آل الشيرازي.. تاريخ حافل بالعلم والفضيلة والجهاد ضد كل ألوان الظلم والاضطهاد

يوسف البحارنة - باحث ومفكر إسلامي

في بحثنا السابق حول بيان وفتوى سماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي تناولنا بشكل موجز البعد الديني والتاريخي للعائلة الشيرازية وتصديها للمرجعية وتبليغ رسالة الإسلام للعالم، ووقوفها بصلابة أمام الثقافات الوافدة على العراق من الشرق والغرب، التي تمثلت في الشيوعية العالمية والرأسمالية الدولية.

وقد قامت هذه العائلة العريقة بالتصدي للاستعمار البريطاني سواء في إيران أو في زمن الميرزا حسن الشيرازي (رض) صاحب فتوى التنباك ضد الشركات البريطانية في عهد ناصر الدين شاه القاجاري، وإلى تاريخ آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الشيرازي  قائد ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني في العراق، حتى وصلنا إلى التاريخ الديني والسياسي والمرجعي للمرجع الراحل الإمام المجدد آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي - قدس سره -، الذي قاد حركة المرجعية واستمر فيها داخل العراق وخارجه بعد والده آية الله العظمى الميرزا مهدي الشيرازي رضوان الله تعالى عليه.

وقد سطر الإمام السيد محمد الشيرازي رضوان الله تعالى عليه تاريخاً من النضال والجهاد الديني والسياسي للعالم الشيعي كافة وللعراق خاصة، ببنائه وتأسيسه الحوزات العلمية، والمدارس الدينية ومدارس حفاظ القرآن في كربلاء وأنحاء مختلفة من العراق، والكويت وإيران، وتربيته لآلاف من علماء الدين والخطباء والكتاب وهدايته وإشرافه على العديد من الحركات والمنظمات الإسلامية التي انضوت تحت راية المرجعية من أجل النضال والجهاد ضد الديكتاتورية الحاكمة في العراق وإقامة حكم إسلامي هناك.

وقد تخرج من هذه المدرسة الفكرية علماء وفقهاء وقادة للحركات الإسلامية، لا زالوا يغذون الأمة بالفكر والعلم والثقافة والأدب ويسهرون على هداية المجتمع الإسلامي في مختلف أنحاء الوطن الإسلامي وفي سائر الدول الغربية والأفريقية والآسيوية وأميركا الشمالية.

ومما تمتاز به مرجعية الإمام الشيرازي رضوان الله تعالى عليه أنها مرجعية مؤسساتية لا تعتمد على شخص، أو قيادة عندما تذهب وتموت فإن هذه المرجعية تنحسر، بل قام سماحته رضوان الله تعالى عليه ببناء المؤسسة المرجعية على أسس قوية، لكي يضمن استمرارها داخل الأمة، لذلك رأيناه قد قام ببناء شخصية خليفته من بعده وشقيقه البار سماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله ليكون الخليفة من بعده للتصدي للمرجعية الدينية والسياسية للأمة ويواصل هذا الطريق الصعب لخدمة الطائفة الشيعية والاهتمام بشؤونها الفقهية والإسلامية، والاهتمام بالشأن السياسي للأمة الإسلامية، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الإسلامية المقدسة في عراق الرافدين، والسعي لإسقاط نظام صدام حسين الذي نزى على الحكم بانقلاب عسكري وسعى للقضاء على الحوزات العلمية في العراق خصوصاً في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة والكاظمين وسامراء، وبقية محافظات العراق ذي الأغلبية الشيعية، والقضاء على العلماء والفقهاء الربانيين وتلامذة وطلبة العلوم الدينية والخطباء والمجاهدين الذين وقفوا أمام أفكاره الانتقائية والمستوردة والتي تخالف الإسلام وجوهره وتبث سموم الكفر والإلحاد والشوفينية والتفرقة والعنصرية داخل الأمة الإسلامية.

وهناك وجه شبه كبير بين مرجعية الإمام الراحل الشيرازي رضوان الله تعالى عليه، وما طرحه آية الله العظمى الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه، والذي كان يدعو إلى نظرية المرجعية الموضوعية والرشيدة، وهذه النظرية وهذه الفكرة تعني أن القيادة السياسية للعمل الإسلامي يجب أن تقودها المرجعية الدينية، وهذه المرجعية يجب أن لا تنحصر في شخص المرجع نفسه، وإنما يجب أن تكون مؤسسة صاحبة بطانة نظيفة وسليمة ومتقية لا تتلاعب بأموال الأمة، وأنه وبمجرد أن يتوفى المرجع الديني للطائفة فإن هناك مرجعاً آخر يكمل مسيرته التي بدأها، وتكون لديه مؤسساته الثقافية والسياسية والعلمية والمالية، ولا يتوقف عن دعم الحركة الإسلامية بكل فصائلها، وكذلك تعرف الأمة أين ذهبت أموال الإسلام وأموال الإمام الحجة المهدي المنتظر عليه السلام التي يجب أن تصرف على المشاريع الإسلامية ونشر وتبليغ الدين، لا أن يتوارثها الأبناء والأحفاد.

هذه النظرية التي تعتمد على العمل المؤسساتي هي ما نراه اليوم في العالم المسيحي والفاتيكان، حيث أنه وبمجرد وفاة البابا فإن بابا وكاردينال آخر يقوم مكانه.

كما أن هناك وجه شبه ثانٍ بين النظرية المرجعية للإمام الشيرازي والإمام الصدر وهي أن الإمام الشهيد رضوان الله تعالى عليه كانت نظريته تمتاز بالخطاب الثقافي الجديد الذي قدمه للأمة، بحيث طرح قدس الله سره الإسلام قبل أربعين عاماً بثوبه الجديد الذي لم يكن مطروحاً من قبل، وسعى إلى تطوير الحوزة العلمية في النجف الأشرف ووقف وجاهد ضد الثقافات الوافدة التي جاءت من الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي، وكانت نظرياته في كتاب اقتصادنا وكتاب فلسفتنا مثالاً حياً على ذلك، فكما كان الإمام الصدر قد خطى تلك الخطوات نحو صياغة ثقافة الأمة وصقلها بالفكر الإسلامي الأصيل، فإن المرجع الشيرازي الراحل كذلك قد خطى تلك الخطوة في كتابة أكثر من ألف كتاب ومؤلف خصوصاً كتابه الصياغة الجديدة.

كذلك هنا لا بد من التأكيد على وجه الشبه الآخر بين نظرية الإمام الشيرازي الراحل والإمام الصدر الشهيد رضوان الله تعالى عليهما، المتمثل بتمسك هذه النظرية بالفقه والأصول والتفسير والقرآن الكريم ونهج البلاغة، والأخذ بالروايات والأحاديث النبوية وما يقوله المعصوم عليه السلام وتدريس هذه الدورس لطلبة العلوم الدينية، ونبذ كل ما يخالف هذه الآراء، خصوصاً ما يخالف مفاهيم وروح القرآن الكريم، من نظريات البشر ونظريات الفرق الصوفية والفلاسفة والزنادقة واتباع المذاهب والنحل المختلفة، والفلاسفة الذين ينتحلون في نظرياتهم الفلسفية أفكاراً ومفاهيم بعيدة كل البعد عن روح الدين والقرآن والحديث والرواية.

نعم لقد كان الإمام الشيرازي مخالفاً تماماً لأفكار وعقائد الفلاسفة التي تعتمد مبادئ وأفكار الصوفية ومناهجها والتي كان الأئمة المعصومون عليهم السلام والمراجع والفقهاء العظام يحاربونها أشد الحرب ويتهمون أصحابها بالكفر والزندقة ومخالفة الدين وقيمه.

استمرت المرجعية الدينية بعد الإمام الراحل من خلال خليفته آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي الذي تصدى لهذه المسؤولية التاريخية، وحيث إن العراق في هذه الأيام يعيش حالة خطيرة ومصيرية من تاريخه السياسي، واحتمالات التغيير الواردة على نظام صدام حسين، لذلك وبناء على استفتاء من تجمع قوى المعارضة الإسلامية المستقلة من سماحته حول التطورات الجديدة في العراق وتبيين الخطوط العريضة في مشروع التغيير السياسي في عراق الرافدين، فقد أكد المرجع الديني الكبير عبر إرشاداته وبيانه وفتواه التاريخية الشهيرة وجوب العمل لإسقاط نظام صدام ودعى سماحته إلى انتهاز الفرص لرفع الظلم الذي يكتم أنفاس الشعب العراقي، مشدداً على ضرورة نبذ كل ما يمكن أن يؤدي إلى التهاون والتفريط، وحاثاً على مواصلة الأعمال بالحكمة والحنكة والمثابرة، وبما يحقق بناء عراق مستقل وموحد وعلى أسس التعددية والحرية المشروعة وفق الموازين الشرعية.

لقد جاء هذا البيان التاريخي وهذه الفتوى الهامة في تاريخ المرجعية الدينية في العراق، في ظروف قامت المرجعيات الدينية في النجف الأشرف يتزعمها سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني، وآية الله السيد الحكيم بإصدار فتاوى تحت الضغط والإكراه من قبل النظام الديكتاتوري الحاكم في بغداد حول الضربة الأمريكية القادمة والمرتقبة، ونحن إذ نقدر للمرجعيات الدينية في العراق ظروفها الخاصة، إلا أننا نرى أن الموقف الصحيح من النظام الحاكم في بغداد هو ما اتخذته المرجعية الدينية والسياسية في العراق، سواء ما قام به سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي أو بقية المرجعيات الدينية والسياسية المعارضة للنظام العراقي، كما أكد على ذلك آية الله السيد محمد بحر العلوم الذي صرح بأن الفتاوى الصادرة عن مراجع الشيعة في النجف الأشرف كانت قد صدرت تحت طائلة التهديد والإكراه.

وقد أبدت وكالات الأنباء والقنوات الفضائية اهتماماً كبيراً ببيان وفتوى سماحة المرجع الديني الشيرازي دام ظله، الذي دعى للإطاحة بنظام صدام وبناء عراق مستقل وموحد. فقد جاء في نشرة أخبار قناة أبو ظبي الفضائية المسائية الرئيسية في يوم الأربعاء 25/ 9/ 2002م والموافق 17 رجب: إن البيان جاء في وقت هام لمعالجة حالة الإحباط عند عدد كبير من المجاهدين العراقيين.

وقد تصدر خبرها هذا التعليق : إن سماحة المرجع الديني الشيعي الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دعى العراقيين للعمل لإسقاط نظام صدام وبناء عراق حر ومستقل يعتمد الشورى والتعددية والحرية المشروعة، وقالت القناة في تناولها لبيان المرجع الكبير: إن المرجع الديني الشيعي شدد على أن ينتهز العراقيون كل الفرص للتخلص من نظام صدام ولكن وفق الموازين الشرعية.

كما أن قناة أبو ظبي الفضائية كانت قد استضافت مراسلها في طهران الأستاذ نجاح محمد علي وسألته عن المعاني والأهداف التي يرمي إليها بيان آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي - دام ظله - حيث صرح: (بأن المرجع الشيرازي يؤكد في بيانه هذا أهمية حشد الطاقات للإطاحة بنظام صدام، وهذا البيان جاء في وقت صدرت فيه فتوتان للمرجعين السيد السيستاني والسيد الحكيم في النجف واللتان حرمتا التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهاتان القوتان غاب عنهما الجانب المتعلق بالمشروع العراقي للإطاحة بنظام صدام.

وأضاف الأستاذ نجاح محمد علي: أنني أعتقد بأن بيان سماحة المرجع آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي وهو شقيق سماحة المرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي جاء ليعالج حالة الإحباط التي أصابت جانباً كبيراً من المجاهدين العراقيين بسبب إغفال الفتوتين السابقتين عن إدانة نظام صدام، وهذه المعالجة جاءت في وقتها المناسب.

هذا وقد أولت وكالة أنباء رويتر وصحف خليجية وعربية اهتماماً كبيراً ببيان آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي واعتبرته بمثابة تحريض شرعي من مرجعية دينية عرفت بجهادها وعطائها للقضية العراقية ولمختلف قضايا وهموم الأمة الإسلامية، وذكرت هذه الصحف أن السيد المرجع الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله كان قد صدر بحقه حكم الأعدام غيابياً من قبل ما يسمى بمحكمة أمن الثورة عام 1971م، بعدها صدر حكم مماثل بحق شقيقه الإمام الراحل المرجع المجدد الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي رضوان الله تعالى عليه، وفي وقتها كان هذا القرار الجائر بمثابة أول حكم اعدام يصدر بحق مرجع ديني كبير في العراق آنذاك.

وأخيراً لا بد من التركيز على النقاط الهامة التي طرحها سماحة المرجع الديني الكبير في بيانه، والتي تلتقي معها كافة فصائل الحركة الإسلامية العراقية بما فيها المرجعيات الدينية والسياسة في العراق، ونقاط ومحاور ومفردات ومحاور رأينا ضرورة طرحها إلى جانب إرشادات سماحته وهي:

1- بناء عراق موحد ومستقل على أسس التعددية السياسية.

2- وحدة المعارضة العراقية بكافة فصائلها.

3- ضرورة وجود مركز قرار واحد للساحة الشيعية.

4- ضرورة اهتمام المرجعية الدينية والسياسية وفصائل المعارضة الإسلامية الشيعية بمصالح العراق ومصالح الشيعة والتي يجب أن تكون محفوظة في ظل أي عملية تغيير قادمة.

5- نحن ندعو ويشاركنا في ذلك أغلب قادة المعارضة الشيعية إلى عقد مؤتمر مصغر لقيادات الشيعة الإسلاميين وغير الإسلاميين لتبادل وجهات النظر والتلاقي على الثوابت والمشتركات للطائفة الشيعية وبحث ما يجب بحثه للتوصل إلى تقريب وجهات النظر فيما يتعلق بمستقبل الطائفة الشيعية في العراق بعد نظام صدام حسين.

6- الاتفاق على الخطاب السياسي للمعارضة الإسلامية الشيعية.

7- الاهتمام بالمصالح الثقافية والسياسية للطائفة الشيعية بعد الإطاحة بالنظام القائم، ونبذ الطائفية السياسية في العراق من أي جهة كانت.

8- ذكر أتباع الديانات غير الإسلامية من اليهود والنصارى في الدستور القادم للعراق.

9- ذكر جميع المذاهب الإسلامية التي يتبعها مسلمو العراق كالشيعة الإمامية والمذاهب الأربعة، ويحترم فقههم ومراسمهم الدينية.

10- احترام حرية الصحافة وحرية الأحزاب في العراق وفق أسس صحيحة معمول بها في دول العالم المتقدم، واحترام خصائص الحزب الذي يريد ممارسة العمل السياسي علناً.

11- التأكيد على وحدة العراق أرضاً وشعباً وحكومة، والتأكيد في النظام القادم على علاقات حسن الجوار مع دول المنطقة، ونبذ أي نوع من أنواع التوتر.