خيارات النزعة السلطوية

صباح الانتصار مساء السقوط

د. وليد سعيد البياتي

أوهام الانتصار:

 تتوقف الرؤية السياسية للقيادات السلطوية على ما يمكن اعتباره انتصارا سياسيا حتى وإن كان ذلك في الحدود الضيقة للعمل السياسي، فالنزعة السلطوية تبقى العامل المحرك والفاعل للبقاء في اللعبة السياسية خارج الكثير من المعايير الاخلاقية والادبية، ولعل اكثر ما تظهر فيه هذه النزعات خلال المراحل التأسيسية للانتخابات واثناءها وبعد تحقيق فوز ما، لكن الكثير من السياسيين من اتباع المنهج السلطوي يتناسون أن الانتصار السياسي عملية ذات حدين وهي لايمكن أن تتم إلا عبر أطراف أخرى، وإذا كانت السياسة تمثل فن (السهل الممتنع) في نظر البعض فهي في الواقع منهج (الصعب غير الممتنع) ولكن ضمن معايير وترابطات معقدة.

 لاشك أن الانتصار الكامل لا يعدو أن يكون وهما سياسيا بكل المقاييس، إذ لايوجد في الفكر السياسي ما يمكن اعتباره انتصارا كاملا حتى وأن تجاوزت نسبته نسبة 99% فهناك دائما 1% يمثل موقفا مخالفا أو معارضا يجب اخذه بنظر الاعتبار، فكيف إذا كان هذا الانتصار لايتجاوز نسبة 53% اقل أو اكثر قليلا، والنخب السياسية الاكثر اطلاعا تعي هذه المسأله باعتبارها جزءا أصيلا من العمل السياسي المشترك.

 من هنا فإن مايدعيه المالكي انتصارا في الانتخابات المحليه ما هو إلا من هذا الوهم، فالمالكي ليس لاعبا سياسيا متفردا في الساحة بوجود كيانات ووجودات سياسية كبيرة كالمجلس الاسلامي الاعلى وما شكله من ورقة ضاغطة اوصلت المالكي للسلطة في مرحلة سابقة، فالوهم السلطوي، والتنكر لحلفاء الامس بل والغدر بهم إن أمكن ما هو إلا أحد ملامح الشخصية السلطوية التي تؤدي بالتالي إلى تنامي دكتاتورية ذهنية بشكل واضح عبر حركة الفعل السياسي.

السقوط:

 يقع الكثير من السياسيين في إشكاليات وهم الانتصار المرحلي، فالسياسي الذي يتصور نفسه في كرسي السلطة بشكل دائم هو بالتأكيد يحمل فكرا سلطويا سلبيا (دكتاتوريا)، وبالتالي لايمكن له الاستمرار وأن حاول فسيكون سقوطه مدويا لانه افترض انه لايسقط. أن هذا الموقف يمثل رؤية ناقصة سببها قصور فكري ونفسي في فهم حركة التاريخ، فبينما يقول الحق سبحانه: " وتلك الايام نداولها بين النلس " آل عمران/140. نجد بالمقابل اتباع النظرة السلطوية اكثر تشبثا بالمواقع السياسية خوفا من قدوم البديل، وبالتالي هم يلجأون للتزوير وتبديل المواقف وطعن الاحلاف.

 قد يشكل الخروج من السلطة نوعا من الخوف المرضي (فوبيا) ناتج عن عدم القدرة على التكيف مع الواقع في الظروف العادية، وقد سعى الكثيرمن السياسيين ان لايخرجوا من السلطة باي شكل مما ادى إلى ظهر انظمة فاسدة أو دكتاتوريات قمعية.

قضية ارجاع البعث:

 نجد ان المالكي قد حافظ على ابقاء عدد من المحكومين بالاعدام مثل علي الكيمياوي، وسلطان هاشم، وطارق عزيز ليكونوا ورقة للتفاوض اثناء لقاءاته المفترضة مع الجماعات البعثية تحت حجة المصالح وحجج وهمية أخرى لاتمت للواقع العراق ولهموم رجل الشارع بصلة، وهذه حالة شديدة الخطورة خاصة ان المحكومين قد ارتكبوا جرائم بحق الانسانية وبحق الشعب والافراد بشكل لايسمح باي مجال للعفو عنهم، بل انه قد تفاوض مع الحكومة الامريكية حول العفو عن طارق عزيز والمفاوضات لاتزال جارية وبوساطات سعودية اردنية مصرية.

 والان من اعطى المالكي هذا الحق في العفو عن من اهدر الدم العراقي وانتهك حق الانسان في الحياة، إن اعدام الطاغية صدام وبعض المجرمين لايعد تكفيرا عن جرائم البعث، من جانب آخر نرى المالكي يتراجع بعض الشيء عن تصريحاته التي القاها امام التجمع العشائري، ثم يتبارى البعض لتبرير اقواله ولطرح تفسيرات غير حكيمة بخصوص مشروع المصالحة وتصريحاته الاخيرة، لكن هل سيتراجع؟ أشك؟

* رئيس مؤسس الاتحاد الشيعي العالمي – أتشيع

المملكة المتحدة – لندن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/آذار/2009 - 25/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م