آفاق توسع نطاق شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)

 

الأخبار المتداولة باهتمام اجتماعي على المستوى العالمي عن النجاحات الباهرة للخدمات الإعلامية، التي تقدمها شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، ما تزال موضع ضجة كبرى، ويثير اكتشافها مناسبة لما يمكن أن تصل إليه البشرية، من حالة تأثر من فعل التواليات السريعة للتقدم التكنولوجي، وعروض أجهزته الإعلامية الهائلة، التي كانت حتى الأمس القريب محض خيال يستحيل تحققه.

ثورة الانترنيت:

إن ثورة الانترنيت فاقت في اكتشافها، ثورات تكنولوجية سابقة كاختراع الراديو وثم التلفزيون في أول ظهورهما.. وهذا الانطباع المقارن بين الثورات التكنيكية، يدلي بميزة الإنترنت على غيره من المخترعات، بكونه قد تخطى الحواجز الجغرافية بخطوات تتسابق مع الزمن في أداء إعلامي أسرع - على وجه العموم - وينبغي أن لا يكون ذلك على حساب الدقة والمصداقية، وخصوصاً في مجال نقل الأخبار أو التعليق عليها، إذ بدأت شعبية الإنترنت تتزايد بين الجمهور، وتلك مسألة ينبغي أخذها بكل اعتبار، بسبب كون الإنترنت قد غدا وسيلة أكثر تقريباً لمسافات الاتصال، وروح التواصل المعلوماتي.

ولعل ما يميز هوية الإنترنت عن باقي مخترعات الإعلام، هو اعتماد الشخص العامل عليه على نفسه للوصول إلى المعلومة المرادة، مما يعني أن المشاركة بين ذلك الشخص وجهاز كمبيوتر الإنترنت، تتيح الفرصة لأن لا يكون المستهلك مستقبلاً فقط بل ومرسلاً أيضاً.

العولمة والإنترنت:

التساؤل المطروح اليوم أمام المجتمعات التي دخلت القرن الحادي والعشرين من أحد أوسع أبوابه الإعلامية.. والمقصود هنا - الإنترنت - يجب الوقوف عنده بتمعن شمولي، ولعل الموضوع في جوهره هو أكثر من توفر الإمكانية للحصول على جهاز كمبيوتر وخط هاتفي ومبالغ مال للاستفادة المتوالية من خدمات الإنترنت، فبعض الناس يتساءلون باستمرار هل إن ما يقدمه الإنترنت من مواد ومعلومات يتسم بالحياد والعلمية، وهل أن الجميع يستفيدون من خدمة الإنترنت بالدرجة المطلوبة نفسها.

ففي الدول المدعية نفسها بـ (الديمقراطية) وهي في أحسن الأحوال ذات ديمقراطية شكلية بلا مضمون حقيقي، ومعها البلدان المنطلقة لنيل الديمقراطية، يشاع فيما بينها، أن الإنترنت سيكون منطلقاً لنشر الديمقراطية في العالم، وسيساهم الإنترنت أيضاً مساهمة عظيمة في تطوير التوجه للمشاركة السياسية في الحكم وبدرجة متوقعة أكثر في البلدان النامية. وربما يشير ذلك إلى بدء الاعتماد على خدمات الإنترنت في العديد من المؤسسات والدوائر الرسمية في تلك البلدان كعربون على هذا الطريق.

ومع بروز حالة التفهم لمبادئ العولمة في العلاقات والاصطفافات الدولية، تسود بعض الآراء المتحفظة أحياناً، والمبينة أن النخبة، بشطريها النخبة البرجوازية والنخبة المالكة - من دون الطبقة المثقفة المفكرة - هي وحدها التي تستفيد من التكنولوجيا المتصاعدة ومنها جر خدمات الإنترنت إلى مشاريعها، فقد أضحت التكنولوجيا والثقافة صناعة متلازمة مع الاعتراف أن الإنترنت، شئنا أم أبينا، هو اختراع يعمم التبعية له ويعمل على تقديم الخدمة للأقوى، الذي هو الغرب بكل ما يوظفه لصالحه من إمكانيات مادية وفكرية وثقافية وإعلامية ومعنوية، كي تكون خطط سيطرته عبر عولمته قريبة المنال بصورتها الأخيرة.

الصحافة والإنترنت:

لقد أحدث الإنترنت حركة عارمة في عالم صناعة الصحافة، فغالبية الصحف العالمية تحجز موقعاً لها في شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت). أي إن منطقاً جديداً قد فرضته المنطلقات الصناعية الإعلامية المعاصرة المعتمدة على الانترنت، بعيداً عن المألوف والكلاسيكي والتقليدي، من أجل تبادل معلوماتي أفضل.. وإن شبكة الإنترنت مشاعة الآن بأكثر من (170) بلداً، ويتابعها ما يفوق (60) مليون شخص يعمل عليها في مختلف أصقاع العالم والجمهور يتوجه في هذه الحقبة الزمنية إلى الإنترنت للحصول على الأخبار والمعلومات والإعلانات ومصادر المعرفة في آن واحد، وجل ما يخشى من كل ذلك هو تراجع الأخلاق وتقهقر الآداب العامة أمام أخطبوط نمط الحياة الغربية التي تكاد أن تتفشى بثقلها الأنجلوساكسوني على شبكة الإنترنت.

وبغض النظر عما تجنيه الصحافة من فوائد كثيرة نتيجة اعتمادها على الكفاءات والتسهيلات التي يقدمها الانترنت، حيث المعطيات الصحفية الأوفر من المعلومات المتنوعة، وفتح باب الحوار أيضاً مع الغير من أجل الوقوف على جوانب الأحداث المختلفة في العالم، لكن كل ذك يرسخ اليقين فعلاً، بأن نمط الإنتاج الصحفي قد تغير وسيتغير أكثر لصالح الصحافة وثقافة الصحف. وبمعنى استكمالي فإن المختص في العمل على الإنترنت، أصبح في متناوله بنك من المعلومات وعلاقات مصدرية عديدة، تصب في قناة الثقافة والمعلوماتية.

التواصل بين الأفراد والمجتمعات عبر الإنترنت:

تؤكد المتابعات العامة أن شبكة الإنترنت هي أهم مصدر من مصادر الأخبار والمعلومات والعلوم والمعرفة، إذ يتناقل عبرها الكثير من عروض الصحف والمجلات ومحطات الإذاعة والتلفزيون، وكذلك وكالات الأنباء، التي تشكل بمجملها روافد مهمة للتواصل بين الأفراد في المجتمع الواحد، وفيما بينهم وبين المجتمعات الأخرى، أي إن شبكة الإنترنت تلعب دوراً رئيسياً حين تقدم الكم الهائل من المعلومات.. فهي شبكة وسيطة لمن يريد أن يعرف كيفية التأقلم مع الظروف الجديدة، التي مهدت لها الإعلاميات المختلفة، وسحبها الإنترنت إلى عصره. وبهذا يمكن القول إن رسالة الإنترنت ذات طابع شمولي يخوض بكل جدارة سلباً أو إيجاباً في أغلب المجالات المعنوية، التي تريد العولمة الغربية تجييرها لصالح مدرسة النظام الغربي المعروف بعدم البراءة، فيما يريده من المجتمعات الأخرى، كالإصرار على تصدير الثقافة الغربية الاستهلاكية إلى العالم، بغية التحكم بمصير البشرية وفقاً لمبدأ التبعية، المطلوب أن تجسده العولمة في جانبها السلبي، رغم أن تجارب الحياة أثبتت أن هناك استحالة تحول دون الركون إلى عملية تسطيح العقول، مهما كانت عملية تغليف المصداقية الخادعة محكمة.

الإنترنت والتعامل مع الكم الهائل للمعلومات:

إن الإنترنت ما زال في طور الممارسات الحرة، وإن المتعاملين مع كفاءاته لم يتخطوا بعد الهوة الممكن أن تؤدي بالسوية الأخلاقية إلى ما لا تحمد عقباه، ما لم يتم ترك أو هجران العروض الإعلانية المتعلقة بتشجيع عمليات الفساد والإفساد الحادثة نتيجة ما يسمى في الغرب بـ(توطيد الممارسات الحرة)..

فالإنترنت بمثل هذه الحالة يلعب دور الوسيط غير الأخلاقي - إذا جاز التعبير - لتمرير ظاهرة تجميل الفساد. ومعلوم أن الجمهور المتلقي للإعلام المتجاوب مع هذه الظاهرة السلبية المأسوف على دعاية الإنترنت لها ما لا يمكن عده بكونه جزءاً مؤيداً لتوجه المعلومات المعتمدة - كيفما اتفق - في عروض الإنترنت، كونها بضاعة رائجة ولا يمكن تجاهلها؛ إذ إن ما يفضل الاهتمام به حقاً بصورة طموحة، هو التنسيق الأجدى لغربلة غزارة المعلومات ومعالجة التحكم الأفيد في كمها الهائل، الذي يتزايد يوماً إثر يوم. فبدون الاهتمام المخلص لاختيار المعلومات النوعية، لا يمكن إحداث نقلة حقيقية من الثقافة النمطية السائدة إلى الثقافة الفاعلة المطلوبة.