تاريخ الطب.. من فن المداواة إلى علم التشخيص

الكتاب: تاريخ الطب: من فن المداواة إلى علم التشخيص

الكاتب: جان شارل سورنيا

الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب/ الكويت سلسلة عالم المعرفة/الرقم 281 / ط1/ 2002.

يضع الفعل الطبي شخصاً ما باعتباره مريضاً أمام شخص آخر مشهود له بالقدرة والمعرفة. ولا تفلت واحدة من هذه المواقف من قبضة التاريخ: الرغبة في الشفاء مدفوعة بوجود ألم، أو وجود عيب ما في المظهر أو في وظيفة من وظائف الجسم يختلف تقديرها باختلاف المراحل التاريخية والثقافات والمجتمعات والأديان.

أما علاج المرض فيعتمد على تلك النظرة الخاصة للعالم المحيط بنا، وعلى المكان الذي يعيش فيه الإنسان، وكذلك على إمكان التأثير في المصير، وبالتالي على الطموح الإنساني في التغلب على الموت باعتباره موضوعاً أساسياً للقلق.

وعلى هذا يشكل تاريخ الطب وفلسفته موضوعاً مركزياً في الفكر العالمي الآن، والكتاب الذي بين أيدينا ليس الوحيد في مجاله، فهناك العديد من الكتب التي اتخذت من تاريخ العلم، ومن تاريخ الطب على وجه الخصوص، موضوعاً لها. وقد ظل تاريخ الطب، لفترة طويلة، مادة يهتم بها الهواة من الأطباء الذين يؤرخون لمهنتهم، أو يقدمونها كمادة تزيد من جاذبيتهم في أعين الجمهور من الطلاب أو المرضى. لكن الذي يلفت النظر في هذا الكتاب أن مؤلفه، وإن كان أستاذاً في علم الجراحة، فهو في الوقت نفسه كان رئيساً لجمعية تاريخ الطب الدولية، بما يعطي الكتاب مصداقية ثنائية، باعتباره طبيباً محترفاً ومؤرخاً محترفاً في آن معاً، وتتجلى هذه المصداقية في عناية المؤلف بتحديد ونقد العديد من المفاهيم والمصطلحات، بل والشخصيات الطبية الكبرى كذلك.

فنجده يرفض المصطلحات الأوروبية المتعالية مثل مصطلح (الطب التقليدي) ومصطلح (الطب الإثني). كما يعني بتوضيح (مفهوم المرض) وآليات انتقال هذا المفهوم من مجتمع إلى آخر، ومن حضارة إلى أخرى، وكيف يتحكم هذا المفهوم في فلسفة العلاج.

يطرح المؤلف سؤالاً جوهرياً حول بداية تاريخ الطب، رافضاً النظرة الأوروبية المتعالية وضيقة الأفق التي ترى أن تاريخ الطب يبدأ مع بدايات الطب الغربي الحديث، أي في القرن الثامن عشر، ، لأنه يعتقد أن الطب، وهو النجاح الأجمل في تاريخ البشرية، بدأ مع أول إنسان تألم وأول إنسان اجتهد لكي يخفف من آلام أخيه الإنسان، وبذلك يلتقي تاريخ (فن المداواة) مع كل من تاريخ العلم وتاريخ الإنسان، لتصبح كل ممارسة، تستهدف تخفيف آلام الإنسان – سواء كانت سحرية أو دينية أو علمية  جزءاً أساسياً من تاريخ الطب.

تؤكد هذه النظرة الشاملة لتاريخ المعاناة البشرية، وتاريخ مقاومة الإنسان لهذه المعاناة، إيمان المؤلف بأن الطب، الذي بدأ سحرياً ثم أصبح ممارسة علمية تقوم على الملاحظة والتجريب، لا يمكن أن يتطور بمعزل عن التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي. لذا يحاول جاهداً أن يربط بين هذا التطور وذلك التحول. إضافة إلى ذلك، يؤكد المؤلف أن الطب الغربي الحديث ذا الطابع العالمي ليس نتاجا خالصا لجهود الغرب وحده، بل هو نتاج الجهد التراكمي لكل الشعوب في كل مراحل التاريخ، حيث أسهم كل شعب، بحصته من المهارة ونصيبه من المعرفة، في إرساء دعائم هذا الفن الذي لا يعالج وفق منظومته سوى ثلث البشرية فقط، بينما يعالج الباقون وفق مبادئ ومناهج شديدة التباين، لكنها جمعياً تهدف إلى تخفيف الألم ورفع المعاناة عن الإنسان.

قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة عشرة فصلاً.. حملت العناوين الآتية على التوالي

ما قبل التاريخ – الطب الإثني – أركيولوجيا الطب – الأغريق مؤسسوا طبنا – العصر الوسيط في حوض الأبيض المتوسط – طب مختلف في الأمريكتين والهند والصين – التشريح في عصر النهضة – القرن السابع عشر العقلاني – طب الأنوار – التحول التشريحي الاكلينكي – طب المختبر – من أشعة أكس إلى البنسلين – إنفجار المعرفة والتقنيات.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا