الشرق الاوسط وصورة قاتمة للعقود الخمس القادمة

تقرير لـ CIA يتراوح بين قمع ونهب ورخاء اقتصادي وسلام

اعداد: صباح جاسم

 

شبكة النبأ: رشحت صورتين متناقضتين عمّا سيكون عليه الوضع في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا للعقود الخمس القادمة، خلال تقرير استخباري امريكي حاولَ استقراء الوضع في المنطقة التي تعتبر الأشد حساسية من بين اقاليم العالم.

فقد قال تقرير لوكالة لاستخبارات الأميركية إن منطقة الشرق الأوسط ستصبح بؤرة لتوترات جمة في العقود المقبلة، وجاءت هذه الاستخلاصات بعد أن حاولت سي. آي. ايه عبر تقرير يقع في 200 صفحة الإجابة على سؤال ماذا ستكون عليه صورة العالم عام 2050، وفق ما ذكرت البيان الإماراتية.

لكن من الملفت للانتباه أنه لا كلمة في التقرير عن الرؤية الأمريكية لما ستكون عليه طبيعة الدولة في العراق ونموذج مؤسساتها.

وقال التقرير إن منطقة الشرق الأوسط هي البؤرة التي ستعرف أكبر التوترات وبالتالي الانفجارات المحتملة في أفق السنوات والعقود القليلة القادمة.

ويقدّم إستراتيجيو سي آي ايه عدّة سيناريوهات لمستقبل الشرق الأوسط في أفق العقدين القادمين، والأكثر تفاؤلا بينها ذلك القائل بأن نموا اقتصاديا متزايدا وراسخا يلوح في الأفق حيث ستتعاظم الاستثمارات في المنطقة بالتوازي مع تبنّي سياسات تربوية واجتماعية وانفتاح سياسي ستتم ترجمته في تشكيل أحزاب من كل المشارب والاتجاهات "المعتدلة"، كما يحدد واضعو التقرير القول.

وبالإجمال تقول هذه القراءة المتفائلة إن أصحاب القرار في بلدان الشرق الأوسط سوف يحاولون جديّا تهدئة النزاعات المحليّة والإقليمية. وهناك "السيناريو الأكثر تشاؤما" الذي يتحدث عن أن منطقة الشرق الأوسط ستكون في أفق عام 2025 بحالة من تزايد النزاعات الإقليمية وعدم الوصول إلى حلول للأزمات القائمة حاليا.

وبالتوازي سيزيد تشبّث الأنظمة الاستبدادية بالسلطة مع تصعيد قمعها في كل الاتجاهات. هذا كلّه في ظل تزايد كبير في عدد السكان مما سيسارع في استنزاف ثروات البلدان. ويقدّم واضعو التقرير الأميركي "نصائح" مفيدة من أجل مستقبل أفضل للمنطقة.

 ونقرأ بالحرف ما مفاده أنه "ينبغي على حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بغية تحقيق الحد الأقصى من تثمير إمكانياتها إلى الحد الأقصى من النمو، تحسين منظوماتها التربوية بحيث تمتلك قوة عمل أكثر تأهيلا على الصعيد التقني وتشجيع مواطنيها الذين تأصّلت فيهم نزعة البحث عن فرص العمل في القطاع العام على الاستجابة لمستلزمات العمل في القطاع العام مع ما ينطوي عليه هذا من عدم استقرار".

كما يشير التقرير إلى أن انخراط أعداد كبيرة من الشباب المؤهلين في سوق العمل قد يكون عاملا مشجعا من أجل فتح الأبواب أمام توسيع هامش الديمقراطية.

وقال التقرير إن هناك بلدان هامة في شمال إفريقيا مثل مصر والمغرب والجزائر وليبيا وتونس قد تستطيع إقامة مثل تلك الرابطة بين النمو السكاني والديمقراطية من الآن وحتى أفق 2050. لكن ليس واضحا إذا كانت أنظمتها تريد استثمار هذه الإمكانية في زيادة هامش الحريّة السياسية".

بكل الحالات يتم التأكيد أن قدرة دول الشرق الأوسط على تطوير اقتصادها ومتابعة إصلاحاتها السياسية ستتعلّق بجزء كبير منها بنجاح الجهود الرامية إلى إيجاد حلول للنزاعات المحليّة وتبني إجراءات ترمي إلى تعزيز استقرار المنطقة، وأكدت التحليلات الواردة في التقرير على ما تعتقد أنه "مسألتان أساسيتان" سيكون لهما تأثير كبير على المنحى الذي ستأخذه الأوضاع في الشرق الأوسط خلال العقدين القادمين. وهما "السلام في الشرق الأوسط" و"تطوّر إيران".

بالنسبة للمسألة الأولى يتم التأكيد على أن السلام سيساهم في توسيع نطاق "الخطاب الإيديولوجي والسياسي" ليشمل مختلف الدوائر والمشارب العقائدية منها أو الدنيوية. ذلك أنه سوف يلغي "نهائيا" الحجج التقليدية التي يتم استخدامها لكبح الحريّات ولتخصيص ميزانيات عالية للدفاع. هذا إلى جانب المساهمة في " تخفيف التوترات الإثنية والطائفية".

 أمّا بالنسبة للمسألة الثانية المتعلّقة بـ "تطوّر إيران" فلعلّها بيت القصيد فيما يراد طرحه في هذه الرؤية المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط، وكأنها "رسالة موجّهة" بين الرسائل الموجّهة الأخرى. نقرأ: "إن التطوّر الذي ستشهده إيران قد يكون له تأثير مستدام على المنطقة، لما هو أفضل وما هو أسوأ".

ويتم الحديث في هذا السياق عن إمكانية "انتقال محفوف بالغموض والخطر" لإيران من موقع "المعارض الإقليمي" إلى موقع "المفاوض ذي النفوذ".

وتجري الإشارة هنا إلى أن إدراك إيران لمصالحها المشتركة مع الغرب، في العراق وأفغانستان مثلا، وكذلك إدراكها لإمكانية تحقيق تقدّم في مسيرة السلام بين إسرائيل والدول العربية قد يُضعف الروابط بينها وبين سوريا. وهذا ما يرى فيه واضعو التقرير مصدر تشجيع لطهران بمقدار ما هو ضغط عليها كي تعيد تقييم دورها في المنطقة.

لكن من الملفت للانتباه أنه لا كلمة في التقرير عن الرؤية الأميركية لما ستكون عليه طبيعة الدولة في العراق ونموذج مؤسساتها. وعلى قاعدة منطق الترغيب والترهيب يتم الوصول إلى القول إن جملة الظروف قد تدفع باتجاه مراجعة طهران لمواقفها بهدف "تلطيف العقوبات الأميركية والدولية" المفروضة عليها. رسالة موجهّة أخرى مع العنوان الصريح.

 وإذ يؤكد واضعو هذا التقرير على قدرة العالم على تجاوز المشاكل "الجدّية" المتمثلّة في إمكانية شحّ مصادر الطاقة والماء في أفق عام 2025، فإنهم لا يترددون في القول إن منطقة الشرق الأوسط "ستبقى الأكثر حساسية في العالم ". وإن مستقبلها مرهون بما سيفعله فيها أبناؤها، وخاصة أصحاب القرار منهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/نيسان/2009 - 16/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م