مشـاية الى كربلاء

شوقي العيسى

اندرجت عبارة "مشاية" في العراق واقترنت بزيارة الامام الحسين بن علي عليهما السلام وذلك في الاربعينية من استشهاد الامام الحسين عليه السلام، وهي أن تنطلق عامة الناس للسير على الأقدام لزيارة الامام الحسين(ع).

لقد كثر اللغط حول المشاية في العراق وقد أعتبرها البعض بانها حالة غير صحيحة ومنهم من اعتبرها مغالاة ومنهم من قال بانها رياء وما الى ذلك من احاديث وانتقادات تطرأ على الساحة.

حالي كأي شخص وفق لأداء هذه الشعيرة " المشاية"  وقد حالفني الحظ أن اسير من محافظة البصرة حتى كربلاء المقدسة، حيث شاهدت في طريقي الى كربلاء ما لايحصل في كل بقاء الأرض  فلم توجد هناك سفرة ممتدة من شمال وجنوب العراق متصلة بكربلاء عرضاً وطولاً غير سفرة الامام الحسين عليه السلام.

فالذين يخدمون زوار الحسين (ع) جندوا أنفسهم ودورهم وعوائلهم في سبيل الوقوف على مدى أيام سير الذين يتوفقون لزيارة الحسين مشياً على الأقدام، فتجدهم يجمعون الأغطية لمنام الزائر ويعدون الطعام لأناس لم يسبق لهم أن تعرفوا عليهم مطلقاً ولم تربطهم فيما بينهم سوى كلمة واحدة وهدف واحد هو حب الحسين عليه السلام.

فترى شخصاً لم يمتلك شيئاً وقف بشيبته الكريمة وطبقاً من التمر يتوسل بالزائر الماشي الى الحسين ان يأخذ منه ولو بتمرة، وشخصاً آخر قد فتح ذراعيه قاطعاً الطريق امام المشاية لكي يجلسوا عنده ويشربوا ماءاً أو كوباً من الشاي أو قطعة من التمر.

وآخر راح مفترشاً الارض ليعمل على تدليك الزائر التعبان والذي تعبت ارجلهم من المشي ولم يتوانى في تدليكهم وتقديم العلاج اللازم لهم.

وصوراً كثيرة تحزن وتفرح معاً فترى الايثار والاباء والشهامة والتضحية والكرم والجود وجميع انواع الصفات الحميدة من خلال المشاية الى كربلاء، وبالحقيقة فالمشاية بحد ذاتها درس يتعلمه الزائر في الصبر والتحمل والمواساة خصوصاً وان الذين يمشون يواسون بمشيهم عائلة الحسين والامام السجاد عليهم السلام.

تنهض صباحاً باكراً حيث تبدأ رحلتك في المسير وتتوقف عندما يحل المساء حيث تورمت قدماك وأخذ التعب منك مأخذه وما أن تستقر عند أحد المنازل التي تضيفك والذي يسمى " المعزّب" يدخلك للحمام ويأخذ ملابسك لغسلها ثم وجبة العشاء وتخلد الى النوم وما ان يصبح اليوم التالي حتى تنهض من النوم وكأنك لم تمش خطوة واحدة فتنطلق مسيرتك وهكذا، ترى كثيراً وتختلط كثيراً وتتعرف على عادات وطبائع ويصبح هناك تلاقح في الافكار والرؤى فيما بين ابناء المحافظات وتتأصل الأخوة والشيمة وتقوى العلاقات فيما بينها حيث كل يوم تتعرّف على أناس جدد وتستمر رحلتك الى كربلاء.

تبدأ البصرة أول محافظة بالسير الى كربلاء فمن مركز المحافظة حتى نهاية البصرة تسير على مواكب حسينية لخدمة زوار الحسين عليه السلام يقدمون كل شيء ليصلوا الى محافظة الكرم والجود "الناصرية" فتراهم جميعاً والكرم خط على جباههم ثم الى محافظة "السماوة" لترى الكرم والجود ايضأ وقد فتحت ذراعيها لاستقبال محافظتين معاً ثم تنطلق لتصل الى محافظة "الديوانية" لتراهم أيضاً بانتظار ثلاث محافظات وقد اتسعت دائرة الجود والكرم لديهم ومن ثم تنطلق لتصل الى مدينة العظماء والعلماء والطيبة والكرم مدينة "الحلة" لتستقبل جميع هذه المحافظات الجنوبية لديها.

 وبعد ذلك تنطلق لتصل الى كربلاء حيث الحسين عليه السلام  لتستقبلك كربلاء بدفئ مرتمياً باحضان ابي عبد الله الحسين عليه السلام وقد قطعت كل تلك الاميال لتصل اليه فاي زيارة تلك التي تسعى وتشقى اليها.

فليتنا نتعلم من الذين يخدمون الحسين عليه السلام والذين يقدمون ويبذلون فكلها دروس وعبر تجعلنا ننسى الانانية والذاتية وحب الذات ونحب الاخرين، فهي دعوة لكل محبي وعشاق الحسين عليه السلام ان يشاركوا في "المشاية" لكي يروا بأنفسهم المعاجز التي تتحقق والعجزة الذين يمشون ويقطعون كل تلك المسافات الشاسعة ولا يكلون او يملون وجل دعاؤهم أن يحفظ العراق وأهله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/آذار/2009 - 25/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م