امريكا تُشرِك أوربا في مشروعها لدمقرطة الشرق الاوسط

بعد عجزها منفردة في دفع عجلة الديموقراطية الى الامام

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: في الوقت الذي يقر به العرب وشعوب الشرق الأوسط بأهمية الديمقراطية كنظام سياسي متطور لإدارة الشؤون، فإن ثمة من يرى غير ذلك، لاسيما الأنظمة السياسية القائمة في الوقت الراهن، لأن مثل هذه التطلعات الشعبية كفيلة بضرب مصالحهم الفردية والعائلية والتكتلية، ناهيك عن تهديدها المباشر لكراسي الحكم التي عمّرت عشرات او ربما مئات الأعوام.

غير ان الاصلاحات السياسية والاجتماعية تتطلب جهودا كبيرة ومهمة يجب أن تبذلها أطراف دولية ومحلية عديدة، لهذا نلاحظ تسابقا غير (مسبوق) للولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي في دعم الاصلاحات المتعلقة بإشاعة الديمقراطية كمنظومة سلوك شاملة في الشرق الاوسط، غير أن الحسابات بين الطرفين لا تلتقي دائما وربما تقود الى توترات تخلقها بعض التصادمات في الرؤى والتنفيذ معا، وفي هذا الصدد أشار احد البحوث المختصة بهذا الشأن الى ان التوتر بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة انعكس بشكل سلبي منذ اندلاع شرارة الحرب في العراق في 2003 على العديد من المجالات السياسية في الشرق الاوسط. لكن لا شيء يوضح هذا التوتر اكثر من سعي الجانبين لدفع عجلة الديموقراطية الى الامام في المنطقة.

اذ لما كانت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي قد اختلفا حول بعض المسائل المهمة بشأن الاصلاح في المنطقة، كان لا بد من ان يبرز قدر خطير من عدم الثقة بينهما عند محاولتهما تحديد دبلوماسيتهما حيال هذه المسألة بعد احداث 9/11. وعلى الرغم من ذلك يبقى الاختلاف السياسي بين الجانبين ليس كبيرا كما يقال عادة، فكلا الطرفين اعربا عن التزام قوي بدعم الديموقراطية العربية في اعقاب 9/11 واعلنا ان التطور الديموقراطي في العالم العربي هو امر مهم لأمن الدول الغربية وسلامها.

لكن من الملاحظ ان التحديات الامنية الاقليمية المتزايدة ونتائج انتخابات محلية معينة مثل فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير 2006، دفعت بعض الدول الغربية والولايات المتحدة للتراجع على نحو ما، ومن ثم اقامت تحالفات على اساس الامر الواقع مع الانظمة العربية السلطوية.

كما تردد الجانبان بالطبع في التعامل مع مجموعات المعارضة الاسلامية على الرغم من محاولاتهما القيام بذلك احيانا.

إن وجهات الاختلاف والتقارب بين الطرفين الامريكي والاوربي تلتقي في نهاية المطاف الى الاتفاق على نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط، ولكن ما هو موقف شعوب المنطقة ثم ما هو دورها في هذا الجانب، ولعل الدور الملقى على عاتق منظمات المجتمع المدني يعد من ابز هذه الادوار واكثرها تأثيرا، غير ان ذلك يتطلب دعما متواصلا من الاوربيين والامريكيين معا، سواء في الجوانب الادارية والتعليمية او الجوانب المالية التي تتطلبها برامج مراقبة الاجهزة الحكومية ورصد أخطائها ثم المساعدة في تصحيحها.

فيشير البحث الى ان المسؤولين الاوروبيين والامريكيين يواجهون تحديين معينين يتمثل الاول في كيفية تقديم حوافز مهمة للحكومات العربية كي تبادر بالاصلاح الديموقراطي، وكيف يمكن ثانيا ربط هدف دعم الديموقراطية على المدى الطويل مع الاهداف الاستراتيجية الاخرى على المدى القصير. وباختصار، يواجه الاوروبيون والامريكيون تحدي الارتقاء فوق التباينات الاساسية حيال (المشروع الديموقراطي) التي تعيق سياساتهم في هذا المجال، وذلك لأن دفع عجلة الاصلاح السياسي على نحو صحيح في الشرق الاوسط سوف يتطلب القيام بجهود متواصلة من جانب الحكومات الاوروبية والامريكية، وعلى صانعي السياسة الاوروبيين والامريكيين البناء هنا على اساس اطار عمل استراتيجي مشترك لاقامة شراكة جديدة مع دعاة الاصلاح العربي.

ويقدم البحث  بعض الخطوات الملموسة التي ينبغي على الحكومات الاوروبية والامريكية اتخاذها في هذا المجال:

- على واشنطن وبروكسل النظر بمسألة اقامة منتدى رفيع المستوى عبر الاطلسي من اجل تنسيق السياسات التي يتعين انتهاجها ازاء الشرق الاوسط أي ان يكون هذا المنتدى متماثلا في حظوظه العامة مع الحوار الاوروبي - الامريكي حول آسيا الذي تأسس عام 2005.

- الاستمرار في اصدار بيانات دبلوماسية مشتركة حول الحاجة لقيام الاصلاح المنشود في الشرق الاوسط، وعلى مجتمع الاطلسي هنا ازالة أي شك لدى الزعماء العرب في اهتمام الغرب المستمر بنمو الديموقراطية، وتحسين اوضاع حقوق الانسان في الشرق الاوسط.

- يجب على الاوروبيين والامريكيين التنسيق فيما بينهما لمكافأة اولئك الذين يقودون عملية الاصلاح بحيث يؤدي هذا الى تسريع هذه العملية.

- رفع المبدأ القائل ان من حق المجتمع المدني المحلي السعي للحصول على المساعدة الاجنبية، وعلى الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ان يعلنا بوضوح وقوة ان صلاتهما وتأييدهما للمجتمع المدني العربي هو امر غير خاضع للتفاوض.

- تنسيق المواقف بشأن التعامل مع الاسلاميين، وفي هذا الاطار ينبغي الا يتخذ الاوروبيون والامريكيون موقفا انتقائيا عند التعامل مع الاطراف التي تمارس عملا سياسيا سلميا، بل ويجب استخدام الضغط على الانظمة العربية اذا ما لاحقت أو حاولت ان تقمع المنظمات الاسلامية التي لا تلجأ الى العنف أو تمنع هذه المنظمات من اللقاء مع مانحي المساعدات الغربيين.

- تحسين التنسيق في مجال تقديم المساعدات غير الحكومية، ان على الممولين الاوروبيين والامريكيين الدخول بحوار منتظم حول استراتيجيات تمويل حركة التطور الديموقراطي في دول معينة، وكيف يمكن استخدام الاموال بشكل فعال لانجاز الاهداف العامة.

- التأكيد بشكل مشترك ان التطور الديموقراطي في الشرق الاوسط هو من مصلحة، ليس فقط اوروبا والولايات المتحدة، بل وايضا من مصلحة شعوب المنطقة.

بكلمات اخرى، ينبغي دعم الديموقراطية لأنها نظام يلبي تطلعات مواطني الشرق الاوسط في ان يكون لهم صوت مسموع ودور ملموس في حكم انفسهم. وعلى صانعي السياسة الاوروبية والامريكية الراغبين في تجاوز التوترات، التي ظهرت بينهم في السنوات الاخيرة، التركيز على نقاط التماثل في مواقفهم كأساس لاعادة التعاون فيما بينهم من اجل اعادة بناء الديموقراطية في الشرق الاوسط.

ختاما نقول إن الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي وصلا الى صيغة عمل موحدة مع ظهور بعض الرؤى المختلفة هنا او هناك، لكن في العموم لديهما هدف محدد الملامح ويعملان على تحقيقه وفق خطط مدروسة سلفا وتراعي ما يستجد أثناء التنفيذ، ولكن ماهو دور شعوب المنطقة وقبلها ماهو دور السياسيين والمفكرين وغيرهم في هذا المجال، إنها أسئلة تتطلب إجابات مختلفة من المعنيين بمشروع الديمقراطية، قد تتوحد في نهاية المطاف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 25/شباط/2009 - 29/صفر/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1429هـ  /  1999- 2008م