عودة إلى صفحة مكتبة النبأ

إتصلوا بنا

شارك في الكتابة

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

من أخلاقه

تكلم عنه أحدهم قائلاً (كان الإمام محمد الشيرازي (قدس سره) محمديّ الأخلاق والسيرة، علويّ الجهاد والمسيرة) هنا لا بأس بذكر بعض مما عُرف عنه من محاسن الأخلاق:

1- احترامه لجميع الناس

وعلى الخصوص طلبة العلوم الدينية، فلقد كان يقوم لأصغر الطلبة، بل ولأي فرد كان ولو كان من عامة الناس، وبقي على هذه العادة حتى آخر حياته حتى منعه الأطباء عن القيام والقعود إثر السكتة القلبية التي أصابته ولقد بلغ في هذه الصفة مبلغاً عظيماً لدرجة أن من يزوره يشعر بنفسه وكأنه شخص عظيم بسبب الإحترام والتقدير الذي لاقاه من سماحته (رحمه الله) وكان يشجع من يزوره على تحمل المسؤولية واقتحام الصعاب والميادين من أجل الدين والإسلام.

2- التواضع:

فقد كان من تواضعه اختياره الوسط في جلوسه في الغرفة لا في صدرها. ومن تواضعه أنه لم يكن أحد يسبقه بالسلام، وكذلك من تواضعه عدم مشاكسته جليسه في الكلام، وعدم رفضه لأحد طلباً فإذا لم يعجبه موقف أو كلام أو خصلة من جليسه التزم الصمت فأشعر جليسه بذلك دون أن ينهره، وكان التواضع سجية فيه لا تكلفاً ولا تصنعاً، فنظراته كانت هادئة لا حادة، والتفاتاته كانت طبيعية لا مستفزة، ومشيته كانت متواضعة ورزينة حتى أنك ترى صفة التواضع ظاهرة عليه حتى في صوته ونبراته.

3- تفقده للناس من حوله:

كان يتفقد أخبار ومشاكل وأسفار وأمراض من حوله، فإذا غاب أحدهم سأل عنه، وإذا حضر تفقد أهله وأولاده، وإذا مرض عاده، وإذا قطعه زاره.

4- سماحته وعفوه:

لقد أخطأ البعض بحقه، ولم يعرف قدره كثيرون، فقد جهل عليه البعض، واغتابه البعض الآخر، ومّرت الأيام وظهرت مظلومية الإمام السيد الراحل (قدس سره) للكثير، فكان يأتيه نادماً معتذراً ليبرأ ذمته تجاه السيد في يوم الحساب، ولم يكن سماحة السيد الراحل (قدس سره) يسمح لهم بالإستمرار في اعتذارهم كي لا يرى ذل انكسارهم في وجوههم، وكان يقول: أستغفر الله تعالى، وأما حقي فقد أسقطته وعفوت عنك، ثم يبدأ بالسؤال عن أحواله وأوضاعه وشؤونه، وربما يشجعه على العمل.

5- المثابرة على العمل:

فقد كان يعمل في بعض الأحيان عشر ساعات متواصلة بدون ملل أو كلل، فإذا كان يجلس للتأليف ربما جلس ثماني ساعات متواصلة، وإذا جلس للحوار والإقناع جلس عدة ساعات متتالية وهكذا، وقد ذكر أنه ألف كتابه ( الوصول إلى كفاية الأصول ) وهو شرح على الكفاية في شهر رمضان المبارك وكان يجلس للتأليف فيه من بعد الإفطار حتى قبيل أذان الفجر، ولا يقوم من مجلسه إلا مرة أو مرتين لتجديد وضوئه.

وبالجملة فإن سماحة المرجع الراحل (قدس سره) قد امتاز بالأخلاق العالية، والتي يعجز الإنسان أن يذكر كلّ صفاته في هذه السطور، وما ذكرناه ليس إلا قليلاً من كثير، ونقطة من بحر.

إنه كان يقابل الإساءة بالإحسان، كما ذكر القرآن الكريم ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) وهو بحق كان يمثل تعاليم الرسول (ص) وتعاليم أهل البيت (ع)، وذكر القصص في هذا المجال كثيرة لا يسعها هذا المختصر.

6- زهده:

لم تكن الدنيا لدى سماحة المرجع الراحل (قدس سره) تعني شيئاً بمقدار ما كان في ذهنه العمل للإسلام العظيم وخدمة الشريعة الغراء، فلم تكن الدنيا بالتي تغري هذا العظيم فحياته هي ترجمان لما يؤمن به.

فهو الرجل الذي لم تغيره الحياة بعد إقبالها عليه فهو كما كان قبل المرجعية وبعدها.

ففي كربلاء المقدسة كان بيته المتواضع الذي لم يتجاوز السبعين متراً هو بيته قبل الزواج وبعده، حتى بعد ما كثر أولاده، وكذلك حينما هاجر إلى دولة الكويت عاش في شقة صغيرة  وهو صاحب العائلة الكبيرة، فلم يكن عنده حتى مكان للتأليف، وكان سرير الأطفال ذو الثلاثة الطوابق هو مكان تأليفه، وهو المرجع الديني.

ولما هاجر إلى قم المقدسة سكن في بيته المتواضع حتى آخر حياته، هذا البيت القديم والذي قد تداعى من بعض جوانبه، بقي في هذا البيت القديم المتواضع حتى آخر لحظة من حياته. وكان يستقبل زواره في غرفة مساحتها ثلاثة أمتار. وأما عن لباسه فكان كثير الرقع، ولم يكن لباس مرجع يرجع إليه الألوف من الناس، حتى أن الخياط الذي كان بالقرب من منزله رفض في مرة من المرات إرجاع قبائه لكثرة ما رقعها، وخاط له قباءاً جديداً، حتى  أن نظارته التي كان يستخدمها للقراءة والكتابة كسرت مرتين فقام بإصلاحها بالشريط اللاصق ولم يستبدلها بواحدة أخرى جديدة، وهي موجودة إلى الآن.

لقد كان يرفض استبدال أثاث بيته من فراش أو ستارة أو ما أشبه ذلك.

وكان ينام على الأرض حتى قبيل وفاته بخمسة أشهر حيث وضع له سرير خشبي بسيط، لشدة ما كان يتعرض له من آلام متواصلة في رجله، مما كان يعجزه عن القيام والقعود على الأرض.

وقد ذكر أحد أولاده أنه في أحد أيام الشتاء القارس توضأ والدي للصلاة بالماء البارد، فجئت بعده إلى الميضاة ولما فتحت الحنفية وجدتها تدرّ بالماء الساخن فقلت له: الماء الساخن شغّال، فقال: لا داعي له.، فعرفت أنه يتعمّد التوضؤ بالماء البارد.

ويكفي أن تعرف بأنه خرج من الدنيا وهو لا يملك شيئاً غير ثيابه التي عليه، حتى بيته ليس ملكاً له بل هو مستأجر، وقد كان في الأساس قد أهداه إياه أحد مريديه ولكنه أوقفه وجعل يدفع عليه أجرة، وأتذكر مرة من المرات فيما كنت ذاهباً لزيارته قال لي فجأة ودون سابق حديث: لا تركب سيارة فخمة، ولا تسكن بيتاً فاخراً، فإن الناس لا تنظر لرجل الدين الذي من هذا النوع نظرة احترام، وبالتالي لا يؤثر كلامه فيهم.