محمد (ص) مصلح الانسانية الأعظم

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يعيش المسلمون في أرجاء المعمورة هذه الايام ذكرى ولادة سيد الكائنات ومصلحها الأعظم النبي محمد بن عبد الله (ص) حيث بزغ قبل قرون وقرون قبس رباني أضاء الظلام الروحي الذي كان يخيّم على النفوس النائمة الخاملة المستفزة في آن لأناس قساة شداد لاتعرف الرحمة طريقا الى نفوسهم وقلوبهم، فأوقد في تلك البقعة الصحراوية النائية فنار الهداية ورسم للبشرية سبل النجاة واليقظة من السبات.

فكانت دعوة الاصلاح التي بدأت بفرد وتصاعدت لتصبح امة، وكان فنار الهداية يعلو ويعلو كي يضيء ظلام النفوس من خلال إرادة الرسول الأعظم (ص) الذي انتشل الانسان من براثن الجهل والضغينة والتعصب ليضع اقدامه على جادة النور وصولا الى قمة السمو الانساني المنشود.

لقد كان المحيط البشري (البدوي) عند بزوغ النبوة مترديا الى ابعد المديات، وكانت العادت القبلية في أوج تأثيرها وتعصبها، أما الوثنية فقد كانت سيدة الموقف في المجال الروحي على الرغم من تواجد الحركات الدينية التي سبقت الدعوة الاسلامية مثل (اليهودية والمسيحية والحنفية) كما يقول المؤرخ الانكليزي الكبير وليم موير في كتابه ((حياة محمد)).

ويقول موير في كتابه هذا أيضا (لقد امتاز محمد عليه السلام بوضوح كلامه ويسر دينه، وقد أتم من الاعمال ما يدهش العقول، ولم يعهد التأريخ مصلحا أيقظ النفوس وأحيا الأخلاق ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير كما فعل نبي الاسلام محمد...)-1- ويضيف موير:

(ان الجزيرة العربية كانت قبل ظهور محمد عليه السلام في أسوأ الأحوال، وربما لم يكن الاصلاح ميئوسا منه في أية مدة مضت كما كان في ذلك الحين، ولكن ما أن ظهر محمد نبي الاسلام عليه السلام حتى هبَّت العرب في الحال تلبية للدعوة الروحية الكبيرة الجديدة)-2-.

ومع ان الصراع كان ملحميا مع من أرادوا وأد عملية الاصلاح وهي في مهدها، خوفا على مصالحهم المعروفة، إلاّ أن الأمر كان محسوما لصالح الدعوة المحمدية التي يستحيل إنكارها، أو إطفاء شعلة المبادئ الانسانية العظيمة التي أوقدتها في ذلك المحيط البشري المتردي، في هذا الصدد يقول سير جلال الدين برنتون الذي درَّس في جامعة اكسفورد وكان من اشراف الانكليز ومشاهيرهم:

(شعرت أن لاخطيئة أكبر من إنكار هذا الرجل الرباني، بعد أن درست ما قدمه للانسانية)-3-.

ولعل التركيز على عملية الاصلاح التي بدأها نبينا الكريم (ص) من لدن كبار الشخصيات التأريخية في الامم الاخرى، تتأتى من القدرات الروحية الهائلة التي استطاعت ان تحول ذلك المجتمع المنطوي على نفسه الى مجتمع متنور منفتح قوي في خلال سنوات قليلة، وفي هذا الجانب يقول تولستوي الكاتب الروسي الكبير صاحب ملحمة (الحرب والسلام):

(مما لاريب فيه ان النبي محمد –عليه السلام- كان من عظماء الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الانساني خدمة جليلة، ويكفيه فخرا انه هدى امة برمتها الى نور الحق، وجعلها تجنح الى السكينة والسلام، وتؤثر عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية) -4-.

ومضى فنار الايمان قُدُما في عمله الاصلاحي العظيم متجاوزا العقبات الكأداء تلو الأخرى ناشرا النور في قلب الظلام كاسحا من طريقه قيم الضلالة والعبودية والقهر، فالعبد الذي كان ملْكاً لسيده صار ندا له، والمرأة التي كانت تُدفن وهي على قيد الحياة، أعطيت حق الحياة بلا منازع، بل ما أثار دهشة الرجال حقها في الوراثة والتملّك وحرية العمل في التجارة وغيرها لتصبح قطبا حاضرا وموازنا للقطب الذكوري الذي كان مهيمنا ومتسيدا على كل شيء.

وفي موازاة العملية الاصلاحية المتواصلة كانت الادارة السياسة للصراع مع اقطاب الشر في أوْجها، حيث أثبتت الوقائع التي مرت بها الدعوة الاسلامية منذ نشأتها حتى رسوخها بأن النبي محمد (ص) عقل سياسي من الطراز الأول، وكمثال من بين كثير، وقائع صلح الحديبية والحنكة السياسية التي أديرت من خلالها المفاوضات مع قريش في مكة وبنود هذا الصلح ونتائجه التي عادت على الاسلام بثمارها الذهبية، ليثبت النبي (ص) بأنه داعية سلام وإصلاح حين رَكَزَ الاسلام وانتفت الحاجة الى السيف.

وأخيرا يقول الفيلسوف الفرنسي الكبير ((لامارتين)):

(فالرسول، والمشرِّع، والقائد وفاتح أقطار الفكر، ورائد الانسان الى العقل، وناشر العقائد المعقولة الموافقة للذهن واللب، ومؤسس دين لا وثنية فيه ولا صور ولا رقيات باطلة، ومُنشئ عشرين دولة في الأرض، وفاتح دولة واحدة في السماء من ناحية الروح والفؤاد، ذلكم هو محمد-ص-، فأي رجل لعمركم قِيس بجميع هذه المقاييس -التي وضعت لوزن العظمة الانسانية – كان اعظم من محمد، وأي انسان صعد هذه المراقي كلها فكان عظيما في جميعها غير محمد - ص-) -5.

هكذا هي السيرة النبوية الاصلاحية المعطرة، وهذا هو حضورها الانساني وتأثيرها في العمالقة من المفكرين والكتاب وغيرهم، حيث يدب النور تباعا في النفس البشرية وهي تتطلع بإجلال الى تعاليم الاسلام التي ترسخَّت عبر ملاحم النبي الكريم (ص) ليبقى هذا النور النبوي مشعّا وفاعلا وشاخصا في رحاب الخلود.

...........................................................

هامش:

1- الغرب نحو الدرب / تأليف محفوظ العباسي / ص58.

2- المصدر نفسه.

3- المصدر نفسه / ص59 .

4- المصدر نفسه / ص 67 .

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 11/آذار/2009 - 13/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م