من روائع علم الاصول.. الوصائل إلى الرسائل

الكتاب: الوصائل إلى الرسائل

المؤلف: الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)

الناشر: مؤسسة عاشوراء / إيران، بالتعاون مع مؤسسة الوعي الإسلامي / بيروت (15 مجلد)

عدد الصفحات: 6012

إصدار: 2002م

ليس من شك أن من تمكن من علم الأصول وتضلّع فيه، فهو كامل العدة والآلة لاستخراج الحكم الشرعي من دليله، ويستطيع الدفاع عن رأيه بمنطق الدليل والبرهان، وهذا هو عين الاجتهاد، وبذلك تبين أنه لا مجتهد بلا علم، بأصول الفقه، ولا عالم بأصول الفقه بلا ملكة الاستنباط، وأيضاً تبين أن معرفة الفروع دون الأصول ليست من علم الفقه في شيء حيث اتفق العلماء على أن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية، ومعنى هذا أن كل فقيه مجتهد، وكل مجتهد فقيه ولو بالملكة، وإن غير المجتهد ليس بفقيه.

هذا وقد برع الإمام الشيرازي (قدس سره) في تدريس الفقه والأصول ولم يكتف بالتدريس وحده، فقد قام بتدوين أبواب الفقه بصورة شاملة وكاملة حتى أصبحت موسوعته الفقهية بمثابة مدونة فقهية قلّ نظيرها من حيث السعة والعمق، وهي تحكي عن مكانته العلمية التي أخذت تظهر منذ أوائل حياته الاجتماعية.

يرى الإمام الشيرازي أن لعالم الدين مسؤولية كبرى، وأن من مسؤولية الحوزات العلمية إنجاب العلماء الواعين الخيرين، لذا صب اهتمامه في تطوير الحوزات العلمية التي أشرف على تأسيسها، وكان يرى أن التجديد والأصالة معاً كفيلان بتطوير الحوزة العلمية، فلا يجوز أن يأتي التجديد على حساب الأصالة أو العكس..

من هنا كانت مساعي الإمام الشيرازي (قدس سره) بتطوير المناهج الدراسية في الحوزة العلمية لتأتي مناسبة ومنسجمة مع روح العصر، فبعد شرحه للمكاسب للشيخ الأنصاري قام بشرح كتاب الرسائل بصورة موسعة، فجاء شرحه في خمسة عشر جزءاً، وهو بهذا العمل أسدى خدمة كبيرة للحوزة العلمية.

جاء في مقدمة الإمام الراحل (قدس سره) لشرح الرسائل:

لقد طالعت كثيراً من الكتب الحقوقية التي هي مبنى الحضارات المعاصره وإن كانت الحضارة المعاصرة كثيراً ما تنكّبت عن مبنى الحقوق الموضوعة، مثلها مثل من يقرر الديموقراطية في برامج عمله، ثم لا يعمل بها في حياته السلطوية، فرأيت أنها مبنية على الدقة الشديدة في استخراج الحقوق وفهم العرف والعادة.

دقة من جهة أصل الفهم.

ودقة من جهة فهم المقدّم من المتعارضين.

ودقة من جهة علاج المجمل، واستخراج المهمل من القواعد الأولية.

إذ الشيء على ثلاثة أقسام:

1- مقنّن صريح.

2- مقنّن مجمل.

3- مهمل في أصل التقنين.

والأول: قد يكون بدون المعارض، وقد يكون مع المعارض، والذي مع المعارض يحتاج إلى العلاج من الترجيح، أو الإبطال، أو قاعدة العدل، أو التخيير.

إذ قد يلزم الترجيح في مثل أن الزوجة لأي واحد من المتنازعين، وقد لا يصل القاضي إلى أحدهما ما يجبر بإبطال نكاحهما، أو ما يشبه الإبطال، كجبرهما على الطلاق ثم تزويجها لأحدهما، أو ما أشبه ذلك.

وقد يكون مال متنازع فيه، فيعمل بقاعدة العدل.

وقد يكون تخيير في الأمر كما إذا نذر ذبح شاة في النجف الأشرف أو كربلاء المقدسة، فيكون مخيراً.

وكل هذه الدقة المحتاج إليها بناء الحكم ابتداءاً واستمراراً في كل الأبعاد السياسية، والاقتصادية، والقضائية، والاجتماعية، والثقافية، والعمرانية، وغيرها بحاجة إلى أرفع مستويات التدقيق والتحقيق.

والفرق بين التحقيق والتدقيق؛ أن الأول: كشف الحق، بينما الثاني: الدقة في الأدلة.

فما هو الدليل: (الكبرى)؟ وما هو مصداق هذا الدليل: (الصغرى)؟.

ولا يخفى أن التدقيق في مقدمة التحقيق الذي هو كشف الحق، والمراد بالحق: أعم مما له مطابق في الخارج ماضياً أو حالاً أو مستقبلاً، أو ليس له مطابق وإنما هو اعتبار بيد المعتبر بحيث يوجب درك المصلحة ودرء المفسدة.

وليس في كتبنا الفقهية والأصولية ما يفي بغرض الدقة اللازمة في بناء الحكم أو استمراره، بمثل المكاسب والرسائل للشيخ الأعظم (قدس سره)، فهذان الكتابان هما الوحيدان اللذان سبقا جامعات العالم الحقوقية، في بيان المنهج، وكيفية الاستنباط لكل أبعاد الحياة.

ولهذا فإن نحتاج إلى فهم الكتابين لا في استنباط الأحكام الشرعية فحسب، بل في التفوق الحضاري على العالم، حسب (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)، فإن في فهمهما واستيعابهما كاملين، الدليل الملموس لتفوق المسلمين على العالم في بناء الحضارة الحديثة.

ولو أتيح للمسلمين ترجمة هذين الكتابين باللغات الحية، لأخذا مكانهما في أرقى مرحلة من المراحل الدراسية في الجامعات العالمية.

وبهذا تبين أن احتمال الغنى عن بعض مباحث الكتابين كبحث الانسداد وبحث العدالة، أو أن الطالب لا وقت له لدراسة الكتابين، ولكيلا يزاحم سائر مهامه التبليغية، والاجتماعية، وما أشبه. فاللازم التبعيض فيهما، أو التلخيص لهما، فإنه غير وارد إطلاقاً، فإن الانسداد يبقى منهاج الدقة فيه، وإن لم يقل شخص بالانسداد.

هذا، وليس الكلام أن كل الطلاب يحتاجون إليهما حتى يستشكل بالمزاحمة، وإنما الكلام فيمن يريد الوصول إلى آخر تطورات الفكر البشري في التحقيق والتدقيق، الذين هما مبنى الحضارة الحديثة، بل كل الحضارات الراقية.

فهل يا ترى من الصحيح: الإشكال على من يطلب العلم عشرات السنين للاختصاص في أغوار النفس، أو خصوصيات الجسم، أو أجواء الفضاء، للحصول على دقائق النفس، أو الجسد أو الفلك، بأن جملة من تدقيقاته وتحقيقاته لا أثر علمي لها، أو أن الوقت لا يسمح للإنسان بالجمع بين هكذا تحصيل، وبين مهامه الاقتصادية والاجتماعية ونحوهما؟.

يمتاز الكتاب ببساطة الشرح وسلاسة العبارة التي عودنا عليها الإمام الراحل (قدس سره) وعلى إيراده الكثير من الأمثلة لتقريب المقصود إلى الأذهان، في أثناء طرحه للآراء العلمية المختلفة للأصوليين، كما يحتوي هذا الشرح على رسائل مستقلة في قاعدتي لا ضرر والتسامح في أدلة السنن، كما امتاز هذا الشرح بتناول الإمام الراحل (قدس سره) لباب الانسداد..

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا