الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

العنف والارهب رؤية غربية امريكية

 

فرانسيس فوكوياما

الخطر الإسلامي في أوروبا أكبر من مثيله في الولايات المتحدة

هذا نص مقابلة أجراها تقرير واشنطن مع المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما.

* عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، قيل إن العالم تغير في ليلة واحدة! ومنذ عدة سنوات كتبت كتابا بعنوان (نهاية التاريخ) وفيه أشرت إلى أن نموذج الديمقراطية الرأسمالية الليبرالية هي محطة النهاية في حركة التاريخ الإنساني. هل الليبرالية الغربية الآن في مرحلة صدام مع الإسلام الراديكالي؟

فرانسيس فوكوياما: (نحن في مرحلة حرجة الآن من التاريخ الإنساني، من معالمها انتشار الديمقراطية والأفكار الليبرالية بصورة غير مسبوقة. ولكنها في نفس الوقت تتعرض ومنذ التسعينات وحتى الآن تتعرض لهجوم في مناطق عدة. الإسلام الراديكالي يمثل فقط أحد صور هذا الهجوم، وهناك جبهات صراع آخر ضد الليبرالية في روسيا وبعض أمريكا اللاتينية. ورغم وجود المشاكل التي تتعرض لها الليبرالية، فإنني أعتقد أن نظريتي مازالت صحيحة. فإذا أردت أن تكون مجتمعاً حديثاً، فليس هناك من البدائل سوى اقتصاد السوق، والديمقراطية السياسية).

وأعتقد أن التهديد الإسلامي هو تهديد حقيقي من ناحيتين (ليس منها أن الإسلام يقدم بديلاً حضاري مقبول يجذب مجتمعات إنسانية متقدمة لتبني أسلوب حياتها أو العيش فيه)، فلا يريد أحد أن يعيش في أفغانستان تحت نظام الطالبان، ولا في المملكة السعودية... فهم ليسوا روس ولا هم أمريكيون ولا يابانيون من يقبلون بهذا النوع من نظم الحكم، لكن الخطر الحقيقي المستقبلي من الإسلام يتمثل في جانبين أساسيين:

الأول: أسلحة الدمار الشامل وإمكانية وقوعها في يد جماعات صغيرة تستطيع من خلالها تحقيق دمار كبير للقوى الكبرى.

الثاني: وجود أقليات إسلامية ضخمة في أوروبا وروسيا وليس بالصورة نفسها في الولايات المتحدة، التي يبدو من الصعوبة بمكان تأقلمها مع نمط الحياة في المجتمعات الغربية الليبرالية. وأؤكد أن نموذج المجتمعات الليبرالية هو البديل الأفضل... ونحن نعيش جميعا في مجتمعات متعددة ثقافيا، والعولمة بمعناها الجديد تزيد من مستوي التفاعلات الثقافية، ومعها لا أرى أنه بأمكان هذه الجماعات المختلفة ثقافيا يمكن أن تتعايش بسلام في أي مجتمع إلا أن يكون مجتمعاً ليبرالياً ومتسامحاً.

* يرى الكثيرين أن المجتمعات الليبرالية الغربية مجتمعات غير إنسانية، فهناك نسبة ضئيلة من المواليد، وكذلك نسبة كبيرة من الشاذين جنسيا Homosexual، وانتشار مرض الايدز. في الناحية الأخرى، تتمتع الدول الإسلامية بمجتمعات شبه خالية من هذه الأمراض، يصاحبها ارتفاع نسبة المواليد. وبهذه الصورة يبدو الإسلام هو المستقبل لأن الديمقراطية الليبرالية ستقتل نفسها خلال 200 أو 300 سنة، ما هو رأيك في وجهة النظر هذه؟

فرانسيس فوكوياما: ما تم ذكره هو معايير مختارة بعناية، لكن هي معايير غير معبرة عن حقائق كثيرة في المجتمعات العربية، فالدول العربية يمكن أن تنتج الكثير من الأطفال!! لكن من ناحية إجمالي الناتج القومي الإجماليGDP فلا تنتج الدول العربية مجتمعة مثلا ما تنتجه دوله بحجم أسبانيا. والدول العربية لا تستمتع بحياة سياسية سعيدة، وكل الدول العربية تقبع تحت نظم الحكم الاستبدادي. ولا يوجد هناك فرص للمشاركة السياسية، وكل المجتمعات منغلقة في مختلف أوجه الحياة السياسية. وإذا كان معيار عدد المواليد هو المعيار وليس ديناميكية الحياة نفسها، ولا مستوى التطور التكنولوجي، أو ارتفاع مستوى الإنتاجية، فإذا كانت هذه معايير غير مهمة، فأنت محق، والمجتمعات الإسلامية ناجحة بدرجة كبيرة!!

لكن أنا أعتقد وسيوافقني كل المحللين في أنه بمعايير النجاح المتفق عليها عالميا فإن المجتمعات الإسلامية في معظمها مجتمعات متأخرة. كذلك يبين اتجاه (تصويت الناس بأقدامهم!) فاتجاهات الهجرة الدولية تعكس رغبة مواطني الدول الإسلامية في الانتقال للدول الليبرالية الديمقراطية والعيش فيها. وهو دليل على رغبة المواطنين في العيش في المجتمعات الحرة رغم ضعف نسبة المواليد فيها!.

* خلال آخر عدة سنوات، ما هو الحدث الأهم الذي سبب صدمة ومفاجأة لك كفيلسوف ومفكر وأكاديمي؟

فرانسيس فوكوياما: الحدث الأهم بالنسبة لي كان 11 سبتمبر 2001، كما كان بالنسبة للكثير من الناس. أتذكر حضوري في صباح هذا اليوم إلي مكتبي في واشنطن، وكنت أري من نافذتي الدخان يتصاعد من مبني وزارة الدفاع (البنتاجون). وهو ما لم يتوقع أحد أن يراه. والواقع أن هذا الحدث غيرَّ طبيعة السياسات الدولية في صور عديدة. المفاجأة والصدفة الأخرى فهي الفجوة التي وجدت بين الولايات المتحدة ودول أوروبا بخصوص الحرب في العراق. ولم أتوقع أن تكون هذه الفجوة بهذا العمق، وسيتم أخذ وقت طويل قبل أن يتم ردمها.

***************

ستيف كول:

الديموقراطية لن تقضي

على الإرهاب!

* إلى أي حد تعتقد أن لإدارة بوش الفضل في إحياء الجدل حول الديموقراطية في الشرق الأوسط؟

ستيفن كول: من خلال تجربتي في الخليج والسعودية والكويت والبحرين، تلك المنطقة التي قضيت فيها بضعة أشهر مؤخرا، وتحدثت فيها مع كثير من العرب الذين لهم علاقة بالحركات الإصلاحية بشكل أو بأخر، سواء كانوا أعضاء نشطين أو مهتمين بالمشاركة في الحوار الوطني حول الديموقراطية، من حسب تجربتي، أود أن أقول إن الضغط الأمريكي- خاصة خطابات الرئيس جورج بوش التي دعا فيها إلى تطبيق الديموقراطية في الشرق الأوسط- كانت عاملا من العوامل التي دفعت القادة العرب لاتخاذ قرارات بإجراء بعض الإصلاحات. هذه الضغوط لها أهمية كبرى على الرغم من أن الرئيس نفسه لا يحظى بشعبية في هذه الدول، وتصفه شعوبها بكلمات عدائية غير جيدة، على الرغم من تحبيذهم للكلمات الذي حواها خطابه حول الديموقراطية، ودورها في جلب فكرة التغيير الديموقراطي لأجندة هذه الدول.

وأنا على سبيل المثال حضرت دردشة مسائية أقيمت في أحدى الديوانيات الموجودة في مدينة جدة بالسعودية وذلك بعد خطاب الرئيس بوش الذي دعا فيه إلى تطبيق المزيد من الديموقراطية في العالم العربي، حضرها مجموعة من المثقفين والمحررين وأساتذة الجامعة، ودار فيها النقاش حول خطاب الرئيس بوش.

في البداية انتقده الجميع بسبب سياسته الخارجية وغزو العراق وكل شيء آخر يتعلق به، وبعد ذلك توقفوا برهة لملاحظة رد الفعل على السخرية من الرئيس الأمريكي لشخص قادم من واشنطن، ثم اكدوا حاجتهم في أن يستمر الرئيس بوش في ضغطه على الأنظمة الحاكمة مشددين على ضرورة أن يكون أكثر برجماتية في مرحلة حكمة الثانية.

* هل تعتقد أن الرئيس بوش سيحاول أن يمارس ضغوطا أكبر من استخدام خطاباته لدعوة القادة العرب للديمقراطية، هل سيهدد باستخدام القوة كوسيلة للضغط مثلا؟

ستيف كول: أعتقد أن هذا السؤال يطرحه ويهتم به عدد من الإصلاحيين والمناضلين العرب، وأنصار حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني. الذين لا يعلمون إلى أي مدى أن الولايات المتحدة مستعدة لدعم هذا الخطاب، أظن أن معظم هؤلاء الذين لديهم فهم وإلمام بالولايات المتحدة وثقافتها السياسية يعلمون أن الرئيس بوش يعني ما يقول، ولكن هل يعني ذلك أن يضغط الرئيس على أسرة حاكمة صديقة كما في السعودية أو على نظام سياسي صديق كنظام الرئيس المصري حسني مبارك في مصر. أعتقد أنه يضغط بحدود على النظم الصديقة، وأن الأمر يتطلب ممارسة ضغوط حقيقية، إلا إذا كانت هناك قنوات خاصة للاتصال بتلك النظم لطمأنتها بعد كل خطاب!

* هل تعتقد أن تطوير ونشر الديموقراطية في العالم سيقلل من العمليات الإرهابية؟

ستيف كول: اعتقد أن تطوير ونشر الديموقراطية حول العالم وخاصة في الشرق الوسط سوف يخلق بيئة يمكن فيها الحد من العمليات الإرهابية، لكنني لا أعتقد أن هناك دلائل- سواء في التجربة الغربية أو الأسيوية أو في الشرق الأوسط- تدعم فرضيتي.

فكرة الجهاد هي المولد الأكبر للعنف تحت ستار الدين، والعنف يزداد ويتصاعد نتيجة لعوامل عدة، هناك أسباب تاريخية معقدة تشجع البعض على القيام بالأعمال الإرهابية. القول إن نشر الديموقراطية سوف يقلل بشكل مباشر من العمليات الإرهابية، أو إن تبني الديموقراطية فقط يمكن أن يؤدي إلى القضاء على العمليات الإرهابية هو قول غير مقنع.

***************

كريستوفر هيتشنز:

اليسار فشل في التصدي للفاشية الإسلامية، والثقافة السياسية لا تكترث بالفلسطينيين كثيرا

* بدأ حديثك حول الانفصال عن اليسار الأمريكي بعد أحداث سبتمبر (أيلول) الإرهابية، ما الذي دفعك إلى الخلاف معهم؟

هيتشنز: هجمات سبتمبر الإرهابية هي واحدة من اللحظات التاريخية النادرة، كمثيلاتها في ألمانيا عام 1933 أو في أسبانيا عامي 1936 و1968 والتي يتحتم عليك أن تتخذ فيها موقفا قويا لما هو صواب. هذا هو الاختبار الذي فشل فيه اليسار، فبدلا من أن يقف وبقوة ضد هؤلاء القتلة، جاء منه من يحاول أن يبحث للإرهابيين عن مبررات مثل ناعوم تشوميسكي. جاءوا ليقولوا لنا وبصراحة انه على الرغم من أن أسامة بن لادن كان أحمقا وعنيفا في الأسلوب الذي استخدمه، فانه بشكل أو بآخر أحدث ثورة تحررية دينية، هذا ببساطة انهيار أخلاقي وسياسي.

و لا يقف الأمر عند هذا الحد، لقد أضاع اليسار الفرصة التي سنحت له للمطالبة بمراجعة عامة لموقف الولايات المتحدة وحساباتها وافتراضاتها بعد انتهاء الحرب الباردة بعدما تبين أن من قام بدعم الإرهابيين وحمايتهم هما دولتان من الدول الحليفة والصديقة لها، هما بالتحديد السعودية وباكستان. لقد أخفق قادتنا وفشلت استخباراتنا في درء الهجوم الذي تعرضنا له من قبل متدينين متعصبين ينتهجون نهجا دكتاتوريا. وساهم في هذا الفشل إخفاق حكومات خارجية تدعمها مؤسسات الأمن القومي الأمريكية كالنظام السعودي والباكستاني. إذا أخفق اليسار في انتهاز تلك الفرصة، فماذا تعني له مصطلحات مثل العلمانية والعالمية والديمقراطية؟ فرص تاريخية كتلك لا تسنح لك كثيرا، وإذا سنحت عليك بإدراكها في حينها. اجمع اليسار منذ الوهلة الأولى على إدراكها إدراكا خاطئا ومنذ تلك الوهلة أردت أن أشكل انفصالا سياسيا أفتخر بأنني جزء منه واعتقد انه نجح إلى حد ما.

* هل وجد اليسار الأمريكي فرصة كبيرة في قبول الحرب على العراق، رغم أنه لم يجد صعوبة كبيرة في قبول الحرب على أفغانستان؟

هيتشنز: هذا صحيح في حالة معظم اليسار الأمريكي، ولكنه ليس صحيح في حالة من هم في أقصى اليسار. لقد عارض اليسار كذلك إزالة نظام طالبان وعندما جاء الوقت لاستعمال القوة، أقصى ما فعل كان توقع السقوط في مستنقع. وبالمناسبة لم يقف اليسار هذا الموقف بمفرده بل شاركه فيه آخرون منهم على سبيل المثال جريدة New York Time، قالوا إننا سنشهد (فيتنام أخرى) على أقل تقدير وهي تهمة كبيرة باعتبار إننا ننظر إلى حرب فيتنام الآن على أنها حرب عنصرية، بنيت على العدوان وخلفت كوارث إنسانية. وعندما يذكر شخص ما لفظ حرب (فيتنام أخرى) عليه أن يكون جادا لأنها تهمة كبيرة. ولكن دعنا ننظر إلى حالة الحرب في العراق واليسار الأمريكي. إذا سألت أحد يساري عام 1968 هذا السؤال: ما موقفك تجاه نظام اقترف جرائم إبادة جماعية ضد شعبه، وقام بغزو جيرانه، وجند مجتمعه وحوله إلى دولة بوليسية، أمَّم اقتصاده ليكمن في قبضة أسرة واحدة تحدت المجتمع الدولي، وتحدت معاهدات منع انتشار السلاح النووي أكثر من مرة؟

نظام سعى إلى إنتاج المزيد من الأسلحة لاقتراف المزيد من الجرائم ضد شعبه، ومارس خداع المفتشين الدوليين، وقام بهدم كيان أحد الدول العربية المسلمة المجاورة له واحتلالها؟ إجابتي على هذا السؤال كيساري قديم معروفه: كان لابد من الإطاحة بهذا النظام منذ أمد طويل. على الرغم من ذلك أدانني اليسار عندما صرحت برأيي في تلك الحرب علانية واتهموا رؤيتي بالجنون والغرابة لي أصدقاء يساريون عراقيون وأكراد دعم حرب العراق كان لي بمثابة واجب وتعبير أساسي عن التضامن والوحدة معهم، قلت لهم إنني أقف بجانبهم وسأظل كذلك حتى يخرج النظام السابق من بلادهم ويعودوا إليها.

* هل تعتقد أن اليسار الأمريكي كان سيتخذ موقفا مغايرا تجاه الحرب في العراق وأفغانستان إذا كان رئيس الولايات المتحدة ديمقراطيا إبان أحداث سبتمبر (أيلول) الإرهابية؟

هيتشنز: ليس لأشخاص مثل مايكل مور مخرج الأفلام التسجيلية الأمريكي الذي دأب على انتقاد الرئيس بوش مرارا وتكرارا في أفلامه، والتي كان آخرها في فيلمه التسجيلي فهرنهايت 9/11، أو ناعوم تشومسكي. كان هؤلاء سيعتبرون ذلك دليلا آخرا على أن الطبقة الحاكمة لها وجهان وحزب واحد. على الجانب الآخر، أعتقد أننا كنا سنرى تبديلا في المواقف بين مسؤولي الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ريتشارد هولبروك سفير كلينتون السابق في الأمم المتحدة كان سيتخذ موقف ديك تشيني على سبيل المثال، بينما كان الآخرون من الحزبين سيتبادلون المواقف ويبحثون عما يبررون به الحرب في العراق أو يدينونها به. أتذكر أن الكثيرين في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون تحدثوا عن مواجهة لا مفر منها مع صدام حسين، لكنهم أسقطوا تلك الفكرة تماما مع تولي رئيس من الحزب الجمهوري منصب الرئاسة.

* في كتابك why Orwell matters ذكرت أن أورويل رفض الدعوة للحديث أمام منظمة أو جامعة الحرية الأوروبية حول الحرية في يوغوسلافيا. وذكر أنه رفض الدعوة لشعوره بأن تلك المنظمة فشلت في إدانة الإمبريالية البريطانية في الهند وبورما، وهو ما أعتبره فشلا ذريعا. هل أخطأ المحافظون الجدد خطأ فادحا بدعمهم الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط من جانب، ورفضهم إدانة السياسات والممارسات الإسرائيلية التي تخنق طموح الحرية الفلسطيني من الجانب الآخر؟

هيتشنز: قال أورويل إنه يرفض الحديث أمام أي منظمة لا تعارض الانسحاب البريطاني من الهند وبورما، وقال كذلك إن تحرير أوروبا لم يتضمن تحرير أسبانيا من الفاشية والبرتغال، بينما تضمن دخول بولندا مرحلة العبودية. في حالة الفلسطينيين، يبدو صحيحا أن الثقافة السياسية للولايات المتحدة لا تكترث بهم كثيرا... نحن تعلمنا أن الفلسطينيين هم مجرد شعب غير مرغوب فيه يقف عقبة في طريق إسرائيل وفي طريق التسوية السلمية في المنطقة. ولابد أن نفعل شيئا من أجل الفلسطينيين. أمضيت ثلاثة عقود أكتب عن الفلسطينيين ونشرت عنهم كتابا بالتعاون مع المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد. أهملت كافة الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة القضية الفلسطينية وتعاملت معها بعبث ولكن ليس بالعبث الذي عالجها به الحزب الديمقراطي الذي يقول البعض انه مملوك بالكامل للوبي الإسرائيلي. المحافظون الجدد منقسمون بشرف بالنسبة لإسرائيل، مثال على ذلك بول ولفويتز الذي ينتقد المستوطنات والفكرة التي تنادي بإسرائيل الكبرى ونقيضه ريتشارد بيرل الذي لا يعتبر الضفة الغربية أرضا محتلة إنما جزءاً من إسرائيل الكبرى.

أنا أتطلع إلى حدوث انقسام بين المحافظين الجدد بهذا الشأن عندما يتم مناقشة تلك القضية.

***************

فريد زكريا:

يجب تخويف الأمريكيين لكي يهتموا بالعالم الخارجي.. الصراع مع الأصولية الإسلامية سيحل نفسه خلال العقد القادم

* إذا أخذنا قضية الإرهاب خارج المعادلة، هل يهتم المواطنون الأمريكيون بالأخبار العالمية والأحداث الدولية؟

فريد زكريا: إن تركيز المواطنين الأمريكيين ينصب على القضايا التي تتعلق بالإرهاب، ولا يتعدى إهتمامهم ما عدا ذلك. الأمريكيون للأسف يجب تخويفهم لكي يهتموا بالعالم الخارجي. الروس أستطاعوا أن يجعلوا الأمريكيين يخافون خلال الحرب الباردة، والإسلاميون المتطرفون جعلوا الأمريكيين يعيشون في حالة خوف الآن. والشيء الهام هو ما ينتج عن هذا الخوف، هذا الخوف جعل الأمريكيون يهتمون أكثر بالعالم، ويهتمون بمصير دول شرق أوروبا، ودول العالم الثالث لأنهم شعروا بأهمية هذه المناطق في صراعهم مع الروس.

وهذا الشيء نفسه الذي أدى بالحرب على الإرهاب أن تجعل المواطنين الأمريكيين يهتمون بمصير ومستقبل دول مثل لبنان ومصر، هذا بالإضافة الى الاهتمام بمصير دول غير عربية وغير إسلامية. وبصورة غير متوقعة حقق هذا الاهتمام الأمريكي مكاسب غير متوقعة للعالم الإسلامي، فالشعب الأمريكي الآن مهتم بما يجري في دول مثل إيران وأفغانستان. وإلى جانب الآثار السلبية للحرب على الإرهاب في المجتمعات الإسلامية، هناك بعض الجوانب الإيجابية، هناك رغبة أمريكية الآن لصرف أموال باهظة على هذه المناطق، والى دفع الأنظمة الحاكمة إلى أن تكون مسؤولة أكثر أمام شعوبها. وبصفة عامة هذه مكاسب لهذه المجتمعات.

* هل سيتم تغير طبيعة تغطية الأحداث الدولية والأخبار بصفة عامة مع تزايد اتجاه الأفراد للمنتديات المفتوحة على الإنترنت، ومع تزايد انتشار وسائل الإعلام المستقلة؟

فريد زكريا: التغير الأكبر هو في عدد الشبكات التي ترى إنه من واجبها تغطية الأحداث الدولية مما يختلف عما ساد من قبل. إلا أن تغطية وسائل الإعلام الأمريكية للأحداث الدولية (خاصة المرئي منها مثل التليفزيون) تقتصر على تغطية أحداث محددة تتعلق بأماكن وجود قوات أمريكية بالخارج، أو بمظاهرات كبيرة. لا أوافق على مقولة وجود ثورة في تغطية الأحداث الدولية مع ظهور وسائل جديدة تساعد على سرعة نقل الخبر ومناقشته بحرية. وهذا الأمر يتعلق بتغطية الأحداث محليا وعالميا على حدا سواء. ومنتديات الإنترنت تجعل من الضروري مراجعة الشبكات الإخبارية للأحداث والوقائع لحظة بلحظة، وتوفير آراء وأراء مضادة من أجل مسايرة سرعة ما وفرته التكنولوجيا الحديثة، وهذا فيما يتعلق بتغطية روتينية لأحداث دولية عادية.

ولم يعد هناك حيز زمني يسمح لوسائل الإعلام الحديثة بالتفكير على مهل في كيفية معالجة الحدث الذي يقع. والمنتديات الإخبارية من العراق على سبيل المثال لا توفر أي إضافة إلى التغطية التي توفرها وسائل الإعلام التقليدية، حيث أن طبيعة الوضع بالعراق لا يسمح للأفراد بتحري طبيعة ما يحدث هناك بسبب تدهور الوضع الأمني، مما يجعل من تعميم الآراء وتعميم وصف ما يحدث هو الغالب على هذه التغطية. ولان لكل فرد رأي شخصي، فمن الصعوبة أن يكون لهذه المنتديات أي تأثير يتعدى تأثير تغطية وسائل الإعلام التقليدية.

* مع زيادة التركيز على تغطية أحداث الشرق الأوسط، وتغطية توسع الإتحاد الأوربي، وصعود الصين الكبير. هل من الممكن أن نتوقع وجود برامج مثل (تبادل دولي) يبث على سبيل المثال من بكين العاصمة الصينية؟ وهل تقوم وسائل الإعلام الأمريكية بتغطية مناسبة لبقية التطورات العالمية؟

فريد زكريا: أتمنى عدم وجود برنامج منافس لبرنامجي (تبادل دولي) يبث من بكين لأننا نسوق للبرنامج عالميا. ولكنك على حق، فالمشكلة الأولى مع طريقة تغطية الأحداث، أحداث الساعة. نحن نغطي الأحداث في عالم إعلامي متغير، ذو صور كثيرة متغيرة وأحيانا كثيرة عاجلة تحتاج الكثير من المتطلبات السياسية في لحظة وقوع الحدث. من الموضوعات الكبيرة التي تحدث اليوم في القارة الأسيوية، صعود ونمو الصين والهند، وموضوع العولمة من الموضوعات الشديدة الأهمية اليوم من حيث كونها تقوي الدول الصغيرة. الدول الواقعة على أطراف النظام الدولي، ولا يهتم بها أحد. دول مثل جنوب أفريقيا والبرازيل وتركيا، أداؤها الاقتصادي جيد ونحن لا نهتم بهذه الدول. ونحن لا نعرف كأشخاص أو كدولة أو كنظام سياسي ماذا نفعل. نحن كأشخاص أمريكيين أو كدولة أمريكية لا نهتم بالتحديات الأخرى الآن، ولن نكون مستعدين لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. وأنا أتوقع أن الصراع مع الأصولية الإسلامية سيحل نفسه خلال العقد القادم، إلا أن الصراعات الأخرى التي لا نعرف عنها الكثير سوف تتفاقم، وهناك تغطية إعلامية ضئيلة جدا لهذه التطورات الأخرى الجارية الآن.

***************

د. ناعوم تشومسكي:

ذا نظرت إلى لغة الخطاب السياسي لهاتين الجماعتين، جماعة بوش وجماعة بن لادن ستجد تشابها كبيرا

* آراؤك معروفة وتلقي الاحترام في العديد من دول العالم منذ عدة عقود، لكن هل تعتقد أن لآرائك أي تأثير على سياسات الولايات المتحدة؟

ناعوم تشومسكي: إن الإدارات الأمريكية المختلفة وأعضاءها وموظفيها ليسوا من قرائي، إن قرائي يمثلون جزء من حركة شعبية عالمية أصبح لها تأثير كبير (ليس بسببي) فأنا جزء صغير منها، ولكن تطور الحركات الشعبية (ومن خلال إلقاء نظرة على التاريخ) يجعل لها أثراً كبيراً على مجموعة الاختيارات والقرارات التي يتبناها من هم في سدة الحكم. ولهذا وبصورة غير مباشرة، هناك تأثير لنا، ولكنه لا ينعكس في إيضاح أشياء وحقائق لأشخاص ومسؤولين من عينة هنري كيسنجر الذي لا نحتاج أن نشرح له ما يعرفه مسبقا.

* بخصوص الحرب العراقية، الولايات المتحدة وضعت سابقة خطيرة تتمثل في مبدأ الضربة الاستباقية، هل تعتبر انها وسيلة شرعية للرد على التهديدات في عالم اليوم، عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001؟

ناعوم تشومسكي: مبدئيا الولايات المتحدة لم تضع سابقة في التاريخ بما فعلته في العراق، فمبدأ الضربة الاستباقية متأصل تاريخيا. الضربة الاستباقية كانت دائما مبررا وغطاء للعدوان، وكل من قام بالعدوان في التاريخ استعمل نفس الحيلة. هتلر هاجم بولندا من هذا المنطلق، أدعى أن هناك خطر محتمل من بولندا وأن ألمانيا تدافع عن نفسها. ولا يجب أخذ هذا القول بصورة جدية في الحالة الألمانية، ونفس الشيء في حالة الولايات المتحدة في العراق. فالحالة الأمريكية ضد العراق هي حالة عدوان ظاهر لم يهدف إلى استسباق أي خطر.

وهو خرق النظام الدولي، وجريمة اقترفتها الولايات المتحدة بسبب قوتها، وتبع ذلك كل ما نتج عن هذا العدوان من جرائم.

الولايات المتحدة تضع سابقة جديدة بسبب قوتها الكبيرة، ودائما كان ذلك أسلوب الطرف القوي، أو أسلوب دول مسنودة من قوى كبرى. مثلا، إذا قررت إيران مهاجمة إسرائيل بسبب أسلحتها النووية، وصواريخها التي تمثل تهديدا لإيران واعتبار ذلك ضربة استباقية.

هل نقول أن هذا عمل شرعي؟ بالطبع لا، لأن الدول الفاعلة هنا (إيران) لم تحظ بموافقتنا. ولكن إذا هاجمت إسرائيل إيران تحت مسمى ضربة استباقية، سنقول نعم إن هذا عمل شرعي لسبب بسيط وهو إن إسرائيل تحظى بدعمنا.

* إيران وعدة دول أخرى سميت (دول مارقة) هل تعتقد أن هذه الدول حقا تمثل تهديدا للولايات المتحدة؟ أم إنه تم تسميتهم بهذا الاسم لخلق عدو من أجل خدمة أهداف أخرى؟

ناعوم تشومسكي: بالنسبة للولايات المتحدة فالدول المارقة هي الدول التي لا تستمع إلى أوامرنا، والحالة الأكثر غرابة في التاريخ الحديث هي حالة كوبا. هل كوبا تمثل خطرا على الولايات المتحدة؟ أو هل مثلت خطرا على الولايات المتحدة في أي فترة من التاريخ!؟

الدولة الوحيدة التي كانت ضمن الدول المارقة وتم إزاحتها هي عراق صدام حسين لكنها لم تكن خلال فترة حكم رونالد ريغان دولة مارقة من أجل أن يتم منح العراق المساعدات والأسلحة لمحاربة إيران الإسلامية من قبل أفراد هم الآن أهم أعضاء إدارة بوش الحالية.

وعملية تصنيف الدول هذه ما هي إلا جزء من عمليات البروباجندا التي تقوم بها الحكومة الأمريكية.

* ما هو تعريف الإرهاب في نظرك؟

ناعوم تشومسكي: أنا أكتب عن الإرهاب منذ أكثر من عشرين سنة، ومنذ قدوم الرئيس رونالد ريغان للحكم تبنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة وخاصة إدارة بوش الحالية (الحرب على الإرهاب) كمحور أساسي للسياسات الخارجية الأمريكية. ووصف رونالد ريغان الإرهاب حينذاك بأنه (بربرية العصر الحديث، يهدف لتدمير الحضارة الإنسانية)، وهي نفس اللغة المستخدمة حتى يومنا هذا.

أما تعريف الإرهاب طبقا للقانون الأمريكي وكما ذكر في أحد مراجع الجيش الأمريكي، وهو نفس التعريف كما يعرف في القانون الرسمي البريطاني ويقول (إن الإرهاب هو التهديد باستخدام العنف (ضد المدنيين) من أجل تحقيق غايات سياسية أو دينية أو غايات أخري).

و هذا تعريف جيد، وهو ما أرجع أنا شخصيا إليه. لكن هذه التعريفات لا تطبق ولا يتم الاستعانة بها، فالولايات المتحدة إذا ما طبقت التعريف الرسمي للإرهاب، فستجد نفسها وسياساتها الخارجية تقوم بتبني وتنفيذ أعمال إرهابية، لذا تلجأ الولايات المتحدة إلى محاولات عديدة لتغيير تعريف الإرهاب.

وتقوم الولايات المتحدة وغيرها من الدول بأعمال تطلق عليها (أعمال مواجهة الإرهاب - Counterterrorism)، ولكن هذه الأعمال إرهابية في طبيعتها، لهذا فالتعريفات الرسمية الحكومية للإرهاب غير مهمة لأنها غير مطبقة عمليا.

وهناك الكثير من الجهود الحكومية الأمريكية تهدف إلى تضمين ما يروق لهم في التعريف الجديد للإرهاب واستبعاد ما لا يعجبهم من التعريف، ومن هذا المنطلق ليس عندي أي مشكلة في التعريف الرسمي الأمريكي أو البريطاني للإرهاب.

* ما هو تعليقك على وصف البعض بأن ما يحدث اليوم هو صورة من (صراع حضارات)؟

ناعوم تشومسكي: هناك فئات تريد أن تخلق ما يطلق عليه (صراع حضارات)، وأنا متأكد أن أسامة بن لادن سيكون سعيدا بهذا الصراع. ومخططي السياسات في إدارة الرئيس جورج بوش يحاولون بجدية أن يخلقوا صراع حضارات.

و إذا نظرت إلى لغة الخطاب السياسي لهاتين الجماعتين، جماعة بوش وجماعة بن لادن ستجد تشابها كبيرا مثل استخدام عبارات (الخير ضد الشر، الوقوف في جانب الله والاعتماد عليه). لذلك يرغب الجانبان في خلق (صراع حضارات)، لكن هذا لا يعكس الواقع.

في فترة الثمانينات كانت إدارة ريغان تشن حربا على الإرهاب، لم يكن هناك ارهاب إسلامي، لكنه كان إرهاب كاثوليكي في دول أمريكا الوسطى التي أصبحت مستقلة بعيدا عن السيطرة الأمريكية.

و عندما أصبح رجال الدين الكاثوليك يطالبون بحقوق المواطنين الفقراء من العمال والفلاحين، بدلا من التقاليد المتبعة تاريخيا من قبل لخدمة الطبقات الغنية ومصالحها، شنت أمريكا حربا تحت مسمى (حرب على الإرهاب).

عام 1958 كان عاما هاما للغاية في السياسة الدولية، ففي هذا العام حددت إدارة الرئيس الأمريكي السابق إيزنهاور ثلاثة أزمات رئيسية في العالم.

الأولى كانت إندونيسيا، الثانية شمال أفريقيا والثالثة الشرق الأوسط. وكل حالة اشتملت على وجود بترول، بالإضافة إلي كونهم جميعا يمثلون دولا إسلامية. إندونيسيا ومصر كانتا دولتان علمانيتان والولايات المتحدة دعمت المملكة السعودية (أكثر دول العالم تطرفا من الناحية الأصولية) ضد مصر التي كانت تقود الاتجاه العلماني بين الدول العربية.

هل كان ذلك بسبب صراع الحضارات؟ لا كان ذلك من أجل خدمة المصالح الأمريكية كما رأتها الإدارة الأمريكية آنذاك. الإدارة الأمريكية دعمت سوهارتو الديكتاتور الذي قتل ما لا يقل عن مليون اندونيسي.

وفي الحالة الثالثة أزمة (استقلال الجزائر)، قامت فرنسا بما يجب من أجل احتواء آثار استقلال الجزائر بوجود مخابراتي ضخم بعد رحيل قواتها إلى الدرجة التي لا أستبعد معها قيام فرنسا والمخابرات الفرنسية بنصف المذابح التي حدثت في الجزائر خلال السنوات العشرة الماضية. و هذه الأمثلة وغيرها لا تدل على (صراع حضارات) بل على أنماط سياسية للقوى الكبرى في سعيها لتحقيق مصالحها.