سيصدر قريباً عن مركز الأمام الشيرازي للبحوث والدراسات

البيئة والتلوث البيئي.. رؤى إسلامية معاصرة

لاشك أن البيئة تعد المحيط الخصب الذي أودعه الله تعالى كل ما يمكن أن ينفع الإنسان فيما لو أحسن استغلال ذلك المحيط، ولم يجر عليه، إذ لا يتوقع حينها أن يحصل على تلك الكنوز المودعة.

لكن الحاصل هو أن هناك زيادة مطردة في مقدار طغيان الإنسان على محيطه، تتماشى جنبا إلى جنب مع التقدم العلمي والتكنولوجي الذي صرنا نشهد له طفرات أشبه بالخيال.

لقد باتت مسألة البيئة وكيفية الحفاظ عليها من أهم المسائل التي تشغل بال كل إنسان، لازال يحسب لبيئته حسابا، بما دفع المهتمين بمثل تلك القضايا إلى عقد المؤتمرات، والندوات التي من شأنها أن توعي البشر بخطورة المسألة، والتدابير التي يمكن أن تتخذ للحد من تدمير البيئة. علاوة على ذلك قدمت دراسات وبحوث كثيرة لنفس الغرض الذي مر ذكره.

وكخطوة في هذا الطريق أصدر مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات دراسة بعنوان (التلوث وحماية البيئة رؤية معاصرة) تناولت موضوعات عدة ابتداء من تحديد ماهية البيئة، مرورا بأنواع التلوث التي تتعرض لها، وانتهاءا بمجموعة من التوصيات والنتائج.

إن الأساس الذي بني عليه الكون هو التوازن في كل شيء، لذا اعتبرت الدراسة التجاوز على البيئة من قبيل الإخلال بتلك التوازنات، قائلة " فإننا نعتدي على مفهوم سام نطلق عليه اسم التوازنات البيئية، وكذلك نعتدي على الأجهزة الدقيقة في نظام الكون كله، بطرق ونتائج لايتاح لنا في اغلب الأحيان السيطرة عليها ".

حددت الدراسة أهدافا ثلاثة للبحث من ضمنها التعرف على الرؤية الإسلامية لمشكلة التلوث البيئي، وتوجيه الأنظار إلى الأخطار المحدقة بالبيئة حاضرا، ومستقبلا، والحث على تواصل الدراسات المستقبلية التي تتناول الموضوع مورد الدراسة.

بعد عرضها للتعريفات التي قدمت للتلوث ساقت الدراسة تعريفا للظاهرة هو " تغييرفي الخواص الفيزيائية، والكيمياوية، والبيولوجية المحيطة بالإنسان... والذي قد يسبب أضرارا بحياة الإنسان، والكائنات الحية، أو قد يسبب تلفا في العمليات الصناعية، واضطرابا في الظروف المعيشية بوجه عام، أو إتلاف التراث والأصول الثقافية، كالمباني، والمنشآت الأثرية والمتاحف ".

ماتقدم كان مجملا لما ورد في الفصل الأول من الدراسة، أما الفصل الثاني منها فقد خصص للبحث في أنواع التلوث البيئي الذي حصرته الدراسة بالأنواع الغالبة التالية:

 تلوث الهواء

 تلوث المياه

 تلوث التربة

 التلوث السمعي والبصري

 التلوث بالأمطار الحامضية

 بالإضافة إلى التلوث الإشعاعي.

 في حين اعتبرت الأنواع الثلاثة الأولى منها، بأنها أهم مواطن التلوث لكونها ـ الهواء والماء والتربة ـ تمثل " المكونات الرئيسية الثلاثة لعناصرالحياة في كوكبنا الأرض ".

فمن ضمن النصوص التي سيقت لضرورة حماية الهواء من التلوث عن رسول الله ص:

 "الريح من روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، واستعيذوا من شرها "

أما تلوث المياه فقد استندت الدراسة في عدم جواز تلوثها إلى النهي القرآني الوارد في قوله تعالى: ( كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )، بالإضافة إلى ماورد في السنة الشريفة. ثم أنها أوردت نصوصا تنهى عن تلويث التربة من قبيل ما ورد عن الإمام علي (ع):

 " فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ".

وهكذا تسير الدراسة على نفس الوتيرة في عرض أنواع التلوث طارحة الآراء المعاصرة، والرؤية الإسلامية للمشكلة ومعالجتها.

أما الفصل الثالث من الدراسة فقد عقد لموضوع انعكاس التلوث على البيئة الإجتماعية، حيث عرضت لمفاهيم البيئة، والتلوث، والمجتمع وذلك لكونها ـ حسب الدراسة ـ " تترابط في المبنى وفي المعنى، حيث تأثير الثلاث في جدلية مترابطة، لاسيما أن التلوث البيئي يتجسد على المستوى الإجتماعي بتدهور الصحة البشرية والتغير النوعي لظروف الحياة، والتي تنعكس في الميادين المختلفة ".

لم يستثن البحث أيا من المجتمعات سواء الصناعية منها، أم النامية من تأثير هذه الظاهرة الخطيرة، كما أنه لم يستثن أحدا منهما من حيث مساهمته في الظاهرة، اللهم إلا بمقدار نسبة تأثير كل منهما في ذلك باعتبار الأدوات التي يتعامل بها كل من المجتمعين المذكورين.

من العناوين التي تضمنها الفصل المتقدم كان عنوان البيئة الإجتماعية وخطر التهديد بالتلوث النووي والمناخي، حيث عرضت الدراسة بالإضافة لمسألة التنبيه إلى مخاطر التلوث النووي، إلى المؤتمرات التي عقدت على فترات متعاقبة من أجل بحث ودراسة الأخطار الناجمة عن التلوث النووي، والمواثيق التي صدرت عنها، كالميثاق الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1982، ومؤتمر ريودي جاندو 1992، إلى غير ذلك من المواثيق والمعاهدات الدولية.

وحوى الفصل الرابع من الدراسة على النتائج التي توصل إليها ومناقشتها، وعلى التوصيات، والخاتمة.

فقد استفتح الفصل بالقول: " على ضوء ما تقدم في البحث، فإنه بالإمكان التمعن بالنظرة المستقبلية للبيئة، والتلوث البيئي من خلال ثلاثة محاور، وخطوات أساسية وهامة هي " :

1ـ يجب تحسين الموقف بالنسبة لقضية التلوث وذلك من خلال الإقلال من انبعاث المصادر الرئيسية للتلوث، وخاصة في المناطق التي أصبحت فيها طاقة البيئة على الإستيعاب مرهقة بدرجة واضحة.

2ـ يجب أن تكون المبادرة في إجراء البحوث الملائمة لكل المناطق التي يبدو فيها خطر كامل، ووضع الأسس الملائمة للعمل في المستقبل.

3ـ الإسراع في اتخاذ اللازم حيال حالات التلوث الخطيرة.

وبعد التوصيات التي تقدمت بها الدراسة خلصت إلى أن مسألة الحفاظ على البيئة إنما تتعلق بوعي الإنسان، فالحفاظ عليها " يعني الوعي الكامل بأن البيئة ذات قدرة استيعابية، وتجددية محدودة، فإذا حدثت مغالاة في استغلال الأجزاء المكونة للبيئة الطبيعية، أو في استغلال معالم البيئة المبدعة "

يجب في تعاملنا مع الظاهرة " أن نتحكم أولا في أنفسنا، إما عن طريق التشريع، أو عن طريق التوعية، والإقتناع، وهذا الرأي يتجسد في حقيقة يجب قبولها كقضية مسلَّم بها وهي ": أنه لامفر من وجود درجة معينة من التلوث في كل زمان، ومكان، وأن المهم في الأمر هو استحالة التلوث قضية لا يصح السكوت عليها في عقلية الإنسان.

أرشيف الأخبار  |  الصفحة الرئيسية  |  اتصلوا بنا