الثقافة اللغوية

د. حسن منديل حسن العكيلي

ان الثقافة اللغوية العامة جزء أساس من مكونات شخصية المثقف، ينبغي عليه أن يكتسب بعض المهارات اللغوية التي تتصل بأصول اللغة واسسها السليمة، أو التي تتصل باللغة من حيث الاساليب وطرائق التعبير المختلفة ولاسيما التعبير الواضح المؤثر بالمتلقي. وأقصد بالمثقف هنا المتخصص بالعلوم المختلفة (غير اللغوية) والعاملين في الوظاثف الكتابية، وفي مجالات التخاطب المختلفة والتواصل اللغوي ونقل المعلومات، كالاعلامي والاستاذ الجامعي ولا سيما المتخصصين بالعلوم التطبيقية الصرف والمدرس والاداري والسياسي الذي هو قدوة المجتمع وقائده.

 ان اللغة هي البنية الأساس في نقل المعلومات وفي عملية التواصل بين المثقف ومحيطه وفي البناء العلمي والحضاري والانفتاح في ميادين الحياة المختلفة، لذا ينبغي العناية بها. لأن نقل العلوم والمعلومات وتدريسها بلغة سليمة واضحة لغة تنأى عن الركاكة واللحن، شرط أسلس في فهم المادة واستيعابها لدى المتلقين , ناهيك عن التأثير والقوة والجمال والعلو و الهيبة والوضوح في استعمال اللغة السليمة من غير لحن او ركاكة الأسلوب، والا سيضر الملقي بالمعلومات وبالمتلقين.

 ان كثيرا من ذوي الاختصاصات العلمية في غير علوم العربية لا يرون للعناية باللغة دورا أساسا في التواصل اللغوي ونقل المعلومات في نتاجاتهم وعملهم، لذلك أغفلوا العناية بها، ويعتقدون أنهم غير محتاجين الى معرفة أسس اللغة السليمة ما دام الامر متعلقا بالفهم والايصال فحسب. وهو اعتقاد واهم ذلك ان من لا يمتلك الحد المعقول من سلامة اللغة، لا يستطيع ايصال علمه الى الاخرين بتعبير دقيق.

 وان بعض الذين يكتبون في مثل هذه الموضوعات لم يتناولوا الموضوع في ضوء تخطيط لغوي يسهم في وضعه المختصون وأمناء العربية، وان بعضهم لم يتخصصوا بعلوم العربية وباصول اللغة العربية وجوهرها، فأما يمسوا أصول اللغة وأسسها أو يكتبوا ما لا جدوى كبيرة فيه كدعوة احدى وسائل الاعلام الالكترونية كتابها الى رفدها بالمقالات، وان كانت غير ملتزمة بالمعايير اللغوية السليمة.

 نحن في مرحلة تحول حضاري واقتصادي واجتماعي لعراق جديد، نحتاج – مجددا - الى الحوار في المشكلات التي تعيق الثقافة اللغوية العامة لدى المثقفين والوقوف على أسباب النفور من الالتزام بالمعايير اللغوية والنحوية،لتحظى لغتنا التي هي حضارتنا وتأريخنا وديننا من العناية التي تستحقها ولا نغفل مكانها المناسب في التحول الحضاري الجديد، في ظل كثرة المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني المستحدثة والمؤسسات البحثية والإعلامية والسياسية وغيرها التي ستؤدي دورا فاعلا في تغيير المجتمع العراقي في المستقبل القريب والبعيد، لذا أصبحت العناية بلغة المجتمع ضرورة لأنها البنية الاساس في بناء مجتمع جديد لا يفرط بلغته التي تمثل تأريخه وحضارته واستقلاليته.

ولأجل أن يكون النهوض العراقي الجديد شاملا لا ينبغي اغفال العناية باللغة في هذا التحول الجديد. لكنها عناية جديدة تواكب التحول الجديد وتوازيه واستحداث العديد من المؤسسات التقافية والاعلامية المسموعة والمرئية والمقروءة، مئآت الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية والفضائيات والجمعيات وموسسات المجتمع المدني وما لا نعلم، لم يكن لأمناء اللغة العربية وعلمائها مكانا فيها أو في ادارتها، بل أن بعض القائمين عليها لن يسمحوا للاكادميين اللغويين مشاركتهم فيها.

 ان العناية باللغة هي عناية بحضارة المجتمع وباستقلاليته وهويته ودينه وتراثه. وقد شهر الله تعالى بأحد المحررين المعروفين , لانه كان يستهين باللغة، سأذكر قصته الطريفة في حلقة قادمة ان شاء الله تعالى. وسأتناول في مقالات لاحقة المحاور الاتية: عناية الشعوب والامم بلغاتهم، والتعبير اللغوي الصحيح، والاخطاء اللغوية الشاثعة على ألسنة المثقفين وأقلامهم وسأعني بأخطاء اللغوية التي يكثر ورودها ف في الكتب الرسمية فضلا عن معلومات لغوية عامة تنفع العاملين في مجالات التواصل اللغوي والكتابي ونقل المعلومات، وغيرها.

* كلية التربية للبنات – جامعة بغداد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 11/آذار/2009 - 13/ربيع الاول/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م