التحرير الصحفي في الإعلام العراقي

مهند حبيب السماوي

مر الأعلام العراقي منذ سقوط النظام السابق عام 2003 وحتى الان بتطورات وتحولات دراماتيكية كبرى كان لها تأثيرها الواضح على صيرورته وتشكلاته من حيث أعتباره احدى أبعاد ومظاهر التغييرات الجذرية التي اصابت بُنى العراق بابعاده المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، بالإضافة إلى البعد الإعلامي، مدار الحديث، والذي لايمكن له أن ينائ بنفسه عن مجمل خط سير مايجري في العراق من تغييرات كبرى على شتى الصعد والميادين والمستويات.

وقد كانت الصحافة النزيهة في المجتمعات الحرة التي تعيش تحت فضاء الديمقراطية وحرية التعبير، تعكس بصدق مايحدث في الواقع المعاش وتجسد مايمر به المجتمع من أحداث ووقائع بصورة حقيقية وتحاول أن تشخص مكامن الخلل وتنتقد مظاهر الخطأ وتسعى الى ان تجد الحلول المناسبة لذلك. أما في العراق وخلال عهوده السابقة التي عاشها تحت نير الأنظمة السابقة فلم يعرف هذا النوع من الاعلام الحر النزيه ولم يكن يمتلك اعلام واقعي ناقد قادر على تشخيص الخطأ ونقد البنية السياسية او على الاقل الاجتماعية على الرغم من امتلاك العراق قدرات وامكانيات عقلية من الممكن ان تجعله في مقدمة الدول التي تتميز بصحافة حرة نزيهة واقعية.

وفي هذا المقال البسيط أرغب بتسليط الضوء على عملية التحرير الصحفي في الاعلام العراقي بعد 2003، وكيف أصبحت عليه الان بعد أن كانت هذه العملية تتم من خلال مركزية حزبية محكمة يتم صياغتها وفقاً لرؤية النظام السابق ومقتضياته ومايمكن ان تضع فيه من رؤية منغلقة دوغمائية لامجال حينها لأي رأي مخالف او معترض.

تتضمن عملية التحرير الصحفي ثلاث عناصر مهمة هي :

المقال، الخبر والتقرير.

1.المقال

أحد فنون الصحافة الذي يمثل وجهة نظر معينة تتعلق بقضية ما سياسية او أقتصادية أو غيرها سواء كانت عمود رسمي يوضح الموقف الرئيسي للصحيفة الذي تتحمل بموجبها المسؤولية عنه وهو غالبا مايكون في الصفحة الأولى، او قد يكون المقال من نوع مقالة رأي يجسد موقف كاتبه.

وفي العراق شهد المقال بعد سقوط النظام انفجارا وتغييراً جذرياً تجسد في ظهور خصائص جديدة لم يشهدها سابقاً تنسجم وتتناسب مع حجم الحرية، وبصورة أدق الفوضى، التي تشظّت أباديد هنا وهناك، فبدأت الأقلام تتحدث بحرية كفلها لها الوضع السياسي الحالي والدستور الجديد الذي ضمن حرية الكلام والتعبير والصحافة على الرغم من الإساءة الجارحة لهذة الحرية بخربشات طفولية يصفها صاحبها "مقالة" تحتوي على شتائم وتطاول وتجاوز، فضلاً عن أخطاء لغوية إملائية لا تغتفر تفضح جهل صاحبها بمهنته والحقل الذي ورط نفسه فيه.

2.الخبر

شكل مهم أخر من أشكال التحرير الصحفي يهتم به القارئ بشكل كبير من حيث كونه وصف دقيق لواقعة معينة ينشد القارئ البحث عن اشخاصها ومكانها وزمانها وتفصيلاتها. ويهتم الباحثون والمختصون ببيان الشروط المهنية المتكاملة للخبر الذي يتكون من العنوان والمقدمة والجسم والخاتمة، ومن ضمن هذه الشروط والخواص الفنية التي يجب ان يتضمنها أي خبر يحترم محرره نفسه ومهنته مايلي:

- استعمال مفردات بسيطة وواضحة غير معقدة

- أستخدام جمل وفقرات قصيرة

 وفي عراق اليوم نرى الخبر قد تعرض لصدمة تشبه الصدمة التي تعرض لها صديقها المقال فبعد ان كان الخبر يُحرر بطريقة مركزية حزبية تلائم رأي واغراض السلطة الحاكمة، نرى اليوم الخبر ينبثق على نحو جديد ربما لم يشهد له نظير في تاريخ العراق المعاصر، فأصبح المحرر حراً _الى حد ما _ في صياغة الخبر وتحريره أنسجاماً مع الحقيقة والواقعية وأن يكن الفضاء الاعلامي لم يخلو من أخبار لم يعتمد محرروها على الحقائق وانما استندوا الى حزبيتهم حيناً وطائفيتهم حينا آخر ومصالحهم الشخصية حينا ثالث، كما أن بعض المحررين يفضل صياغة الخبر بطريقة مهنية خالصة في حين يكتبه آخر بطريقة تحريضية وثالث بأسلوب الاثارة المعروفة بجذبها سايكولوجيا القراء، بل أن البعض من محرري صحفنا يتعمدون كتابة الخبر باللهجة العراقية الدارجة بطريقة تذكرني بما قاله هربرت ماركيوز في كتابه "الانسان ذو البعد الواحد" حينما أشار إلى أن "اللغة المهيمنة في عالم الاتـصال والإعلام لغة تعكس سلوكاً أحادي البعد وهي لغة عامية مبتـذلة حلّت محل لغة الفكر المُنـشِئ للمفاهيم!!"

3. التقرير

فن صحفي يركز محرره فيه على شرح الحدث أو الظاهرة بصورة تفصيلية وبيان أسبابها والعوامل التي ادت الى ظهورها في زمان ومكان معينين، وقد يستعين فيها بحديث او لقاء او حوار صحفي مع باحث او مختص قادر على الوقوف على أبعاد الحدث المختلفة وتفسيراته المتنوعة، ولم يغب التغيير عن التقرير الصحفي بعد 2003 حيث أصبحت الآن التقارير الصحفية أكثر انفتاحاً وحرية وتناولت موضوعات كان محرر التقرير لايحاول الهمس بها امام زملاءه الصحفيين في زمن النظام السابق وان تكن , بعض، تلك التقارير التي تتصدر الان الاعلام العراقي قد خضعت لعمليات تضليلية يرجع الكثير منها لاجندات حزبية وبرامج طائفية واهداف شخصية لدرجة ان مؤسسة تكتب تقارير كثيرة عن قضية ومشكلة ما تتجاهلها بصورة كلية مؤسسة اعلامية أخرى.

التحرير الصحفي في العراق بشكل عام الآن وليد جديد يتنفس هواء نقي لأول مرة في تاريخه ومن الواجب على أمه _ وهي المحرر والصحفي العراقي المحترف _ ان تتحمل مسؤليته أمام ضميره والتاريخ، فيربيه جيداً ويرعاه بصورة حسنة وفقاً لاداب وقواعد المهنة الاعلامية البحتة متجاوزاً التضليل والتعتيم والزيف والتطفل الذي تعمل سمومها جميعاً على أفساد عملية التحرير الصحفي ووأدها في مهدها.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/آذار/2009 - 14/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م