الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

فهرست العــدد

إتصــلوا بـنـــا

ردك على هذا الموضوع

الإدراك الاستراتيجي العسكري الأمريكي

(لمحاربة الإرهاب)

 د.عادل محمود مظهور

ترتبط فلسفة المؤسسة العسكرية ارتباطاً وثيقاً بالفلسفة السياسية للدولة، وتظهر ديناميكية وحركية المؤسسة العسكرية في قدرتها على تطوير وتغيير مركباتها الأساسية تسليماً وتدريباً وتنظيماً وتوزيعاً بما يتلائم مع تطور المخاطر التي تهدد أمن ومصالح الدولة بصفتها عامل مهم من عوامل القوة.

وهكذا نرى أن توزيع القوات العسكرية الأمريكية في العالم بني في أعقاب الحرب العالمية الثانية والحرب الكوبية على أساس مواجهة التهديدات التي كان يمثلها الاتحاد السوفيتي وكتلته الاشتراكية وتعبيرهما العسكري المتمثل في حلف وارشو، حيث كان العدو مجرداً واتجاهات تهديده واضحة، وبتقدير موقف يعتمد على معرفة مؤكدة بالخصم فإنه كان بوسع الولايات المتحدة أن تحدد المواقع المحتملة التي ستدار فيها المعارك الذي أنعكس بدوره على المناطق التي تتمركز فيها القوات الأمريكية. وبالتالي فأن استراتيجية الحرب الباردة تمثلت في وضع قوات مجهزة تجهيزا ثقيلاً في مواقع محددة للدفاع ضد خصم معروف من جهة، ومن جهة أخرى امتداد نطاق من القواعد والاحلاف يحيط بهذا الخصم بهدف تحديد قدرة حركته الاستراتيجية لخدمة مصالحه وأمنه وبما يهدد مصالح وأمن الولايات المتحدة. ولما كانت طبيعة قوات حلف وارشو تغلب عليها القوات البرية الثقيلة التسليح، كان من الطبيعي أن تقابلها الولايات المتحدة الأمريكية بقوات مسلحة تسليحاً ثقيلاً ومجهزة للحرب البرية في أوربا.

 

الدولــة

التواجـد الأمريكي

ألمانيا

75 ألف جندي

ايطاليا

13 ألف جندي

المملكة المتحدة

12 ألف جندي

اليابان

41 ألف جندي

كوريا الجنوبية

37،50-41 ألف جندي

على متن السفن

26 ألف جندي ومشاة بحرية

 

التواجد الأمريكي الثابت في العالم

إعلان الرئيس الأمريكي

في 16 أب 2004 أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطاب له أمام مؤتمر (قدامى المحاربين في الحروب الأجنبية) عن اكبر إعادة هيكلة شمولية للقوات العسكرية وإعادة نشر للقوات الأمريكية في الخارج منذ انتهاء الحرب الكورية، حيث ستتم خلال السنوات العشر القادمة إعادة (60000-70000) جندي وحوالي (10000) من اسرهم إلى الوطن من قواعد في أوربا وآسيا، مع نشر قواعد ومنشآت متميزة جديدة في مواقع استراتيجية حول العالم، مؤكداً أنه سيظل للولايات المتحدة وجود كبير في الخارج.

إن دراسة إعادة الهيكلة والتوزيع استغرق إعدادها ثلاث سنوات، وهي تجسد أفضل المقترحات العسكرية التي قدمها القادة في الميدان ورؤساء الأركان المشتركة وآراء الحلفاء في العالم التي تم تلقيها على مستوى عال علاوة على آراء أعضاء رئيسيين في الكونغرس.

فلسفة التغيير وأخطار القرن الحادي والعشرين

لا جدال أن هناك عاملين رئيسيين وراء هذا التغير

1- انتهاء الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي وظهور حقائق استراتيجية جديدة بما في ذلك إنضمام بعض دول حلف وارشو السابق إلى حلف الناتو.

2- أحداث 11 أيلول2001 التي ضاعفت من وجهة نظر استراتيجية (المجهول في العصر الحديث) وإعلان الولايات المتحدة (الحرب على الإرهاب) التي دفعت في المقدمة الحاجة إلى إجراء مراجعة على أساس استراتيجي لتوزيع الدفاع الأمريكي على المستوى العالمي بسبب أن (التهديد الإرهابي) يمكن أن يأتي من أي مكان وفي أي زمان ومن الصعب التنبؤ به. وكانت نتائج هذه المراجعة تتمحور حول:

1- إدراك التهديد المعادي.

2- إدراك متطلبات مواجهته وعلى هذا الأساس كان قرار الولايات المتحدة الأمريكية بأن تقوم وخلال العقد القادم بنشر قوة أكثر مرونة، وأكثر قدرة على الحركة السريعة، وهذا يتطلب تحرك بعض القوات والقدرات العسكرية إلى مواقع جديدة تمكنها من التحرك بسرعة لكي تتعامل مع التهديدات الجديدة المتوقعة وغير المتوقعة مع المزيد من القوات التي تمت مرابطتها على أرض الوطن تملك القدرات المتمثلة بالمرونة والسرعة وقوة التأثير، وكما عبر الرئيس الأمريكي (أكثر قدرة على الضرب في أي مكان في العالم عبر مسافات بعيدة وبعد إصدار الأوامر إليهم بوقت قصير). إن كل ما تقدم قد بني على مفهوم أمريكي يرى ضرورة تأمين وجود عسكري متقدم على المستوى الإقليمي والعالمي وذلك بحكم نظرتها بأن التهديدات الجديدة تتطلب قوة منتشرة في الخارج وتكون ذات استعداد على تنفيذ المهام في أي مكان في العالم. وتقف خلف ذلك فلسفة ترى فيها أمريكا أنها لن تقاتل في المواقع المتمركزة فيها فقط، وهذا يتطلب سرعة حركة القوات، إنه مطلب (القدرة على إظهار القوة بسرعة) ومن هنا فإن توزيع القوات في الداخل والخارج يجب أن يحسن من قدرتها على (الرد السريع) في مواقع الطوارئ، والحقيقة أن ما ساعد على ذلك هو ما توفر لدى الولايات المتحدة من أسباب القوة العسكرية بما أتاحته لها (ثورة الشؤون العسكرية) وعصر معلومات التقدم التكنولوجي الهائل إضافة إلى ما تمتعت به من (عوامل مُضاعِفَةَ القوة) كتأمين المديات البعيدة جداً، والدقة في إصابة الهدف، والقوة التدميرية الهائلة ووسائل المعرفة المبكرة وهذا هو الذي أوصلها إلى استنتاج مهم هو أن حجم القوات الكبير ليس الوسيلة الوحيدة للهيمنة على ساحة المعركة. فكل ما تقدم يمكن أن يعطي لقوات أخف وأصغر القدرات والأثر الذي يمكن أن تحدثه التشكيلات الثقيلة، فاليوم تستطيع سفينة واحدة أو دبابة واحدة أو طائرة منفردة مزودة بالتكنولوجيا الحديثة القيام بمهام قتالية مماثلة لما كانت تقوم به (10) سفن أو دبابات أو طائرات في الماضي، بمعنى تقديم النوعية على الكمية والتركيز على القدرات التأثيرية القتالية على عدد الأفراد. ونتيجة لذلك فإن الولايات المتحدة ترى أنه لم يعد من المناسب أن تقاس القدرات القتالية بالعدد والحجم.

وكان من الطبيعي بموجب هذا الفهم أن تتجه الولايات المتحدة إلى (التحالفات المرنة) وإلى توسيع نطاق العلاقات الدفاعية وإلى تأسيس تحالفات جديدة والتنسيق على المستويات الإقليمية. وعلى هذا فإن تغيير المواقع سيكون مدروساً ومحسوباً بحيث يحقق التوازن مع المتطلبات العسكرية لهذا القرن الجديد.

المناطق الأساسية للتغييرات الجديدة

1- أوربا: يرى الأمريكيون أن ترك فرقتين ثقيلتين في ألمانيا لمواجهة هجوم من جيش لم يعد له وجود (السوفيتي) يعتبر خمولاً فكرياً لا يتفق مع العقلانية الاستراتيجية. وينطبق ذلك على قواتها في أوربا التي سيجري سحبها واستبدالها بقوات أخف وأكثر سرعة في الانتشار وأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية ومزودة بأحدث ما توصل إليه العلم من سلاح وعتاد بالغ الدقة ذي تأثير تدميري هائل.

2- آسيا: أصبح من الممكن تغيير توزيع القوات في جنوب شرق آسيا، فقد نمت كوريا الجنوبية وأصبحت لها قدرات أكبر بكثير منذ انتهاء الحرب الكورية وأصبحت حليفاً نشطاً للولايات المتحدة. فأصبح من الممكن سحب جزء من القوات الأمريكية يرافق ذلك زيادة في القوة الجوية وتعزيز تواجد القوة البحرية في المنطقة عموماً. ومن المقرر سحب12500 رجلاً من كوريا الجنوبية قبل نهاية العام المقبل.

3- الشـرق الأوســط: يبـدو أن الأمريكيون أكثر تفاؤلاً في هذه المنطقة، فهم يرون أن سماح دول هذه المنطقة بحرية الحركة فيها قد وفّر معيناً لأشكال أخرى من التعاون في المستقبل. وهم في كل الأحول لن يتركوا هذه المنطقة فهم عازمون على (تجديد) المواقع بغرض أن تتناوب عليها القوات واستخدامها في حالات الطوارئ.

والحقيقة أن الدوافع الرئيسية التي يمكن قراءتها من خلال التحرك الأمريكي من إعادة انتشار وهيكلة، ما هو إلاّ مركز مشروع الهيمنة وبناء الإمبراطورية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين بتوظيف قوتها العسكرية لهذا الغرض كما أنها تسعى لأن تبقى صاحبة القوة العسكرية الأقوى وصاحبة النفوذ الأكبر على معظم مناطق العالم. ويمكننا أن نصل إذا ما وحّدنا بين اتجاهات الهيكلة والانتشار مقروناً بما يجري في الواقع وعلى الأرض بأن ذلك يحمل في طياته ملامح تواجد عسكري جديد ومكثف في منطقة الشرق الأوسط ووسط أسيا حيث يتركز وكما يبدو صراع المصالح ومتطلبات الأمن.