تباين الأدوار والعلاقة التكاملية بين المرأة والرجل

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي دام ظلّه

 

شبكة النبأ: يعتبر التعاون البنّاء من موجبات ديمومة الحياة البشرية، من جهة اخرى قد يكون التناقض عاملا على الفرز بين الادوار ثم الجمع بينها لمواصلة التطور، والمتناقضات ظاهرة كونية قبل أن تكون بشرية، فالليل مثلا يقابله النهار، والضوء يقابله الظلام، والأبيض يقابله الأسود، وبغياب أحد هذين الطرفين تنتفي قيمة الطرف الآخر، فلا قيمة للضوء من دون الظلام ولاقيمة للون الابيض من دون الاسود وهكذا.

وتنطبق هذه الظاهرة على الكائنات، وموضوعنا هذا يتعلق بالكائنات البشرية، فالرجل ربما يكون نقيض المرأة وهي كذلك، غير أن هذا التناقض لابد من وجوده لمعرفة وفرز الادوار وطبيعتها، فلا قيمة للرجل من دون وجود المرأة ويصح العكس طبعا، فالعلاقة بين الإثنين علاقة تكاملية.

حيث يرى سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتابه الموسوم بـ (حقوق المرأة في الإسلام) بأن العلاقة بين المرأة والرجل هي علاقة تعضيد وتقوية وتعاون بالدرجة الأولي، فيقول سماحته في كتابه المذكور حول هذا الموضوع: (لاحظوا بدن الإنسان وهيكله تجدونه مديناً في حركته إلى العظام والعضلات. فلو أنّ جسم الإنسان كان كلّه عظماً لما تمكن أن يدير رأسه ولا أن يرفع يده ولا أن يمشي بل سيكون مضطراً لأن يبقى ممدداً طيلة الوقت في حالة واحدة.

كذلك إذا كان بدن الإنسان كلّه عضلات ولا عظم في جسمه، فإنّه أيضاً لا يقوى على الحركة بل سيظل كتلة ملقاة على الأرض لا يتمكن أن يجلس أو يسير لأنّ قوة العظم وشدته هي التي تحمل الإنسان وتجعله يقوى على القيام والقعود وحمل الأشياء و...

ومن ثم كان بدن الإنسان محتاجاً إلى العظم والعضل معاً ليكمل أحدهما الآخر في مهمة الحركة والقيام بأعباء الحياة.

إنّ مَثل الرجل والمرأة في الحياة مَثل العظم والعضل في بدن الإنسان، وثم مثل آخر نضربه لتوضيح الموضوع ـ والأمثال كلّها من الطبيعة وكم لها من نظير ـ وهو أنّ الحياة مزيج من العقل والعاطفة والشهوة، فإنّ الحياة لا تبنى بالعقل وحده ولا بالعاطفة وحدها. فلو أنّ الحياة سُلب منها العقل عادت فوضى لا نظام فيها، ولا وجدتَ مجلساً منعقداً بعض يتكلّم وبعض يستمع، فإنّ العقل هو الذي يحدد العاطفة ويؤطّرها.

كذلك لا تستقيم الحياة لو كانت خلواً من العاطفة وكانت كلّها عقلاً).

إن اللحم والعظم هما المكونان الأساسيان لجسد الانسان كما فهمنا، ولكن ثمة الثنائيان المتمثلان بالعقل والعاطفة، فكلاهما لايشبه الآخر، حيث يميل العقل الى المنطقية والتنظيم وما شابه، في حين تكون العاطفة منفلتة في الغالب بل ولاتعرف الانضباط إلاّ إذغ تحكم بها العقل، ومع ذلك فإن كلا العنصرين مهمان للانسان وكلاهما يكمل الآخر أبضا مع انهما متناقضان في الطبيعة والمسار.

ويمثل سماحة المرجع الشيرازي المرأة والرجل بالعاطفة والعقل فيقول في ذلك:

(ومَثل المرأة والرجل في الحياة كمثَل العاطفة والعقل، ولكن ذلك لا يعني أنّ المرأة عاطفة بلا عقل، وأنّ الرجل عقل بلا عاطفة، بل بمعنى أنّ المرأة كيان عاطفي تترجّح فيه كفة تأثير العاطفة خلافاً للرجل ـ في الغالب ـ فهو كيان يتغلب فيه العقل على العاطفة).

وعن الاختلاف في الواجبات بين المرأة والرجل يقول سماحة المرجع الشسرازي:

(ومن الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما كما تختلف واجبات العضل عن العظم. فاستقامة البدن بالعظام وحركته بالعضلات، ولو أردتَ أن تساوي بينهما فمعناه أنّك شللت البدن).

فالتشابه في الادوار يؤدي الى الضمور والسكون وربما الموت في نهاية المطاف، فلكلٍ دوره الذي يختلف عن دور الآخر، وهنا يقول سماحة المرجع الشيرازي:

روي عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: «لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا، فإذا استووا هلكوا».

أو مثَل آخر: لو أردتَ أن تساوي بين المرأة والرجل في كلّ الأمور تكون كمَن يحمّل أطناناً من الحديد في سيارة صغيرة، ويحمّل الشاحنات الكبيرة بضعة أجهزة دقيقة. فلا السيارة الصغيرة ستكون قادرة على حمل تلك الأطنان، ولا الشاحنات استُفيد منها بالوجه الصحيح.

ومثال آخر ـ والأمثلة كما قلت كثيرة ـ : لو ساويت في الأكل الذي تقدّمه لببغاء صغير وفرس، فربما مات الببغاء تخمةً والفرس جوعاً).

إذن لكل دوره في الحياة مع سمة الاختلاف بين طبيعة الواجبات والاعمال الخاصة بكلا الطرفين، ويقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال:

(إذا أردنا أن نُدخل النساء المعامل الثقيلة أو نُسكن الرجال البيوت للقيام بالمهام المنْزلية، فكلا الفرضين يحدث شللاً في الحياة. والدليل على ذلك ما نلاحظه في الحياة الغربية. فمن أين جاءت هذه المشاكل مع أنّ البشر هم البشر والرجل هو الرجل والمرأة هي المرأة؟ الجواب: لأنّ واجبات المرأة أُخذت منها وخُوّلت للرجل، وواجبات الرجل أُخذت منه وأُعطيت للمرأة، لذلك حدث شلل في الحياة الأسرية ومشاكل، وبدأ الرجال يزدادون تنفراً من زوجاتهم، والنساء يزددن تنفراً من أزواجهن، وأخذت نسبة الطلاق تتزايد يوماً بعد يوم).

وهكذا نجد ان اختلاط الادوار بين طبيعة اعمال وواجبات المرأة والرجل يقود الى الارباك ومن ثم التراجع والفشل، فلكل منهما دوره وواجباته التي تتواءم مع إمكاناته الفكرية والجسدية، ومع سمة الاختلاف بين الادوار لكل منهما يتحقق عنصر التكامل والنجاح .

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/آذار/2009 - 30/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م