28 الفا على أعتاب المعاقل الجنوبية لجماعات الجريمة المنظمة مثل كامورا ولها تاريخ من قضايا الفساد التي تورط فيها مسؤولون بارزون.ومع توقع تدفق مليارات اليورو لاعادة الاعمار ستحتاج حكومة برلسكوني الى ضمان الشفافية.

وقال جيمس والتسون من الجامعة الامريكية في روما "نستطيع أن نكون واثقين تماما من أنه ستكون هناك محاولات من قبل (عصابات) الجريمة المنظمة لتأمين حصة في هذه الاموال. ابروتسو قريبة من مراكز النفوذ في كامورا بما يكفي لجعلها هدفا مغريا."بحسب رويترز.

واعتاد الايطاليون الاستماع الى وعود باعادة الاعمار وأن يشهدوا اختلاس المسؤولين والمافيا الاموال المخصصة للكوارث.

وفي صقلية موطن المافيا لا يزال الناس يعيشون في أكواخ طارئة بنيت بعد زلزال وقع عام 1908 وأسفر عن سقوط خمسة الاف قتيل.

واستشهد باعادة الاعمار في أعقاب زلزال ايربينيا عام 1980 - الذي أسفر عن مقتل 2800 وتشريد 200 الف - بوصفه أسوأ مثال على اساءة استخدام الحكومة للاموال وكسب الشرطة غير المشروع في ايطاليا بعد الحرب.

ولا يزال بعض ضحايا زلزال عام 2002 الذي وقع في سان جيليانو دي بوليا يقطنون في منازل مبنية من الحوائط الجاهزة وسط شكاوى بأنه تم اطالة امد الاعمال لاسباب انتخابية.

وتقول استيفانيا كانتاليني وهي حامل في الشهر الثامن بمخيم في لاكويلا "خوفي أنه بعد أن يخبو الوهج الاعلامي سينسى الساسة وعودهم وسنترك لانفسنا. خوفي أن أقضي بقية حياتي في خيمة."

وبالنسبة لفرانكو بافونسيللو استاذ العلوم السياسية بجامعة جون كابوت في روما يجب أن يساعد مستوى التدقيق الجماهيري في اعادة اعمار ابروتسو على ضمان النزاهة.وأضاف "من المرجح أننا لن نرى هنا اختلاسا مذهلا من النوعية التي شهدناها في الماضي بجنوب ايطاليا."

وساعد التغيير السريع في حكومات ايطاليا بعد الحرب على ضمان عدم محاسبة اي احد. لكن برلوسكوني الذي يتمتع بتفويض قوي ليحكم حتى عام 2013 راهن بسمعته على اعادة الاعمار ووعد بأن تستكمل.

وقال برلوسكوني الذي كون ثروته في البداية من التنمية العقارية "لن نتخلى عنكم. اعادة الاعمار ستكون سريعة." وقد تعهد بأن تكون العطاءات علنية وتتسم بالشفافية وباجراء تحقيق في السبب وراء انهيار مبان حديثة بما في ذلك مستشفيات.

وعادة "اختلاس" الاموال من العقود العامة راسخة وموثقة في ايطاليا. وتصنف منظمة الشفافية الدولية وهي منظمة مراقبة معنية بمكافحة الكسب غير المشروع البلاد على أنها الاكثر فسادا في غرب اوروبا وهي تحتل مرتبة أسوأ من دول مثل ماليزيا وبوتان.

وفي يوليو تموز ألقي القبض على حاكم ابروتسو وتسعة شركاء له بتهم تتصل باختلاس ملايين اليورو من رجال أعمال لتمويل المعارضة التي تنتمي الى يسار الوسط. وفاز حزب شعب الحرية بزعامة برلوسكوني بالانتخابات المبكرة في ديسمبر كانون الاول.

زلزال إيطاليا يحول بلدة ريفية الى منطقة اشباح

ولم يستغرق الامر سوى بضع دقائق لتحويل تلك البلدة الهادئة التي يسكنها مزارعون وحرفيون الى مشهد موحش تهيم فيه الخيول والدجاج على وجوهها وسط أكوام من الحجارة وأسياخ الحديد. وبعد نحو 1000 عام لم تعد أونا موطنا.

فقد قتل الزلزال الذي ضرب وسط ايطاليا الاثنين الماضي نحو 40 من سكان البلدة أو 13 بالمئة منهم لتكون احدى أكثر البلدات الايطالية تضررا. وقال رجال اطفاء ان 90 بالمئة من المنازل - أو ما تبقى منها - سيتيعن ازالتها.

وقال باولو فيروني (60 عاما) الذي نجا مع زوجته لكنه بات بلا مسكن الان " الشيء الاشد اثارة بخصوص الزلزال لم يكن تأثيره وانما صوت انهيار البلدة بأكملها حولنا."بحسب رويترز.

وأضاف أن ابنه الذي يعيش بالقرب منه نجا أيضا من خلال ربط ملاءات ببعضها والنزول من خلال نافذة شقته.

واضاف "انظر الى هذا المنزل هنا بجوار منزلي.. توفيت امرأة هناك. وهناك على بعد منزلين .. توفي شخص اخر. وهناك بجواره توفي ثلاثة اشخاص. وانظر هناك الى تلك الكومة في الحقل.. لقد نفقت 50 شاة" وكان يشير الى صف من المنازل المدمرة وقطعة ارض أمامها.

ولدى كل فرد من العدد القليل من السكان الذين لا يزالون بالقرب من المدينة المهجورة قصة مفزعة ويمكن أن يقوم كل واحد منهم باحصاء أقارب قتلوا في الزلزال. وارتفع الاجمالي الرسمي لقتلى الزلزال الى 250 كما شرد نحو 17 ألف شخص.

وقال فيرجيلو كولاجاني (70 عاما) "كنا نائمين.. وفجأة سمعنا صوت جلبة عالية. هرعت الى الخارج وكانت هناك امرأة تجاوزت التسعين تصرخ في شرفة منزلها .. النجدة .. النجدة.. بينما طلب من يساعدها سلما. كان رجل اخر جاث على ركبتيه في الظلام يقلب صفحات دفتر صغير ومعه قداحة ويبحث عن رقم هاتف ابنه. توفيت زوجته."

وروى جيوفاني ريكوبيني رئيس احدى وحدات الاطفاء في الموقع كيف تحركت مشاعر رجاله عندما انتشلوا جثتي شقيقين وهما بملابس النوم يبلغان من العمر ثلاث وخمس سنوات مع والدهما الميت أيضا. وأضاف أنه تعين اعطاء أمهما التي نجت عقاقير مهدئة. وأضاف ريكوبيني "مشاهدة هذين الطفلين كانت مؤلمة بدرجة لا توصف."

وفي مجتمعهم المترابط بشدة وحيث لا يوجد مطعم أو مقهى عاش السكان حياة هادئة الى أن وقعت المأساة وهي الاسوأ منذ عام 1944 عندما كانت أونا مسرحا لمجزرة ارتكبها النازيون قتل فيها 16 من السكان.

حصيلة الزلزال تقترب من 300 قتيل وتسجيل هزات جديدة

وبدأت حصيلة الزلزال العنيف الذي هز وسط ايطاليا تقترب من 300 قتيل في حين تتواصل الهزات الارتدادية وفقد الامل عمليا في العثور على ناجين جدد الخميس.

وافاق الناجون من الزلزال بصعوبة بعد ليلة باردة امضوها في ظروف صعبة وعلى وقع هزات ارتدادية عنيفة.

واشارت مصادر امنية الى ان حصيلة الزلزال بلغت صباح الخميس 278 قتيلا وذلك بعد اربعة ايام من الزلزال الذي هز منطقة الابروزي (وسط) ليل الاحد الاثنين واوقع اكبر عدد من الضحايا منذ 30 عاما.

وكانت آخر حصيلة رسمية اشارت الى وفاة 273 شخصا. ولا يزال ما بين 20 و30 شخصا في عداد المفقودين في حين بلغ عدد الجرحى 1170 شخصا بينهم 179 في حالة حرجة، بحسب مصادر امنية. ويقدر عدد المشردين بسبب الزلزال ب 28 الف شخص. بحسب فرانس برس.

واعلن مسعفون الليلة الماضية انهم انتشلوا جثتين من تحت انقاض مبنى مبيت للطلبة كان انهار بسبب الزلزال. وسجلت هزات ارتدادية جديدة الليلة الماضية.

وسجلت اشد هذه الهزات والتي شعر بها سكان روما وباقي المدن الكبرى الايطالية، عند الساعة 02,52 (00,52 ت غ) وبلغت قوتها 5,2 درجات على سلم ريشتر. وامضى 17 الفا و772 شخصا ليلتهم في 2962 خيمة وفرتها السلطات او في مئات السيارات التي غصت بها مرائب المدينة.

وفي اونا القرية الاشد تضررا التي شكلت مركز الزلزال، قضى الناجون ليلتهم في الخيم او في السيارات رغم البرد الشديد. وبدا عسكريون وقد اصابهم النعاس جالسين في شاحنة ترك محركها دائرا في حين بلغت درجة الحرارة في الخارج خمس درجات.

والامل في العثور على ناجين آخرين تضاءل وزادت الهزات الارتدادية الجديدة من تعقيد مهمة المنقذين. واعلن وزير الداخلية الايطالي روبرتو ماروني ان عمليات البحث بين الانقاض ستتواصل حتى الاحد.

وتم دفن اول ضحيتين للزلزال الاربعاء احداهما في منطقة الزلزال والثانية في منطقة موليسي المجاورة. ومن المقرر تنظيم مراسم وطنية للضحايا الجمعة في لاكويلا برعاية المسؤول الثاني في الفاتيكان الكاردينال تارسيسيو بيرتوني. وسيتم تنكيس العلم الوطني في كافة انحاء البلاد للمناسبة.

واعلن البابا بنديكتوس السادس عشر انه يامل القيام "باسرع ما يمكن" بزيارة موقع الكارثة حيث يعمل 8500 مسعف.

الزلزال يضر بكنائس قديمة وحمامات رومانية عامة

وقالت وزارة الثقافة ان الزلزال الذي ضرب وسط ايطاليا أضر بشدة بالعديد من الكنائس التاريخية وغيرها من المناطق الاثرية.

وأضافت الوزارة أن أربع كنائس من الطراز الرومانيسكي ومن طرز عصر النهضة وقصرا يرجع تاريخه الى القرن السادس عشر دمرت جزئيا بسبب الزلزال الذي كان مركزه في مدينة لاكويلا التي ترجع الى العصور الوسطى.وانهار جزء من الصحن الكنسي لكنيسة سانتا ماريا دي كوليمادجو وهي من أشهر كنائس المنطقة.

وكانت الكنيسة ذات الواجهة الوردية والبيضاء التي بنيت على الطرازين الرومانيسكي والقوطي قد شهدت تنصيب البابا سيلستين الخامس عام 1294 واجتذبت الاف الزوار كل عام. بحسب فرانس برس.

والى الشمال سقط برج الساعة بكنيسة سان برناردينو. وشهدت مدينة لاكويلا الجبلية العديد من الزلازل القوية على مر التاريخ وكادت تفنى بالكامل في زلزال عام 1703.

وزلزال الاثنين الذي قتل فيه عشرات الاشخاص كان قويا بدرجة ان سكان روما التي تبعد مئة كيلومترا الى الغرب شعروا به.

وقال مسؤول الاثار بالمدينة ان حمامات كاراكالا -الحمامات العامة التي بنيت بين 212 و216 ميلاديا والتي تعتبر منطقة جذب سياحية شهيرة شهدت بعض الاضرار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/نيسان/2009 - 17/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م