يستطيع جاني جولفيرا ان يتذكر بوضوح رحلته الاولى بالطائرة كأنه قام بها أمس فهو يذكر لون الطائرة والرسائل التي سمعها وهو يجلس في حجر أمه.. كان يبلغ من العمر ستة اشهر فقط.

وأمضى جولفيرا (24 عاما) الذي وهبه الله ذاكرة مذهلة فترة مراهقته في تدريب عقله. وقال يمكنني تذكر اسماء مئة شخص تعرفت عليهم للتو ومجموعة من خمسة عشر ألف رقم، وأستطيع ترديد خطبة بعد سماعها مباشرة.

وتمسك العلماء بذاكرته الفوتوغرافية على امل ان تقودهم لكشف اسرار الجينات الوراثية المتعلقة بالذاكرة وتساعد في علاج امراض ضعف الذاكرة مثل الزهايمر.

لكن ما يثير اهتمام الباحثين بشأن هذا الشاب الايطالي أنه يشترك في هذه الموهبة الفريدة التي تمكنه من استرجاع قدر هائل من المعلومات مع والده وجده. والثلاثة يعملون طيارين ويتركون خرائط الطيران وكتب الارشادات في البيت ويذهلون الجميع بموهبتهم.

ويقول والد جاني اندريا جولفيرا (45 عاما) فلسفة اسرتنا تتمثل في ألا نعتبر انفسنا ظاهرة... نحن طيارون لكننا نبقي اقدامنا ثابتة على الارض.

غير ان الباحثين يحلقون عاليا في ما يتعلق باحتمالات تمكنهم من دراسة عقول هؤلاء الثلاثة الذين يمثلون ثلاثة اجيال من الذاكرة الفوتوغرافية.

ويقول عالم الاعصاب انطونيو مالغارولي من معهد سان رافاييل في ميلانو ان هناك مكوناً جينياً وراء ذلك. لكن بدراسة هذه الذاكرة الاكثر تطورا سنتمكن من التعرف على الجينات المتعلقة بالذاكرة.

ويعتبر آل جولفيرا ذاكرتهم أمراً مسلماً به. فيقول اندريا أن تتذكر هذا امر طبيعي مئة بالمئة، لكن عندما تدرك ان غيرك لا يتذكر هنا تكتشف ان هذا امر خاص.

وكان الجد بارتولوميو (82 عاما) طيارا بارزا اثناء الحرب العالمية الثانية، فقد وضعته ذاكرته في درجة متقدمة على اعدائه.

أما جولفيرا الصغير فنشأ مذهولا من السرعة التي ينسى بها الناس ويظل هو متذكرا كل شيء. وكان يثير غضب مدرّسيه بعدم كتابته للدروس. لقد كان يتذكرها.

وركز اهتمامه على ترجمة كتاب لجوردانو برونو عن فن الذاكرة من اللاتينية وحفظ كل الكتب التي قرأها برونو.

ويقول لكل فكرة وزن نسبي ولكي تتذكر عليك ان تحول الافكار الى صور لا وزن لها.. بعد ذلك تمزج الصور وتربط كل الافكار بعضها ببعض حتى تتفاعل.

وطوّر جولفيرا أسلوبه الخاص في التذكر بتحفيز الاسلوب الذي يعالج به العقل المعلومات... بربطها بالاصوات والالوان والانفعالات والطعم.

ويقول الذاكرة مسألة تتعلق بالتنظيم لا بالمساحة. عليك ان تعرف اين تبحث عما تريده.

لكن يقول جاني لدي مشكلة في تقبل الزمان والمكان لأن كل ذكرياتي متاحة على الفور.. الموت مفهوم غريب بالنسبة لي لأن ذاكرتي لا تخبو عندما يموت انسان فإنه بالنسبة لي كما لو كان غيّر عنوانه.

يتذكر جولفيرا اللحظات الجميلة بنفس القوة التي يتذكر بها كل سيئ وقبيح يمر به. ويقول أود لو أتمكن من التحكم في ذاكرتي والسيطرة على أحلامي... أرى العقل باعتباره عالماً موازياً وعقلي يواصل توسعه، أخشى ألا أتمكن من ملئه أبداً. (رويترز)