ترشيد ومراقبة أداء نواب مجلس الأمة

أحمد شهاب

إحدى المسائل المهمة التي تشغل تفكير العديد من المهتمين بشؤون الحراك السياسي المحلي، هي مسألة ترشيد عمل أعضاء مجلس الأمة، وخلال السنوات العشر الماضية، برزت هذه الحاجة بصورة ملحة للغاية، حيث وجد المراقبون أن الفساد انسحب على أعضاء السلطة التشريعية، وبعدما كان الجمهور يضع ثقته الأخيرة في ممثليه في البرلمان ليحملوا عبء الإصلاح، وليدفعوا الحكومة إلى الاستقامة في طريق التنمية، أخذوا يتساءلون عن أسباب انغماس النواب في دائرة المصالح والمنافع الضيقة، والعلة التي تقف خلف ضياع بوصلة الإصلاح، وضبابية الرؤية التشريعية.

وهو ما دفع ثلة من المهتمين والفاعلين نحو الدعوة والمبادرة إلى تأسيس فرق لمتابعة أداء النواب، وتقييم إنجازاتهم وأعمالهم. وعلى الرغم من أنها لا تزال مبادرات فردية ومحدودة الأثر، فإنها تُعبر عن مستوى الضجر من ضعف الأداء البرلماني وانحرافه عن مساره السليم، وهي فكرة لم تنطلق من بواعث شخصية، بقدر ما عبرت عن القلق العام الذي يعتري المهتمين بقضايا وهموم الساحة السياسية في البلد، وخشيتهم من انحدار العمل البرلماني إلى مستويات أدنى، ولاسيما أن ضعف الأداء البرلماني قد تزامن مع بروز ظاهرة «التمسك بالمقعد البرلماني» بصورة مثيرة للدهشة والسخرية في آن واحد.

فثمة جماعات سياسية على قدر من الاتساع أصيبت بالتصدع والانشقاقات الداخلية، وتحولت إلى جماعات صغرى، نتيجة إصرار ممثليها في البرلمان على تكرار ترشيح أنفسهم، وعدم استعدادهم لفسح طريق البرلمان أمام الكفاءات الجديدة، واعتبار الموقع البرلماني حقا مكتسبا لهم بالخصوص، وأنهم ضرورة حركية لا يمكن زحزحتها من أماكنها، وإلا أصيب الحراك السياسي بالجفاف والجمود.

الاقتتال على المقاعد والمواقع البرلمانية، لا يُعبر عن ارتباط النائب بكم هائل من المصالح والمنافع الخاصة فقط، وإنما الأخطر انه يُجمد عمل المؤسسة التشريعية في البلد على طريقة تفكير واحدة. فحتى التغيير المتواضع الذي يستجد لدى دخول مجموعة من الأعضاء الجدد في كل دورة جديدة إلى البرلمان، يتلاشى أمام سيطرة تفكير وإرادات النُخب الأثرية داخل المجلس، وهي نُخب متكلسة لا تختلف عن صورة النخب الهرمة داخل الأحزاب والجماعات السياسية المحلية.

وهو ما يستدعي التوقف عند قيمة أساسية تبدو هي الضحية في زحمة المعركة المحلية المتشابكة. في العادة يحمل النواب على الحكومة ميلها إلى التغيير المحدود والضيق في تشكيلتها الوزارية، ويعتقدون أن ذلك أحد أسباب توقف الحياة في عروق الإدارة الحكومية. فمسألة تغيير أداء الحكومة ترتبط ارتباطا وثيقا بتجديد أعضاء السلطة التنفيذية، وتجديد العقليات الحكومية، لكنهم يغفلون عن السلبيات التي تترافق مع محدودية التغيير في تركيبة المجلس ذاته.

إن جمود السُّلطة التنفيذية يشكل خطرا على مستقبل البلاد، لكن من المؤكد أن الأخطار المترتبة على جمود السلطة التشريعية يتجاوز بكثير دور السلطة التنفيذية. فالسلطة التشريعية هي من يقوم بواجب المراقبة والمتابعة والنقد والتقييم على أداء وأعمال السلطة التنفيذية، فإذا تجمدت، او أخذت بعدا واحدا، وقعت البلاد في دائرة الهذيان السياسي، الذي يعني حركة الفاعلين السياسيين في دائرة مغلقة من العبث السياسي، والحديث الجماعي في وقت واحد دون أن يكون بمقدور أي طرف أن يفهم ماذا يريد الطرف الآخر أو إلى ماذا يرمي، والانشغال بالقضايا الهامشية على حساب الوطن.

وهو ما يدعو إلى التشدد في ضرورة أن يستهدف الفرد في الانتخابات المقبلة التغيير الشامل والنوعي في تركيبة المجلس، من خلال الامتناع عن التصويت لأي نائب سابق شارك لأكثر من دورتين برلمانيتين، وانتخاب الكفاءات الوطنية المؤهلة لتقديم إسهاماتها المتميزة في مشروع ارتقاء البلد، وإخراجه من حيز السكون، وعدم السماح للمجلس بأن يكرر نفسه وأزماته ومعاركه الوهمية.

فبأيدي الناخبين اليوم المساهمة الذهبية في إرساء مفهوم حضاري للعمل البرلماني، بوصفه صمام أمان من الوقوع في مطب الأخطاء والكبوات الحكومية، وإعادة الهيبة إلى المؤسسة التشريعية من خلال تجديدها وضخ الكفاءات الوطنية في ساحتها، الذين يستحقون أن يأخذوا فرصتهم الكاملة في الإسهام العملي بتطوير البلد، وتقديمه بحلة جديدة ملائمة، فمجلس بهذا المستوى، يستحق أن يطالب بحكومة جديدة، ومؤسسات ناهضة، وقيادات شابة، أما المجلس القديم والبالي المكرر، فلا يستحق هذا التشريف بتة.

وعلى الرغم من أننا ندعو إلى تعيين الاختيار على أسس وطنية بحتة، وحسب ما يمتاز به الشخص من مؤهلات أكاديمية وفكرية متقدمة، وتصورات جديدة، وبرامج عملية تسهم في ارتقاء حاضر البلد ومستقبله، فإن ذلك لا يعني بأي حال حجب حق الآخرين في الاختيار ضمن دائرة الطائفة أو القبيلة أو العائلة، بشرط أن يتوجه الاختيار نحو الأكفأ، لا الأقرب.

تحتوي الطائفة الإسلامية بمذهبيها السني والشيعي، على كفاءات زاخرة بالمؤهلات، ممن تحمل شهادات أكاديمية وعلمية متقدمة أو لها إسهاماتها الفكرية المتميزة، وتتحرك ضمن قوالب مفتوحة على هموم المجتمع وحاجاته، وتحمل خطابا متوازنا متحررا من القيود الطائفية البغيضة، والأعباء الحزبية الضيقة، ويحسن بالناخبين الكويتيين التوجه إلى أمثال هؤلاء، ودعمهم وتشجيعهم، فهؤلاء خير من يمثل الوطن والتصورات النهضوية له.. ومن المؤسف أنهم مغيبون عن الساحة، فيما يتصدى للتمثيل البرلماني بعض المتوترين طائفيا ومذهبيا، ممن لا يحسنون سوى افتعال المعارك الفئوية، وتأزيم المناخ السياسي والاجتماعي بأطروحات وخطابات متشنجة، وفي ظني أن التيار الإسلامي بوجهيه يستحق تمثيلا أرقى من هؤلاء وأحرص على البلاد ومستقبلها.

والأمر ينطبق أيضا على القبائل والعائلات الكبرى، فمن غير المحمود البتة أن تبدو قبائل وعائلات عريقة لها امتداداتها التاريخية والاجتماعية الواسعة في حالة من العجز عن تقديم ممثلين سياسيين على درجة عالية من الكفاءة والقدرة، يشرفونها عبر أدائهم وإسهاماتهم في مشروع الترقي الوطني، ومن الوهن أن تدع الفرصة بخمولها وسكونها للسقوط في دائرة المصالح والإرادات الحزبية الضيقة، فالمجتمع الكويتي يستحق نوابا وممثلين عن الأمة أكثر رقيا من التمثيل السائد.

* كاتب كويتي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/آذار/2009 - 3/ربيع الثاني/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م