التيه في المجتمع الغربي يولِّد حمامات دم متسلسلة

المانيا تبحث عن السبب بعد صدمة القتل العشوائي في إحدى المدارس

 

شبكة النبأ: لم يفق أهالي بلدة فينيندن بعد من حالة الصدمة والهلع التي أصابتهم صباح يوم (11 مارس)، بعد أن دخل مراهق في السابعة عشرة من عمره مدرسته السابقة وأطلق النار عشوائياً على من حوله. حصدت رصاصات تيم ك. حياة خمسة عشر شخصاً، معظمهم فتيات ومعلمات، قبل أن يقتل في النهاية نفسه. أما السؤال الذي يشغل الجميع غداة ارتكاب الجريمة هو: لماذا؟ ماذا يدفع مراهقا إلى ارتكاب جريمة كهذه؟

اللافت للنظر هي السهولة التي حصل المراهق من خلالها على سلاح الجريمة: فوالده يمتلك عدة أسلحة مرخصة، وهذه الأسلحة من المفروض أن تكون في خزانة محكمة الإقفال. غير أن سلاح الجريمة كان موضوعاً في غرفة نوم الوالدين، وكان من السهل على الفتى تيم أن يأخذه. ولذلك تقوم الشرطة بالتحقيق مع الأب بتهمة انتهاك قانون حيازة السلاح في ألمانيا والإهمال في حفظ سلاحه.

البحث عن أجوبة

ويرى الباحث الاجتماعي الألماني رولاند إكرت أنه ليس من الضروري أن يكون هناك دافع معين وراء ارتكاب مثل هذه الجرائم. ويقول إكرت في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية إن هناك من يشعر "بالانجذاب نحو فكرة أن يكون هو سيد الحياة والموت"، مضيفاً أن من يحمل في نفسه "هذه الهوة العميقة يغدو كالقنبلة المتحركة".

أما مدير معهد أبحاث المخ في جامعة بريمن غيرهارد روت فيوجه أصابع الاتهام إلى المتخصصين النفسيين في المدارس الذين لا ينتبهون في الوقت المناسب إلى المراهقين الذين يمرون بمشكلات نفسية، لا سيما أولئك الذين ينزوون أو يتقوقعون على أنفسهم، منبهاً في الوقت ذاته إلى أن عدداً كبيراً من وظائف المتخصصين النفسيين في المدارس قد أُلغي في السنوات السابقة.

ويرى روت أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أيضاً عامل التقليد، فالجاني في هذه الحالات يستعد شهوراً طويلة للقيام بفعلته، غير أنه يحتاج إلى شيء ما يدفعه إلى تجاوز الحاجز النفسي الذي يمنع كل إنسان من القيام بأعمال عنف. ويشير روت في هذا الصدد إلى أن الجاني ربما يكون قد اتخذ الحادث الذي وقع قبلها بيوم في الولايات المتحدة نموذجاً له.

من ناحية أخرى أرجع عدد من المتخصصين النفسيين في ألمانيا الحادث إلى ما أسموه التمييز الذي يتعرض إليه الصبيان في المدارس، ورأوا أن النظام التعليمي في ألمانيا يحابي الفتيات على حساب الفتيان، مما يوقع الفتيان في أزمة نفسية عميقة.

ألعاب الكمبيوتر: تنفيس أم تحريض؟

وتشير الشرطة أيضاً إلى ألعاب الكمبيوتر العنيفة التي عثرت عليها في جهاز تيم ك. ويعتقد بعض علماء النفس أن تلك الألعاب تساعد في التغلب على الحاجز النفسي الطبيعي الموجود لدى الإنسان فيما يتعلق بالعنف والقتل. غير أن الدكتور أحمد عبد الله، أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق، يعتبر تلك النقطة جدالية للغاية. فهناك من يرى أن تلك الألعاب تعمل على تفريغ شحنة العنف لدى الشخص، وهناك من يرى أنها تشجع على القيام بأعمال عنف. ويشير الباحث المصري إلى عدم وجود أبحاث موثقة في هذا المجال، وحسب رأيه فقد تكون تلك الألعاب محفزة على القيام بالجريمة، ولكنها ليست سبباً لتنفيذها.

سمات مشتركة

ولكن، وبعيداً عن جريمة فينيندن، يبدو أن هناك سمات مشتركة بين معظم من يقوم بتلك الجرائم. ويرى الدكتور أحمد عبد الله أن المراهق في تلك الحالات هو غالباً شخص يعاني من ضغوط نفسية قبل الحادث ومن مشكلات في التواصل مع محيطه. وعادةً ما تكون الشبكة الاجتماعية المحيطة به ضعيفة. ويرى الباحث النفسي أن هناك حالة اغتراب عالية لدى المراهقين، خصوصاً في دول العالم المتقدم، وأن هذه الحالة تُشعر صاحبها أن حياته تخلو من المعنى، معتبراً أن التقدم التكنولوجي أدى في بعض الحالات إلى تقطع الصلات بين البشر.

السلاح وحده لا يقتل ولكن حامله... 

في هذه الأثناء رفض ساسة وخبراء في القانون مطالب البعض بتشديد قانون حيازة السلاح في ألمانيا، مبررين ذلك بأن القانون المعمول به حاليا يتمتع بدرجة جيدة من الحزم. وقال خبير الشئون الداخلية في الحزب المسيحي الديمقراطي فولفجانج بوسباخ في تصريحات نشرتها صحيفة "دي فيلت" الألمانية اليوم الخميس: "لقد شددنا بالفعل قانون حيازة السلاح بعد حادث (إطلاق نار داخل مدرسة) إرفورت ولدينا قانون حاسم بشكل كبير مقارنة بالمستوى الدولي".

 وفي السياق نفسه قال رئيس نقابة الشرطة الألمانية كونراد فرايبرج إن "قانون حيازة السلاح عندنا أكثر صرامة الآن من أي وقت مضى"، مشيرا إلى المسئولية التي تقع على عاتق من يمتلك السلاح نفسه، في إشارة منه إلى أن السلاح وحده لا يقتل.

المذبحة تشبه أفلام العنف على الكمبيوتر

من جهتها، طالبت رابطة المعلمين الألمان بتوفير المزيد من الرعاية النفسية للتلاميذ في المدارس، كما طالب خبراء في علم الجريمة بحظر ألعاب الكمبيوتر التي تتسم بالعنف. وأشار البروفيسور، هانز ديتر شفيند، الخبير في علم الجريمة إلى أن الطريقة التي تصرف بها مرتكب مذبحة الأمس تشبه ما يحدث في أفلام العنف على الكمبيوتر،  إذ أنه أخذ يطلق النيران بطريقة عشوائية على المارة في الشارع بعد ارتكاب جريمته داخل المدرسة.

 وفي هذه الأثناء قال  المتحدث باسم الشرطة ، كلاوس هينرير صباح  اليوم إن السلطات قامت بفحص جهاز الكمبيوتر الخاص بالجاني ، كما جرى  العثور على ألعاب عنف على الجهاز. ووفقا  للتحريات، قضى الشاب فترات طويلة خلال الأشهر الماضية في ممارسة ألعاب القتل على الكمبيوتر،  كما أن  واحدة من هواياته كانت الرماية باستخدام المسدسات الهوائية (سوفت اير).

 يوم عصيب والحكومة تعلن الحداد

وفيما قررت الحكومة الألمانية تنكيس الأعلام فوق مقار الهيئات والمباني الحكومية في أنحاء البلاد حدادا على ضحايا المذبحة، حيث تم تأبين الضحايا، مازال الصدمة تخيم على الشارع الألماني عموما وبلدة لويتنباخ التي شهدت الحادثة المروعة يوم أمس، إذ لم يستوعب أهالي البلدة الصغيرة التي تقع في جنوب ألمانيا بعد كيف حدثت هذه المذبحة المروعة التي إصابتهم بالحيرة والحزن والدهشة.  

 وأعرب بعض أهالي البلدة لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) عن مشاعر الحزن التي يعتريهم، حيث يقول أحد الفتية الذين يسكنون بالقرب من بيت الجاني: "تعتريني قشعريرة كلما شاهدت الحادثة في التلفاز". وتكمل فتاة من مدرسة مجاورة لمسرح الجريمة: "كان اليوم يوما عصيبا حقا، فقد سمعنا صوت الطلقات واضطرت المدرسة إلى حجزنا داخل حجرة الدرس انتظارا لانقضاء الخطر. وبدأ كثيرون منا يبكون في هلع بالغ."

 لماذا؟ سؤال يتكرر عقب كل حادثة

 وبلغ الانزعاج أشده في الجزء الذي يضم بيت القاتل، حيث وقف الجيران خلال يوم أمس على قارعة الطريق يشاهدون رجال التحقيق وهم يؤدون عملهم، ويدخلون إلى بيت الجاني ليخرجوا منه ومعهم بعض الصناديق التي تحتوي على الأدلة الخاصة بواحدة من أشد أعمال العنف مأساوية بولاية بادن فورتمبرج على الإطلاق. وقال شاهد عيان إن البلدة تحولت بالكامل تحولت يوم أمس لما يشبه الحصن العسكري، مضيفا: "هناك حالة من الذهول التام".

 وتضاربت الأنباء حول كيفية مقتل الجاني الذي كان يدرس في المدرسة ذاتها، إذ ذكرت التقارير الأولية أنه قتل في تبادل لإطلاق النيران مع الشرطة في بلدة قريبة من موقع الجريمة، في حين أوضحت تقارير تالية أن الجاني قتل نفسه، تاركا وراءه الكثير من علامات الاستفهام، لاسيما حول دوافع الجريمة؟

المراهق منفّذ المجزرة أطلقَ تحذيرات على الانترنت

وكشفت الشرطة الألمانية أن الشاب المراهق الذي أطلق النار داخل مدرسته السابقة على عدد من المارة في بلدتين متجاورتين، مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً على الأقل، كان قد أطلق تحذيرات على الانترنت قبيل ارتكابه "المجزرة"، في وقت مبكر من صباح الأربعاء.

وقال الشاب تيم كريتشمر، الذي كان يبلغ من العمر 17 عاماً، خلال محادثة على الشبكة الإلكترونية مع مراهق آخر: "الجميع يسخرون مني، لا أحد يعترف بما أقوم بعمله، إنني جاد جداً في هذا الشأن، لقد حصلت على سلاح، وسوف أذهب إلى مدرستي السابقة، وسوف أهبهم إلى الجحيم،" وفق ما جاء في الرسالة إلكترونية.

وجاء في الرسالة، التي كشف عنها الشرطة بعد يوم من "المجزرة" التي وقعت في بلدتي "فينندين" و"فيندلينغن" قرب مدينة "شتوتغارت"، أن كريتشمر قال لصديقه: "ربما أستطيع الهرب، لعله من المناسب أن تحرص على متابعة ما سيجري، سوف تسمع أخباراً جديدة صباح الغد، فقط انتبه لاسم هذا المكان، فينندين، لا تخبر الشرطة بأي شيء مما دار بيننا."بحسب وكالة الانباء الالمانية.

ولكن المراهق الآخر، الذي لم يتم الكشف عن هويته، رد على رسالة كريتشمر مشككاً في جدية كلامه، بقوله: "إنني أضحك بصوت عال، بالفعل سوف تفعل ذلك؟"ولكنه استدرك قائلاً: " أريد أن أرى بعض الصور قبل أن أصدق هذا الكلام."

وذكر وزير الداخلية في ولاية "بادين فورتمبرغ"، هيربرت ريتش، للصحفيين، أن تقارير إعلامية أشارت إلى أن المراهق الآخر، وهو من ولاية "بافاريا"، أبلغ والده بمحتوى المحادثة التي أجراها مع كريتشمر.

كما تم التطرق خلال عرض التفاصيل التي توصلت لها الأجهزة الأمنية، أن المراهق كان يعاني من حالة إكتئاب منذ فترة، وتلقى العلاج لفترة من جراء ذلك. وأكدت الأجهزة الأمنية أنه لا يوجد أي أسبقيات للمراهق القاتل.

حوادث دموية سابقة

ويندرج هذه الهجوم في معهد قرب شتوتغارت، في سلسلة طويلة من الاعتداءات على المؤسسات التربوية.

ورصدت وكالة الصحافة الفرنسية اعنف تلك الهجمات التي وقعت حول العالم خلال السنوات الثلاثة الماضية:

- 21 مارس 2005 - الولايات المتحدة: فتى يقتل تسعة اشخاص بينهم خمسة تلاميذ ثانوية في ولاية مينيسوتا قبل ان ينتحر.

- 3 اكتوبر 2006 - الولايات المتحدة: قناص يقتل خمس بنات ويصيب ست اخر في مدرسة تابعة لطائفة اميش في بنسلفانيا.

- 16 ابريل 2007 - الولايات المتحدة: رجل يقتل 32 شخصا قبل ان ينتحر في جامعة فيرجينيا التكنولوجية في فرجينيا.

- 7 نوفمبر 2007 - فنلندا: فتى في الثامنة عشرة يطلق النار في ثانوية توسولا شمال هلسنكي ويقتل سبعة تلاميذ ومديرة المدرسة قبل الانتحار.

- 14 فبراير 2008 - الولايات المتحدة: شاب يطلق النار في جامعة شمال ايلينوي متسببا في سقوط خمسة قتلى و15 جريحا قبل ان ينتحر.

- 23 سبتمبر 2008 - فنلندا: طالب يتسبب في مذبحة في ثانوية تعليم مهني في بلدة كاوهايوكي ويقتل عشرة اشخاص قبل ان ينتحر.

- 11 مارس 2009- مسلح يقتل تسعة وينتحر في ولاية ألاباما

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/آذار/2009 - 19/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م