القرضاوي مجددا

د. أحمد راسم النفيس

كلما بدا أن شبح الفتنة المذهبية آخذ في التلاشي أطل علينا أحد شيوخ الفتنة برأسه داعيا لنسف ما أسسه دعاة الوحدة الإسلامية من جهود خدمة لهدف لا نعتقد أنه خير للإسلام والمسلمين.

آخر هذه الكوارث هو ما تفضل به الشيخ المبجل من إنكاره لصدور فتوى شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت بجواز التعبد على المذهب الإمامي!!.

يقول الشيخ المشار إليه أنه قام بالبحث والتحري فلم يعثر على هكذا فتوى.

الأمر إذا على طريقة السلفيين المجادلين بالباطل القائلين لكل ما لا يعجبهم (لم يثبت)!!.

من الأساس فالمتعبدون إلى الله بمنهج أئمة أهل البيت عليهم السلام ليسوا بحاجة لفتوى من أحد مهما علا شأنه لإثبات صحة معتقدهم المؤسس على كتاب الله وعشرات الأحاديث النبوية المتواترة ومن بينها حديث الثقلين وغيرها وغيرها.

في اعتقادنا أن الفتوى التي أصدرها الشيخ الراحل كانت موجهة لجمهور المتعصبين الجهلة حسبما ذكر الشيخ الدكتور عبد الودود شلبي في كتابه (كلنا أخوة شيعة وسنة).

مرفق مع الرسالة صورة لغلاف الكتاب الصادر عن الدار المصرية اللبنانية وعنوانها (16 ش عبد الخالق ثروت – القاهرة) والشيخ الدكتور عبد الودو شلبي على قيد الحياة ولا نعتقد بإمكانية التشكيك في نسبة الكتاب إليه مثلما اعتاد المجادلون بالباطل فعله مع أي كتاب لا يعجبهم مثل كتاب نهج البلاغة!!.

طبعا ليس الكتاب المشار إليه هو المصدر الوحيد للفتوى ولو كان هناك مزيد من الوقت لجئنا بالمزيد من المصادر.

يقول الدكتور عبد الودود شلبي الذي عمل كمدير لمكتبه في كتاب (كلنا أخوة شيعة وسنة) ما يلي: (منذ أربعين عاما وقع في يدي كتاب (الخطوط العريضة) فهالني ما بين صفحاته من أقوال الكفر فما يقوله عن الشيعة خطير فليس من المعقول ولا من المقبول أن يكونوا أصحاب دين غير دين المسلمين أو أن يكون موقفهم من أهل السنة هذا الموقف العدائي الكبير! لم يطاوعني قلبي في تصديق ما كتب وظللت مترددا بين التصديق والتكذيب حتى استقرت سفينتي في النهاية على شاطئ الحق ففي عام 1382 هـ انتدبت للعمل سكرتيرا فنيا في مكتب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق وكان من مهام وظائفي في مكتب الإمام الراحل أن أرد على رسائله وأن أعرض عليه رسائل المسلمين التي تصل إليه كل يوم من كل ناحية وقد فوجئت برسائل الحب والمودة التي كانت تصل إليه من أئمة الشيعة كما فوجئت بردوده على رسائل هؤلاء الأئمة واعتزازه بهم كإخوة في الإيمان والعقيدة ثم فوجئت بعد ذلك باختياره لبعض هؤلاء الأئمة أعضاء في مجمع البحوث الإسلامية!!.

سألته يوما: هل قرأت يا مولانا ما كتبه صاحب كتاب (الخطوط العريضة) عن الشيعة؟؟

ابتسم الشيخ و لم يتكلم!!

وحين أعدت عليه السؤال أخرج من مكتبه ورقة ثم قال ستجد في هذه الورقة إجابتي على هذا السؤال!!.

كانت هذه الورقة صورة من الفتوى التي أصدرها بجواز التعبد على مذهب الشيعة الإمامية ونص الفتوى كما جاء في أقوال الإمام الأكبر:

فتوى شيخ الأزهر محمود شلتوت:

1-  أن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين بل نقول أن لكل مسلم الحق في أن يقلد- بادئ ذي بدء- أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحا والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة ولمن قلد مذهبا من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره أي مذهب كان ولا حرج عليه في شيء من ذلك.

2-  أن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة).

فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذهب معين فما كان دين الله وما كانت شريعته لمذهب أو مقصورة على مذهب فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى ويجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرونهم في فقههم ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات[1].

نعود للسؤال الثاني وهو لماذا لم يصدر الشيعة فتوى التعبد بالمذهب السني والرد على ذلك كما يلي.

أولا: عن أي مذهب سني تتحدثين؟!, فهناك عدة مذاهب سنية (الأحناف والشوافع والمالكية والحنابلة والظاهرية) وغيرها من المذاهب التي اندثرت والآن هناك الوهابية أو السلفية سمها ما شئت وكل من هؤلاء يزعم لنفسه الحكمة والصواب وأن لديه فصل الخطاب!!.

ليس مطلوبا من أحد أن يعترف بصحة هذه المذاهب أو بمعنى أدق صحة كل ما ورد فيها من أحكام إذ لا يمكن عقلا ولا نقلا أن تكون كلها صحيحة رغم اختلافها والمطلوب هو الاعتراف الواقعي بمعنى أن هذه المذاهب قد بنيت على اجتهاد فقهي يصح أو لا يصح وهو ما نطالب به من يتنطعون لإنكار المذهب الإمامي!!.

من الناحية الواقعية والتاريخية فالشيعة كانوا وما زالوا يعترفون بهذه المذاهب من الناحية الواقعية ولا يجرمون من يتبعها بل يفسحون لهم المجال لأداء شعائرهم ويساعدونهم على بناء مساجدهم ولمن لا يصدقنا فليسأل كتب التاريخ عمن بنى مسجد (الطرطوشي) القائم الآن في الإسكندرية لصاحبه الإمام الطرطوشي المالكي صاحب كتاب (سراج الملوك) الذي أهداه للخليفة الفاطمي الآمر بالله وفي عهد وزيره المأمون البطائحي (عام 516 هـ) وشفع هديته هذه بمناقشة فقهية حول ميراث البنات انتصر فيها لمذهبه ثم طلب بناء هذا المسجد في الإسكندرية فكان له ما أراد.

لا حاجة بنا لمزيد من الأمثلة القديمة والمعاصرة على أن الشيعة يؤمنون بحرية الاختيار المذهبي لهم ولغيرهم وأن الأمر لم يكن بحاجة لفتوى (تهز عالم الجهل والتعصب) كما قال الدكتور شلبي, فهم لا يعرفون هذين الشيئين.

نعود لتأثير كلام الشيخ القرضاوي الأخير فنحن نعتقد أن هكذا كلام قد جاوزه الزمان وأن زمن إثارة زوبعة في الفنجان قد ولى إلى غير رجعة.


[1] كلنا أخوة شيعة وسنة الدار المصرية اللبنانية ص 60-61 الطبعة الأولى مايو 1998.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/نيسان/2009 - 16/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م