رؤى من افكار المرجع الشيرازي حول تأليف الاعداء

سياسة العطاء لكسب الأعداء

- المرجع الشيرازي.. سياسة تأليف الأعداء يجب أن يتبعها كل من يسير على خط رسول الله (ص)

 

شبكة النبأ: التأريخ كنز الدروس والعبر، فبه تمكنت الشعوب والامم من النهوض والتطور، ومنه اخذت الصحيح وتجاوزت الخطأ فارتفع شأنها وصار لها حضورها الفاعل في النشاط الانساني عامة.

وحول كسب الاعداء وضمهم الى صفوف المسلمين كما كان ينتهج نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذه السياسة حتى مع اعداء الاسلام، نقرأ في مؤلف المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام) عن طبيعة السياسة التي كان يتبعها الرسول الأعظم (ص) مع الجميع ومن بينهم الاعداء و (المؤلفة قلوبهم) فكان (ص) يجزل لهم العطاء من اجل كسبهم الى صف الاسلام والمسلمين ولكن بعد ان يعلنوا اسلامهم وينتمون الى الاسلام قولا وقلبا، فقد جاء حول هذا الموضوع في هذا الكتاب:

(كان رسول الله صلی الله عليه و آله مضرب المثل في العطاء والكرم والجود، حتى قيل عنه:

إنّه يعطي عطاء من لا يخاف الفقر(1).

فكان يعطي للمهاجرين.

ويعطي للأنصار.

ويعطي لأهل المدينة.

ويعطي لأهل القرى والأرياف.

ويعطي للمسلمين.

ويعطي للمنافقين.

ويعطي للكفّار أيضاً، تأليفاً لقلوبهم وردعاً لهم عن المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين.

وقد حفظ التاريخ للنبي صلی الله عليه و آله عطايا فريدة في بابها لأعدائه وأعداء الإسلام أمثال أبي سفيان وأولاده، ومن لفّ لفهم.

فقد ورد في الخبر: أنّه صلی الله عليه و آله أجزل العطاء من غنائم حنين حتى لأعداء الإسلام، أبي سفيان، وابنه معاوية، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، والحرث بن هشام، وسهيل بن عمرو، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، وهمام ـ أخي سهيل ـ ومالك بن عوف، وعلقمة بن علاثة، فكان صلی الله عليه و آله يعطي الواحد منهم مائة من الإبل ورعاتها، وأكثر من ذلك وأقل(2).

وجاء في (أعلام الورى) وفي (السيرة النبوية) لابن هشام:

«ثم رجع رسول الله صلی الله عليه و آله إلى الجعرانة بمن معه من الناس، وقسم بها ما أصاب من الغنائم يوم حنين في المؤلفة قلوبهم من قريش ومن سائر العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيئاً قليلاً ولا كثيراً.

قيل: إنه جعل للأنصار شيئاً يسيراً وأعطى الجمهور للمنافقين.

قال محمد بن إسحاق: وأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير.

ومعاوية ابنه مائة بعير.

وحكيم بن حزام ـ من بني أسد بن عبد العزى ـ مائة بعير.

وأعطى النضر بن الحارث بن كلدة مائة بعير.

وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي ـ حليف بني زهرة ـ مائة بعير.

وأعطى الحارث بن هشام ـ من بني مخزوم ـ مائة.

وجبير بن مطعم ـ من بني نوفل بن عبد مناف ـ مائة.

ومالك بن عوف النصرى مائة.

وأعطى علقمة بن علاثة مائة.

والأقرع بن حابس مائة.

وعيينة بن حصن مائة.

وأعطى سهيل بن عمرو مائة بعير.

وأعطى حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس مائة بعير.

وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير.)

إذن هذه بعض السياسات الحكيمة التي كان يقوم بها الرسول الأكرم (ص) لرص صفوف الاسلام وتقوية لحمته، فقد ذكروا في المصادر:

(إنّ النبي صلی الله عليه و آله أعطى آخرين من المؤلفة قلوبهم ورؤوس الشرك ـ عند إسلامهم ـ تأليفاً لهم ولأقوامهم، ولسائر قريش من أهل مكّة، وهكذا أعطى آخرين من القبائل العربية، ذكر ابن هشام في سيرته منهم ما يلي:

طليق بن سفيان بن أمية.

وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية.

وشيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد الدار.

وأبو السنابل بن بعكك بن الحارث بن عميلة.

وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف.

وزهير بن أبي أمية بن المغيرة.

وخالد بن هشام بن المغيرة.

وهشام بن الوليد بن المغيرة.

وسفيان بن عبد الأسد.

والسائب بن أبي السائب بن عائذ.

ومطيع بن الأسود بن حارثة.

وأبو جهم بن حذيفة بن غانم.

وأحيحة بن أمية بن خلف.

وعمير بن وهب بن خلف.

وعدي بن قيس بن حذافة.

وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث.

ونوفل بن معاوية بن عروة بن صخر.

وعلقمة بن علاءة بن عوف.

ولبيد بن ربيعة بن كلاب.

وخالد بن هوذة بن ربيعة.

وعباس بن مرداس بن أبي عامر(3).

وهذا نموذج واحد من سياسة العطاء التي كان يمارسها رسول الله صلی الله عليه و آله في أيام تأسيس الحكومة الإسلامية الأولى على وجه الأرض.

ولعل هذا فريد من نوعه في تاريخ البشر عامة).

ولو قارنا بين واقع الحال وبين ذلك الوقت وبين ما يساويه البعير آنذاك لأصابتنا الدهشة فعلا، إذ يقول السيد صادق الشيرازي في كتابه هذا (السياسة من واقع الاسلام):

(إنّ البعير الواحد ذلك اليوم كان يعد ثروة للإنسان، تماماً مثل من يملك اليوم سيارة فخمة أو نحوها، بل وأكثر من ذلك.. فالبعير الواحد كان بمثابة سيارة، كما كان يؤكل لحمه، ويشرب لبنه، ويلبس وبره.

مثل ما لو أعطى شخص هذا اليوم لكل واحد من رؤساء المعارضة بعد خضوعهم وبعد قدرته عليهم خمسين سيارة أو نحو ذلك.

فهل يجد التاريخ لهذا نظيراً؟

هذه السياسة الإسلامية في تأليف الأعداء، وأقوام الأعداء، وأتباع الأعداء .. يجب أن يتبعها كل من يسير على خط رسول الله صلی الله عليه و آله ويريد تركيز الإسلام على وجه الأرض، بالحب والكلمة الطيبة، كما كان يفعل رسول الله صلی الله عليه و آله لابالعنف والسيف كما يفعله الاستعمار اليوم).

وعن درجة النزاهة والزهد والامانة في حفظ اموال دولة المسلمين في عهد الرسول الأكرم (ص) يذكر لنا هذا الكتاب وقائع موثقة تأريخيا عن الخطوات العملية العظيمة التي كان يقوم بها نبي الاسلام محمد (ص) ومنها قصة الدرع المرهونة التي وردت في كتاب (السياسة من واقع الاسلام) فنقرأ عنها:

(ومن جزيل عطائه صلی الله عليه و آله ما حفظ التاريخ عنه، أنه صلی الله عليه و آله عند ما مات كانت درعه مرهونة على نفقة أهله.

فقد روي في (قرب الأسناد) عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام ، عن أبيه أبي جعفرٍٍ الإمام الباقر عليه السلام أنه قال:

«إن رسول الله صلی الله عليه و آله لم يورث درهماً ولا ديناراً، ولا عبداً ولا وليدة، ولا شاة ولا بعيراً، ولقد قبض صلی الله عليه و آله وإن درعه مرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعاً شعيراً استلفها نفقة لأهله»(4).

وروى الشيخ الطبرسيقدس سره في (مكارم الأخلاق) عن ابن عباس أنّه قال: «إنّ رسول الله صلی الله عليه و آله توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعاً(5) من شعير أخذها رزقاً لعياله»(6).

وسواء كانت السلفة عشرين صاعاً، أو ثلاثين صاعاً، أي ما يعادل تقريباً لستين أو تسعين كيلواً من الشعير يستلفها رسول الله صلی الله عليه و آله في آخر حياته ويرهن عليها درعه، هذا من أعاجيب التاريخ:

رسول الله صلی الله عليه و آله الذي يعطي المائة من الإبل، والمائة والمائة لأعدائه..

رسول الله صلی الله عليه و آله الذي خضعت لـه الدنيا!

رسول الله صلی الله عليه و آله الذي جرت الأموال الطائلة على يديه.

يموت ودرعه مرهونة على شعير لطعام عائلته.

إنّه كان صلی الله عليه و آله يعطي كل ما يحصل لـه من أنعام، وذهب، وفضّة، وطعام.. وغير ذلك، حتى لا يجد ما ينفقه على عياله..

ثم لا يجد ما يشتري به النفقة البسيطة لعياله.

كيلوات من الشعير لا يجدها ولا يجد ما يشتريها به.

ثم لا يجد ما يرهنه على سلفة كيلوات شعير، من لباس، وأثاث، وبضاعة حتى يضطر إلى رهن درعه.

أليس هذا من أعجب الأعاجيب في التاريخ).

هذه بعض وقائع تأريخ الاسلام في عهد قائده الاول النبي محمد بن عبد الله (ص) فكم حري بساسة اليوم ان يأخذوا من هذا التأريخ العظيم دروسا في قيادة الشعوب الاسلامية وغيرها الى مرافئ التقدم والتطور والسلام.

.............................................

هامش:

(1) انظر كشف الغمّة للإربلي: ج1 ص11، ذكر أسمائه صلی الله عليه و آله.

(2) راجع الإرشاد للمفيد: ج1 ص145، تقسيم رسول الله صلی الله عليه و آله لغنائم حنين واعتراض بعض الانصار.

(3) راجع أعلام الورى للطبرسي: ص118 الركن الأوّل ب4 غزوة حنين وسيرة النبي صلی الله عليه و آله لابن هشام: ج4 ص101، غزوة حنين.

(4) قرب الأسناد للحميري: ص44.

(5) كل صاع ثلاث كيلوات تقريباً.

(6) مكارم الأخلاق: ص25 ب1 ف2 في جمل من أحواله وأخلاقه صلی الله عليه و آله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/آذار/2009 - 18/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م