معرفة الجوهر طريق الانسان الى الاصلاح

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: كثيرا ما ترد مفردة الاصلاح في بحوث ودراسات ومؤلفات المصلحين والمفكرين والفلاسفة وغيرهم، وربما تكاد تكون المفردة الأكثر إغراء من غيرها لأصحاب الحكمة الذين يهدفون الى رفع شأن الأمة او المجتمع الذي ينتمون إليه، بمعنى ان العلماء والحكماء وغيرهم، يضعون الاصلاح في مقدمة أهدافهم، لأنهم يعرفون تماما بأنها فيما لو شاعت وتحققت قولا وسلوكا في صفوف الامة او الشعب، فإنها سترفعهم الى مصاف الامم والمجتمعات الراقية في أوالها وأفعالها معا.

إذن نحن نتفق على ان الاصلاح هو هدف المصلحين الحقيقيين على اختلاف مشاربهم، ولكن ثمة ما يرتبط بهذه المفردة، فهي ليست شكلا لغويا مفرغا من المضمون، بل هناك ما يجعلها أهم الاهداف الانسانية على مر التأريخ، ذلك هو جوهرها، ومن ثم تحويل هذا الجوهر الى واقع ملموس، فالفرد الذي يتم إصلاحه سيتحقق فعل الاصلاح في ذلته على شكل حزمة متداخلة من الافعال والاقوال، بمعنى ان جوهر الاصلاح سيتحقق في ذات الانسان، فيتحول من طبيعته السلبية الأولى (قبل الاصلاح) الى طبيعته الايجابية بعد الاصلاح.

وهنا ثمة أسباب او عوامل تساعد الانسان على الرغبة في الاصلاح والتقرب الى أدواته وسبله وعدم الابتعاد عنه او النفور منه، وتتعلق هذه الرغبة بفهم الجوهر قبل كل شيء، أي أن الانسان عندما يفهم الجوهر بصورة صحيحة سوف تتحدد رغبته فيه او عدمها، وفي هذا الجانب يرى الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (تغمده الله برحمته) في كتابه الموسوم بـ الاصلاح:

(إن الرغبة في الشيء ليست خاصة بحسنه الذاتي فيُحبّ، وبالسيئ كذلك أي لقبحه الذاتي فيكره، بل يتدخل في الأمر شيء آخر نفسي، فالحسن الذي يعرفه الإنسان يحبه، فإذا لم يعرف حسنه لم يحبه بل ربما كرهه لذلك، وهكذا بالنسبة إلى السيئ الذي لا يعرف الإنسان سوءه فإنه لا يكرهه.)

إذن فمعرفة مواصفات الشيء سيئة كانت او ايجابية هي التي تتحكم برغبة الانسان تقربا منه او ابتعادا عنه، ولذلك ينبغي التأكيد على أهمية أن يفهم الانسان جوهر القضية الاصلاحية المطروحة عليه، فمن دون هذا الفهم يبقى الامر مبهما مما يدفع الانسان بالنظر الى هذا الابهام بعين الريبة والتشكيك وربما التخوف أحيانا.

وقد يصاب الانسان بنوع من الارباك وسوء الفهم نتيجة عدم فهمه للجوهر، وربما تكون النتيجة عكسية تماما، فيرغب الانسان بما قد يضره ويتجنب الشيء الذي يفيده نتيجة لعدم فهم الجوهر، حيث يقول السيد الشيرازي رحمه الله في هذا الجانب:

(إن الجاهل بكون الشيء الفلاني دواء دائه، يكرهه ويتجنبه، مع أنه حسن ومفيد. والجاهل بكون الشيء الفلاني يضره، إذا اشتهاه رغب فيه وأقدم عليه مع أنه سيئ ومضرّ.)

وهكذا قد ينعكس استنتاج الانسان من الايجاب الى السلب وبالعكس نتيجة لعدم فهم الجوهر، وهنا تحديدا تكم أهمية التوعية، ويبرز دور الفكر من اجل الاصلاح، حيث يستوجب الامر توضيحا لما هو مبهم من الامور وتقريب الامور الغامضة من ذهن الانسان العادي وتبسيطها له بما يجعله قارا على فهمها واستيعابها، ومن ثم التعامل معها على انها امر يفيده ولا يضره، ولا يتأتى ذلك إلاّ من خلال فهم الجوهر الذي يقع على عاتق المفكرين والمصلحين قبل غيرهم.

فمن غير المعقول ان يطرح المفكر افكاره على الملأ من دون أن يضع آلية إفهام وتوصيل لهذه الافكار، كما أن المسؤولية هنا تطول الانسان المتلقي ايضا، أي ان مسؤولية الاصلاح مشتركة بين الاثنين، حيث ينبغي على المتلقي ان يتحمل جزءً من مسؤولية الاصلاح من خلال إبداء الرغبة والبحث والتواصل مما يدل على انه مستعد نفسيا لتقبل هذه الافكار الاصلاحية او تلك.

ولعلنا نتفق على ان فطرة الانسان تحمل في ثناياها نزوعا طوعيا للتعلم وزيادة الوعي بالاشياء، حيث يندفع الانسان في الكشف عن المجاهيل في جوهر الاشياء ويحاول عبر التجريب المتواصل أن يصا الى فك مغاليق الافكار والاعمال معا، وهذا الاستعداد الفطري لدى الانسان يسهل كثيرا من مهمة المصلحين والمفكرين وأصحاب القدرة على تغيير المجتمعات والامم، فالاصلاح ينبغي أن يخترق عموم شرائح الناس أفقيا وعموديا من أجل خلق الامة او المجتمع الراقي المتطور في عموم مجالات الحياة.

وفي هذا الجانب يلقي السيد الشيرازي رحمه الله أهمية كبيرة على الاصلاح ومقوماته حيث يرى:

(إن من مقومات الإصلاح رفع الجهل ونشر الثقافة والوعي.) بين جميع الناس من دون استثناء، وذلك من خلال معرفة كنه الشيء، وكشف غوامضه، مما يجعله مفهوما في شكله وجوهره من لدن الانسان، فيصبح حينذاك أمرا مرغوبا به من خلال فهم طبيعته التي تجعل منه محببا لمن يرغب بإصلاح نفسه وحياته في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/شباط/2009 - 30/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م