
شبكة النبأ: ما حدث بين الحكومتين
المغربية والايرانية مؤخرا من توتر في العلاقات يؤشر خلطا للاوراق بين
السياسة والدين ويقحم المذهب الشيعي في قضية ذات طابع سياسي اكثر من
كونها ذات طابع ديني.
إن المواثيق والاعراف الدولية تكفل حرية الاعتقاد - من بين ما تنص
عليه- من حقوق انسانية لايجوز المساس بها، والتشيّع كما هو معروف
للمتابع يستند الى مبادئ مستمدة من كتاب الله الكريم وسيرة نبيه الأكرم
(ص) وآله من الأئمة الطاهرين عليهم السلام.
وليس ثمة موجب يقودنا الى التذكير بأن الحرية الدينية المكفولة
للجميع لا تستثني المذهب الشيعي او غيره، وما نريد أن نصل إليه هو
تأشير المخاوف التي تُثار هنا او هناك من المد الشيعي الذي يتنامى في
دول عربية واسلامية عديدة، وقد دفع ذلك بعض القادة والسياسيين الى
اتخاذ بعض الخطوات الاجرائية المضادة للشيعة مما أوقع غبنا بيّنا عليهم
وهم الذين عانوا من اصناف القمع والقهر والتقتيل على مر التأريخ.
وكي ندعم قولنا هذا بالوقائع، نشير الى ما أقدمت عليه الحكومة
المغربية مؤخرا من خطوة سياسية حين اعلنت قطعها للعلاقات الدبلوماسية
مع ايران بحجة نشر التشيع، حيث ذكرت حكومة المغرب بأن الحكومة
الايرانية تعمل على تغيير تركيبة الشخصية المغربية والتأثير على
استقلاليتها من خلال نشر التشيع !!.
إن اقحام الشيعة بهذه الصورة في الجوانب السياسية ليس اسلوبا حكيما
في معالجة الصراعات بين الدول او الحكومات، فقضية التشيع ليس لها علاقة
بما يحدث بين الساسة من صراعات ومصالح دنيوية متشعبة، كونها تهدف في
اول ما تهدف إليه اظهار ما وقع من ظلم كبير على آل النبي محمد (ص) ومن
خلال ذلك تحاول قدر الامكان ان تعيد من شطّ عن جادة الصواب الى الطريق
القويم المتمثل بالتمسك بالمبادئ الاسلامية الانسانية في شكلها وجوهرها.
إذن فالشيعة لا يهدفون الى مكاسب سياسية او دنيوية إستنادا الى
القيم التي يدعو اليها مذهبهم، وهم اذا صح القول، أخرويون أكثر من
كونهم دنيويون، ومن تكون اهدافه ومواصفاته على هذه الشاكلة لا يشكل
خطرا على الساسة او القادة السياسيين إلاّ حين ينحرفون عن الخط القويم
في تسيير امور الرعية وهو ما حدث مع يزيد بن معاوية حين أعلن الحسين بن
علي (ع) ثورته الخالدة ضد الأخير لتصحيح المسارات الخاطئة التي حدثت في
الخلافة الاموية آنذاك.
وهكذا يقودنا الحديث الى مسألة خلط الاوراق التي تستسيغها بعض
الحكومات او بعض السياسيين بين الدين والسياسة بطرائق مشوهة، فإذا كانت
علاقة الحكومة المغربية متوترة مع الحكومة الايرانية، فمن باب اولى ان
يُعالج مثل هذا التوتر وفق الأساليب الدبلوماسية المعروفة وأن لاتُزج
قضية التشيع في أمر لايخصها ولا يتعلق بها من بعيد او قريب، فزمن
الشماعات الجاهزة لتعليق الاخطاء قد مضى وباتت النوايا والافعال مكشوفة
مهما خفيت، أما ظاهرة خلط الاوراق فلم تعد مجدية لأن الوعي الذي يرصد
مثل هذه الاساليب صار قادرا على الكشف والتأشير الدقيق، لهذا نعتقد أن
إقحام التشيع في الصراعات السياسية لايصب في مصلحة أحد.
ونعود لنقول بأن الحرية التي مُنحت للانسان وفق المواثيق والاعراف
الدولية تتيح للجميع مسألة إختيارهم لمعتقدهم، لتبقى ساحة الاعتقاد
مفتوحة للمبادئ الأكثر قربا من السجايا الانسانية التي تعرف ما تريد في
الغالب، وهي (فطرة الله) التي فطر عليها الانسان في رفضه للظلم ووقوفه
الى جانب الحق وغيرها، وهي مبادئ اسلامية انسانية يتحلى بها المذهب
الشيعي وغيره، ويبقى الانسان اينما كان هو صاحب الاختيار والتفضيل بين
هذا وذاك، فله الحرية الكاملة في اختيار معتقداته وفق ما يراه مناسبا
وقريبا من فطرته الانسانية، وتبقى مثل هذه الحريات مكفوله بغض النظر عن
الاهواء والامزجة كما ذكرنا في صدر هذه الكلمة.
وأخيرا نقول، يُستحسَن أن يبتعد السياسيون عن هذه الاساليب التي
لاتصب في صالحهم قبل غيرهم. |