بيان صادر عن مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل سلطان المؤلفين الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا مات العالم انثلم في الإسلام ثلمة لا تنسد إلى يوم القيامة.

كان الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله مقامه)، علماً بارزاً في سماء العلم والتقوى، وقد اتصف بصفات حباه الله تعالى بها وقلما اجتمعت في شخص، فبالإضافة إلى شدة تقواه وورعه، كان غزير العلم، عالي الأخلاق، قوي الفكر، ثاقب الرأي، كثير التأليف، مجاهداً لا يخاف في الله لومة لائم، مدافعاً عن قيم ومبادئ الإسلام وقضايا المسلمين، ناشراً لعلوم القرآن والعترة الطاهرة (سلام الله عليهم)، وكان يعيش هموم الأمة الإسلامية جمعاء ويسعى دائماً لإنقاذ المسلمين من مآسيهم ويحث على بث الوعي في صفوفهم.

لقد كان الإمام الشيرازي (رضوان الله عليه) يعتقد بأن (الكتاب من لوازم الحياة) فكان يحث الجميع على ذلك وكان شعاره في ذلك (اكتبوا ولا تهابوا) فما ترك فرصة إلا ودعا إلى الكتابة والتأليف من خلال لقاءاته الخاصة والعامة، وحتى في آخر لقاء له مع مجموعة من النساء قبل إصابته بالجلطة الدماغية بساعتين كان قد دعاهن إلى الكتابة والتأليف، إذ كان يرى أن تقدم المجتمع رهين بالعلم والثقافة، والعلاقة بينهما علاقة طردية، فمتى ما كان المجتمع مثقفاً ومتعلماً وواعياً، كان متقدما ومتطوراً، ولا يمكن للاستعمار وأذنابه السيطرة عليه وتسخيره لمصالحهم وأهوائهم.. والعكس بالعكس.

وكان (قدس سره) كاتباً بارعاً، بلغت مؤلفاته أكثر من 1300 كتاب في شتى مجالات العلوم. من تفسير وحديث، وفقه وأصول، وصرف ونحو، وأدب وبلاغة، وثقافة وسياسة، واقتصاد واجتماع، و... فكان له في كل فن باع.. كما تميز أسلوبه في الكتابة بالبساطة وعدم التعقيد، وهذه ميزة تفرد بها عن غيره، ففي الوقت الذي كان يكتب فيه للعلماء والمجتهدين في مجال الفقه والأصول، كان يكتب أيضا للشباب والبراعم في العقائد وأحكام الدين ويكتب للمثقفين والجامعيين في الفلسفة والاقتصاد، والقانون والبيئة. وهذا يحتاج إلى معرفة أسلوب مخاطبة كل فئة يكتب لها ما يشفي غليلها، ولقد عمت كتبه أرجاء الدنيا كافة واهتدى بها الكثيرون.

إلى ذلك، كان الإمام الراحل (قدس سره الشريف) يأمر ويحث على تأسيس المكتبات العامة وغيرها من المؤسسات الثقافية، من دور نشر ومجلات وصحف، وإذاعات ومحطات تلفزيونية وفضائية، ومواقع على الإنترنت، وندوات ومؤتمرات.

وبلغ من شدة تعلقه (قدس سره) بالكتاب والكتابة، أنه أهديت له دار لتكون سكناً له ولعائلته الكريمة فأبى (رضوان الله عليه) إلا أن يجعلها مكتبة عامة باسم (مكتبة القرآن الكريم العامة) وذلك في مدينة كربلاء المقدسة.

واستمر في الكتابة والتأليف حتى الدقائق الأخيرة من حياته الشريفة، حيث أسلم روحه الطاهرة إلى بارئها والقلم والورق بين يديه يكتب عن جدته فاطمة الزهراء (عليها السلام).

وهكذا، خلّف أكبر موسوعة فقهية في العالم الإسلامي تتضمن 160 مجلداً في أكثر من سبعين ألف صفحة، كما أثرى المكتبة الإسلامية بكتبه الأخرى.

ركز في مؤلفاته على ضرورة الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وهدي العترة الطاهرة (صلوات الله عليهم أجمعين) كما أكد على ضرورة تطبيق القوانين الإسلامية المنسية، كقانون الأخوة، والأمة الواحدة، والتعددية السياسية، ومبدأ الاستشارة والحريات ...

وأفتى بضرورة التزام منهج السلم واللاعنف ونبذ العنف بجميع مصاديقه وفي كافة مراحل الحياة السياسية، بل وفي سائر شؤون الحياة.

كما دعا إلى تأسيس المنظمة العالمية الإسلامية وإزالة الحدود الجغرافية بين بلاد الإسلام، وتأسيس مختلف المؤسسات الدينية والثقافية والإنسانية في سائر أرجاء المعمورة ...

لقد غادرنا الإمام الشيرازي (أعلى الله مقامه) في الثاني من شوال العام الماضي على حين غرة، ففاجأ الجميع برحيله وهو في قمة عطائه الفكري، فأقرح العيون وأسبل الدموع، وكنا نأمل أن يبقى أكثر ليرفد الأمة الإسلامية والعالم بعطائه الثر، ولكن إرادة الله فوق كل شيء وما علينا إلا التسليم والرضا ونحن على ذلك من الصابرين الشاكرين.

إن أسوتنا الوحيدة في هذا المصاب الجلل أن يستمر ذلك الخط الذي رسمه وانتهجه الإمام الراحل، بأخيه المعظم المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) وإكمال المسير على نفس خطى الإمام الراحل (رضوان الله عليه)، وكذلك بوجود الآلاف ممن تربى في مدرسته العلمية والثقافية، وبمؤلفاته التي لا زالت تخاطب الاجتماع الإنساني بجميع مستوياته.

ختاماً نسأل الله تعالى أن يتغمد الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني (أعلى الله مقامه) بواسع رحمته ورضوانه وأن يجزيه عن الإسلام وأهله خير الجزاء، وأن يأخذ بأيدينا لما فيه الخير والصلاح، إنه ولي ذلك، والحمد لله أولاً وآخراً.

                                

                                          مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر     

    شوال 1423هـ 2002م        

                                                  بيروت لبنان ص ب 5951 / 13 شوران  

                                     [email protected]