أفق تحالفات جديدة لاستراتيجية الاحتواء الامريكية

محاولات وقف خط التراجع ودعم الهيمنة

شبكة النبأ: من حين لآخر تظهر كتابات أمريكية تطرح بديلاً للمؤسسات الدولية القائمة حاليًّا باعتبار أنها لا تحقق المصلحة الأمريكية، وكانت آخر تلك المؤسسة "عصبة أو تحالف الديمقراطيات" التي طرحها المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية لعام 2008. وفي هذا السياق نشرت مؤسسة التراث مقالة بحثية لـ " كيم آر. هولمزـ نائب رئيس المؤسسة لدراسات للدفاع والخارجية ـ تحت عنوان "حان الوقت لخطة جديدة للعبة الدولية.

يطرح كيم في مقالته رؤيته لإنشاء ترتيبات جديدة بدلاً من تلك التحالفات والمؤسسات الدولية ـ التي أسهمت في إنشائها الولايات المتحدة، والتي فقدت مع الوقت أهدافها، والتي أصبحت تقوم على احتواء الولايات المتحدة وترفض هيمنتها ـ تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية وحقوق الإنسان.

وتقود تلك الترتيبات الجديدة الولايات المتحدة نحو مجتمع أكثر حرية سياسيًّا واجتماعيًّا وفاعلية أكثر في مجال حقوق الإنسان، بما يوفر تحقيق أهداف وريادة الولايات المتحدة. فالكاتب يرى أنه لا أمن ولا سلام للعالم إلا من خلالها، وليس خلال وجود توافق عالمي كما يسعى له الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

تحديات عالمية تواجه ريادة الولايات المتحدة

يطرح الكاتب مجموعة من التحديات التي تواجه ريادة الولايات المتحدة على الصعيد السياسي والاقتصادي وحقوق الإنسان. فعلى المستوى السياسي يرى الكاتب أن كلاً من الاتحاد الأوروبي والناتو فشلا في ردع روسيا في حربها الأخيرة ضد جورجيا، بينما نجحت الولايات المتحدة في حشد تحالف دولي في حربها ضد نظام صدام حسين في العراق. كذلك فإن الصعود الصيني اقتصاديًّا والخوف من تحول قوتها الاقتصادية إلى قوة عسكرية قد تؤدي لاعتداءات في وقت لاحق تمثل تحديا آخر، ولذا يدعو كيم إلى ضرورة توسيع التحالفات الآسيوية بحيث لا تقتصر على الصين فقط. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وبالنسبة للإرهاب الدولي لا توجد مؤسسات فعالة لمكافحته، وكذلك الحال بالنسبة لمكافحة الانتشار النووي. فرغم مبادرة الولايات المتحدة لمنع الانتشار النووي إلا أنها لم تقدم حلاً للمشكلة مع إيران وكوريا الشمالية بشأن برنامجهما النووي.

أما بالنسبة للتحديات الاقتصادية فإن المؤسسات الاقتصادية لبريتون وودز (منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي) تواجه تحديات مثل عدم التقدم في الاتفاقيات الاقتصادية، ووجود انقسام أيدلوجي يؤدي إلى عرقلة التنمية الاقتصادية. وفي ظل وجود روسيا والصين ودول سلطوية أخرى في الأمم المتحدة فإن الولايات المتحدة لا تستطيع ممارسة الريادة الاقتصادية في هذا الإطار.

وفيما يتعلق بحقوق الإنسان فقد انتقد الكاتب مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الذي يراه يضم دولاً سلطوية كمصر والسعودية وكوبا والصين ـ وفقًا للكاتب ـ وشبههم بـ"الذئب الذي يحرس بيت الدجاج". فمثلاً يرى الكاتب أن ذلك المجلس لم يستطع إنهاء أزمة دارفور ويتجاهل أمورًا أخرى تتعلق بحقوق الإنسان في الوقت الذي يتبنى فيه قرارات ضد الإساءة للأديان التي يراها قيدت حرية التعبير فيما يتعلق بتوجيه انتقادات للإسلام.

ولهذا يرى كيم بضرورة إنشاء مؤسسات وتحالفات جديدة تقوم على تفكير ابتكاري يناسب دور الولايات المتحدة في دفاعها عن الحريات بعيدًا عن تكوين بيروقراطيات عالمية تقوم على "توافق عالمي" لتحقيق الصالح العام بقطع النظر عن مضمونه الذي يمكن أن يُعبر ـ وفقًا للكاتب ـ عن اعتذار حول انعدام العمل، وغطاء للقمع الذي يحدث في مكان ما مثل دارفور ورواندا.

التحالف العالمي من أجل الحرية

يدعو الكاتب لترتيب دولي جديد، التحالف العالمي من أجل الحرية (GFC) Global Freedom Coalition، يهدف هذا الترتيب إلى القيام بمهمات خارجية مثل مكافحة القاعدة والإرهاب الدولي، فرغم الدور القيادي للناتو في أفغانستان إلا أن الكاتب يرى أن مواقف دولة منقسمة وأن تحركها بطيء. وعلى ذلك يرى كيم إمكانية إيجاد آليات استشارية وتخطيطية وليس بالضرورة تحالفات رسمية وتهدف هذه الآليات إلى: تحقيق الأمن والحرية (المدنية والاقتصادية والسياسية). وإقامة تعاون أمني متعدد الأطراف خاصة مع زيادة التحديات العالمية وتشتت القوة الاقتصادية العالمية.

ويهدف التحالف لتحقيق أربعة أهداف رئيسة، أولها: العمل بشكل متعدد الأطراف بالاستعانة بآليات استشارية وليس بترتيبات بيروقراطية كالأمم المتحدة ولا عديمة الكفاءة كفكرة تجمع الديمقراطيات. وثانيها: مواجهة التحديات العالمية مثل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل والجرائم الدولية باستخدام كافة الوسائل القانونية أو العسكرية أو غيرها. وثالثها: العمل على إنشاء نظام دولي لتوازن القوى تزدهر فيه الحرية ويقضي فيه على السلطوية. ورابعها: تشجيع الحريات الاقتصادية والمؤسسات الحرة حول العالم.

العضوية في تحالف الحرية

أما بالنسبة للعضوية في التحالف الدولي من أجل الحرية (GFC) فإن هناك عدة معايير أولها: الالتزام بدعم الحريات على المستويين المحلي والدولي. وثانيها: وجود الرغبة والقدرة للتصدي للتهديدات العالمية وثالثها: الإسهام بفاعلية في أنشطة التحالف، ومن لا تتوافر فيه هذه المواصفات فإنه يستبعد من العضوية. فالهدف ليس النظر للديمقراطيات بشكل يتسع لقبول دول ديمقراطية بالاسم فقط أو وجود مؤشرات شكلية على الديمقراطية، ولا بشكل يضيق على الدول المتحولة للديمقراطية.

فالتحالف لن يكون تحالفًا ديمقراطيات وفقًا لرؤية جون ماكين في دورية الشئون الخارجية Foreign Affairs عام 2007 فلن يضحي التحالف الجديد بالكيف من أجل الكم، كذلك فإن التحالف لن يتطلب سكرتارية أو بيروقراطية فهو لن يكون منظمة دولية رسمية لها هيكل فوقي فالأمر لا يتعدى كونه تنسيق جهود وحشد موارد لتحقيق الأهداف المنشودة، كذلك لن يكون ذلك التحالف من أجل الدفاع المشترك كالناتو ولكن إطار مرن من الأمن لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين.

مزايا الانضمام للتحالف

يذكر كيم عدد من مزايا الانضمام لهذا التحالف وهي كما يلي:

بناء جو من الثقة بالعمل على تعزيز سيادة القانون وإيجاد تعاون مخابراتي وتدريب عسكري لمكافحة الإرهاب والترويج للديمقراطية.

استفادة الدول الأسيوية التي تخشى من تحول الصين أو إندونيسيا أو كولومبيا إلى دول معتدية.

تقديم الدعم العسكري والفني من الولايات المتحدة لبعض الدول، والذي يغنيها عن إقامة تحالفات جديدة مع الصين وروسيا.

يتكامل هذا التحالف ولا يستبدل أو ينافس دور الناتو ولا يعطل توسعه، فيمكن لدول غير مشاركة في الناتو أن تنضم للتحالفين حيث يوفر تحالف بديلاً لدول أوروبية ليس لديها الرغبة أو القدرة على التعاون خلال الناتو.

وفي مقالته يرد كيم على ما قد يثيره التحالف من انتقادات لدول كألمانيا وفرنسا على اعتباره تكرارًا للناتو، فيقول إن التحالف من أجل الحرية (GFC) تحالف عالمي بينما الناتو تحالف عبر أطلسي، كذلك فإن هذا التحالف قد يجعل في الصفوف الأولى حلفاء كبار مثل إسرائيل وأستراليا واليابان، وأن هذا التحالف يعوض ضعف الناتو. فمثلاً في أزمة جورجيا الأخيرة تدخلت أوروبا بزعامة ساركوزي رغم عدم اعتبار جورجيا دولة أوروبية بالأساس، وعلى ذلك رفضت عضويتها في الناتو لكن لم يكن هناك بديل يستطيع التدخل غير أوروبا وبذلك قد "يتكفل" التحالف الجديد بجورجيا "اليتيمة" كبديل للناتو أو الاتحاد الأوروبي الأقل فاعلية في ذلك الإطار.

تقسيم الجهد مع دول أخرى حول التحديات العالمية فلا تتحمل الولايات المتحدة الجهد كله بمفردها.

ردع الدول التسلطية التي تتطلع لدور إقليمي أو دولي كروسيا والصين أو من يسعون لامتلاك قوة نووية مثل إيران وكوريا الشمالية

يتيح تعدد مصالح ذلك التحالف جذب مزيدٍ من الدول فمثلاً كوريا الجنوبية قد تكون أقل حماسًا في مواجهة الإرهاب الدولي ولكن أكثر حماسًا في مواجهة خطر أن تصبح الصين خطرًا عسكريًّا فيما بعد.

إذا فذلك التحالف يقوم على دعم الحريات وفي الوقت ذاته يعيد المرونة الاستراتيجية للولايات المتحدة خلال التعاون مع دول أكثر حماسا في القيام بالمهام المطلوبة من دول الناتو، فضلاً عن توفيره إطارًا أفضل من الاتحاد الأوروبي والناتو للتفاوض باسم مصالح الأمم المتحدة فيما يتعلق بالشأن الإيراني أو الروسي.

إنشاء منتدى للاقتصاد العالمي الحر

يقترح كيم كذلك إنشاء منتدى للاقتصاد العالمي الحر (GEFF) Global Economic Freedom Forum لمواجهة التحديات التي تواجه الحرية الاقتصادية كالسياسات الوقائية التي يتخذها كثير من صناع القرار. ويقوم تصور كيم لذلك المنتدى على أنه يتشكل من 15 إلى 20 من أكثر الدول تحررًا اقتصاديًّا فهي أقرب لمجموعة الثمانيG8 . ويصدر ذلك المنتدى بيانًا سنويًّا حول أفضل الطرق للتعامل مع المشكلات الاقتصادية والمالية الدولية، ويدعو الريس الأمريكي لأول قمة في واشنطن.

ويهدف ذلك المنتدى إلى دعم الحريات الاقتصادية كالتي تدور في منظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة ويمتلك دعوة دول من مناطق جغرافية عدة مثل شيلي والبحرين وأيرلندا. بينما تستبعد الدول التي لا تتبنى سياسات الاقتصاد الحر ولا يتم دعوتها حتى كمراقب.

ويتم تشكيل لجنة خلال القمة الأولى تضع المبادئ وجدول أعمال القمم التالية وعندما ينضج ذلك المنتدى سيسمع صداه في الـG8 والـ WTO بل وحتى ستكون مناقشاته أساسًا لتجمعات وحوارات تجري في الأمم المتحدة.

المنتدى الحر لحقوق الإنسان

يعتبر كيم أن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة مجلسًا فاشلاً فاقدًا للمصداقية ولذا يدعو إلى المنتدى الحر لحقوق الإنسان (LFHR) Liberty Forum for Human Rights كبديل له ويقود خطاه رئيس الولايات المتحدة خلال الترويج للحريات بأشكالها الاقتصادية والسياسية والمدنية والعمل على سيادة القانون ويعمل ذلك المنتدى بمعزل عن مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

ويؤكد كيم في النهاية فكرته بأنه لن يكون هناك مجتمع دولي يسوده الأمن والرفاهية والحرية إلا بقيادة أمريكية، ولن تكون هناك قيادة أمريكية دون تحديث التحالفات والمؤسسات الدولية القائمة بشكلها الحالي.

وفي الحقيقة فإن أفكاره تواجه جدلاً كبيرًا حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على استمرار دورها كدولة مهيمنة كما كان الوضع السائد بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي فمثلاً كتب براج خاناParag Khana في صحيفة "نيويورك تيمز"في 27 من يناير 2008 مقالة بعنوان "وداعًا للهيمنة Waving Good Bye to Hegemony ذكر فيه أن الولايات المتحدة تخسر في المنافسة مع دول أخرى كبرى كالاتحاد الأوروبي والصين وأن الإنفاق العسكري على الحرب في العراق أو أفغانستان قد أضعف القوات المسلحة الأمريكية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/نيسان/2009 - 9/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م