عودة إلى صفحة مكتبة النبأ

إتصلوا بنا

شارك في الكتابة

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 
 

لماذا التهجم على الإمام الشيرازي ؟

إن التهجم على الصالحين من أنبياء ورسل وأئمة ليس ذلك شيئاً جديداً، فقد قال القرآن الكريم ( وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) (الحجر/11) وفي سورة  يّس قال تعالى: (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون) إلى غير ذلك من الآيات، فليس جديداً كيل التهم، وأذية الرسل والأنبياء، فإن النبي محمد (ص) على عظمته وجلال قدره قد أوذي في سبيل الله أذية  لم يؤذَ نبي مثلها فقد جاء في الحديث ( ما أوذي أحدٌ مثل ما أوذيت في الله )، فقد قال تعالى في سورة التوبة /61 ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) وفي سورة الصف /5 ( يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ) إذن ليس بدعاً التهجم وكيل التهم على العلماء إذا كان الرسل والأنبياء لم يسلموا منها .

ولنذكر بعضاً من الإفتراء على بعض العلماء والكبار في التاريخ، لكي تتضح لنا الصورة جلية، ولتعرف بأن مهاجمة السيد الإمام الشيرازي (قدس سره) ما هي إلا ضمن سلسلة كانت موجودة ولا زالت في تاريخ الأمة - مع الأسف الشديد، وهي كالتالي :

1- الشيخ البهائي (قدس سره):

اتهم بالفسق بل قيل بأن قراءة كتبه سبب كافٍ  لتفسيق قارئها، ورد شهادته، كما اتفق ذلك في بعض مجالس القضاء، حتى أنه قال (ره) : ( وآل الأمر أن تصدى لمعارضتي كلّ جاهل وجسر على مباراتي كلّ خامل).

2- الشيخ المفيد (رضوان الله عليه):

فقد قال أعداؤه : (كان ضالاً مضلاً هو ومن قرأ عليه ومن رفع منزلته).

3- العلامة الحلي (قدس سره):

قيل عنه (هُدِم الدين مرتين إحداهما ..... وثانيهما يوم ولد العلامة)!!

4- ابن إدريس الحلي صاحب (السرائر):

اتهم بأنه (مخلط لا يعتمد على تصانيفه) وأيضاً عبّروا عنه بأنه ( الشاب المترف) بالرغم من مكانته العلمية حتى قال عنه  منتهى المقال : ( كان شيخ الفقهاء بالحلة متقناً في العلوم كثير التصانيف).

5- السيد هاشم البحراني صاحب (المعالم الزلفى):

وصاحب (الربهان في تفسير القرآن) وغيرهما، هاجم بعضٌ كتابه (ترتيب التهذيب) مسمياً له بـ (تخريب التهذيب).

6- فخر المحققين الحلي :

فقد رشقوه بوابل من التهم ونغّصوا عليه حياته حتى اضطر للهجرة والنزوح إلى أراضي آذربيجان، حتى أنه قال : ( فبكيت بكاءاً شديداً وشكوت إليه - أي إلى والده العلامة الحلي - قلة المساعد، وكثرة المعاند، وهجر الإخوان، وكثرة العدوان، وتواتر الكذب والبهتان حتى أوجب لي ذلك جلاء الأوطان والهرب إلى أرض آذربيجان، فقال لي اقطع خطابك فقد قطعت نياط قلبي، قد سلمتك إلى الله فهو سند من لا سند له).

7- المرجع الكبير آية الله العظمى السيد محسن الحكيم:

وهو المرجع الأعلى في زمانه، اتهم وعلى شاشة التلفزيون بالإرتباط بالإستعمار وبالتجسس وكما اتهم نجله بذلك، وبدأوا يشيعون حوله مختلف الأكاذيب والتهم والإفتراءات حتى لقد أصدروا منشوراً تحت عنوان (آراء الوهابية تتجلى في فتاوى الحكيم) ووزعوه على نطاق واسع .

8- آية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي (صاحب العروة):

فقد اتهم كاتب معروف في كتاب صدر له في الآونة الأخيرة صاحب (العروة) بالإرتباط بالإستعمار الإنجليزي .

وما أسهل أن يكيل من لا ضمير له العلماء بالتهم الفاسدة والباطلة، ولكن ما أصعب إقامة الأدلة عليها، وهذا من أساليب الإستعمار، فإنه يحاول تشويه صورة العلماء، حتى تنفض الأمة عنهم، لكي تصبح غنيمة باردة لذئابهم .

ما مضى كان حول كيل التهم، وعلى صعيد آخر ذكر التاريخ محاولة التنقيص من المكانة العلمية للعلماء ومراجع التقليد، نذكر شطراً منها كما يلي :

1- آية الله العظمى السيد جواد العاملي صاحب ( مفتاح الكرامة):

فقد ذكر أن صاحب رياض المسائل رحمه الله ينكر فضيلته العلمية .

2- أستاذ الفقهاء والمجتهدين الشيخ مرتضى الأنصاري:

فقد كان السيد محمد باقر الشفتي صاحب (مطالع الأنوار ) لا يرى إجتهاده، وذلك في إبان بلوغ الشيخ الأنصاري درجة عليا من الإجتهاد، كما صرح بذلك آية الله الملا أحمد النراقي صاحب (المناهج).

3- العلامة الحلي :

حيث طعن مجموعة في إجتهاده مستدلين بكثرة مؤلفاته واستعجاله في التصنيف وقال إذن هو ليس بمجتهد، على الرغم من المنزلة العلمية التي للعلامة الحلي، فهي أشهر من نار على علم .

4- شيخ الطائفة الشيخ الطوسي :

فقد طعن عليه بما يقرب من ذلك حيث قيل عنه (كان كثير الإختلاف في الأقوال، وقد وقع له خبط عظيم في تمحله للإحتمالات البعيدة والتوجيهات غير السديدة، وكانت له خيالات مختلفة في الأصول).

5- ابن إدريس الحلي :

فقد قال عنه في ( المختلف ) : ( وهذا جهل منه - يعني من ابن إدريس - وقلة تأمل، وعدم تحصيل، وذلك لقصور فهمه وشدة جرأته على شيخنا ).

6- الشيخ محمد حسن النجفي ( صاحب الجواهر):

فقد شكّك بعض المعاصرين له وهو من المدققين في أصل اجتهاده رغم أنه كان قد أتم دورة الجواهر حينذاك، حيث رفض حكم صاحب الجواهر قائلاً له: (ثبّت العرش ثم انقش ) وما ذكرناه قليل جداً من كثير، فما أكثر العلماء ومراجع التقليد الذين حوربوا وكيلت لهم التهم، وطُعن في أصل اجتهادهم، ولكن نكتفي بما ذكرناه، لتتضح الصورة جلية .

وما ذكرناه مذكور في :

1- أعيان الشيعة

2- الروضات (روضات الجنان).

3- لؤلؤة البحرين.

4- جواهر الكلام، في بعض الأجزاء كـ(ج32 ص394).

ومذكور في غيرها من الكتب .

فهل بعد ما عرفناه من الإستهزاء بالرسل وأذيتهم وإتهام العلماء، والتنقيص منهم، هل بعد كل ذلك نستغرب التهجم على الإمام السيد الشيرازي (قدس سره) ؟! كلا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

ويمكن مع ذلك تلخيص الأسباب فيما يلي :

1- الجهل :

فقد روي عن الإمام علي (ع) : (الناس أعداء ما جهلوا) وجاء عنه (ع) : (من جهل شيئاً عابه).

فإن الإنسان حينما لا يعرف شخصاً على حقيقته ربما يعاديه، ومن تكلم على الإمام السيد الشيرازي (قدس سره) كان أكثرهم لا يعرفونه ومن عرفه أحبه وقّدره واحترمه، وتاب مما عمله سابقاً، والكثير الكثير من الذين تهجموا على الإمام السيد (قدس سره) ولكن حينما زاروه  اعتذروا إليه وصاروا من أصدقائه ومحبيه .

2- الحسد :

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : ( إن الله عز وجل يعذب ستة بست : العرب بالعصبية، والدهاقنة بالكبر، والأمراء بالجور، والفقهاء بالحسد، والتجار بالخيانة، وأهل الرستاق بالجهل ) وفي بعض الروايات ما مؤادها أن

النسبة الكبيرة من الحسد هي بين العلماء، ولكن ليس العلماء الربانيين، بل هم علماء الدنيا، أما الورعون والمتقون فهم يغبطون ولا يحسدون، وعلى كل حال إبتلي الإمام السيد الشيرازي (قدس سره) بكثرة الحُسّاد أيضاً لكثرة كتبه التي تجاوزت الـ (1500) ومشاريعه الكثيرة التي تجاوزت الـ 750 مشروعاً وإنجازاته، فكالوا له شتى صنوف التهم والتلفيقات .

3- الإستعمار :

فإن عائلة الإمام الشيرازي (قدس سره) قد قارعت الإستعمار في مختلف الميادين وعلى مر الأزمان منذ نشأتها وابتداء من قصة ( التنباك) المشهورة و(ثورة العشرين) المباركة وانتهاء بالنهضة العالمية للسيد المرجع الراحل (قدس سره) وكثير من أعلام هذه العائلة هم من العلماء المجاهدين، لذا كان من الطبيعي ونتيجة لتلك الحملة التثقيفية والفكرية والعملية الواسعة ضد الإستعمار أن يجند المستعمرون كل طاقاتهم وأجهزتهم للقضاء على الإمام السيد الشيرازي (قدس سره) وتحطيم خطه وفكره أو على الأقل حصر فكره ونهجه في دائرة معينة ومحددة ) - أضواء على حياة الإمام الشيرازي .

4- المرجعية بداية وإنطلاقاً :

فإن الإمام السيد الشيرازي (قدس سره) طرح نفسه مرجعاً في سن وعمرٍ ليس مألوفاً لدى الأعراف العامة وهي سن ثلاث وثلاثين سنة، بالإضافة إلى كثرة المشاريع والكتب، فوجد أعداؤه ومناؤه من حساد وجهال ومستعمرين مغمزاً عليه للتشنيع من خلال العمر وما تبع ذلك مما قلناه . فمرجعية الإمام السيد الشيرازي (قدس سره) خرجت عن المألوف، وكانت نشيطة إلى أبعد الحدود حتى أنه فاق من تقدم عليه في العمر في التأليف والنشاط غير العادي، فصارت هناك مخاوف لا مبرر لها . حيث أنهم لم يعرفوا من هذا الإنسان العظيم الذي حطّم الرقم القياسي في التأليف والنشاط، وبهذه المناسبة أنقل شيئاً ذكره سماحة المرجع الراحل (قدس سره) في كتاب ( الدولة الإسلامية) من (الفقه) الجزء رقم (101) في معرض حديثه عن معرفة خطط الأعداء، فقد ذكر شيئاً من أساليب الكفار والمستعمرين فقال (ره) : (اغتيال الشخصية بإلصاق أنواع التهم بالأشخاص ذوي الأثر لإسقاطهم في أعين الناس، وكل يذكر كيف كان الشيوعيون والقوميون - والملكيون في إيران - وغيرهم يلصقون التهم بالعلماء والمجاهدين وغيرهم بأنه يأخذ الأموال من الأجانب، كما اتهموا السيد الحكيم (رحمه الله) بأنه عفلقي، وأن ولده جاسوس، إلى غير ذلك من الإتهامات التي لا تكون غائبة عن الأذهان، والكفار والمنافقون اليوم أحفاد أولئك الكفار والمنافقين الذين كانوا يقولون عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): (أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً ) وأولئك الذين كانوا يقولون إن علياً (عليه السلام) لا يغتسل من الجنابة ولا يصلي، وإن الحسين(عليه السلام) خارجي إلى غير ذلك، وطريق الإتهام سهل إلى أبعد حد، وقد رأيت أنا مكرراً من هذا النوع .. فالإتهامات على شكلين :

الأول : الإتهام بشيء مشين بالشخصية.

الثاني : الإتهام بشيء يوجب التشويش حول الشخصية) إنتهى كلامه رفع مقامه، ولقد استطاع سماحته (قدس سره) بأخلاقه العالية أن يثبت للآخرين بأنه في أعلى درجات الورع والزهد، والعلم، فلم يوقف عزيمته أي شيء حتى آخر لحظات حياته الشريفة.