ردك على هذا الموضوع

جذور الإرهاب الحداثوي

من ماضي البنيوية إلى العولمة المستقبلية

هشام آل مصطفى

 

تحاول الفلسفة الغربية المعاصرة حل إشكالية الإرهاب الأصولي باعتباره مؤسسا على التعصب الطائفي، والتحيز الديني، والتطرف الفقهي، والتمييز العرقي أو القومي، وهذا الجذر هو السبب الرئيسي الوحيد للتطرف الإرهابي حسب وجهة نظر هذه الفلسفة، بينما تتجاهل الحداثة Modernity ذلك بوصفها مفارقة تاريخية في التمييز الحضاري بين الشرق المتأخر والغرب المتحضر، وصياغة لآيديولوجية عدوانية تستغل الشعوب اقتصاديا وسياسيا وتتجاهل القيم القانونية والإنسانية والاجتماعية وبالتالي الأخلاقية والدينية لشعوب الشرق المستضعفة والمظلومة!

أدى هذا إلى التمييز بين الناس وتجاهل حقوقهم بعيدا عن التسامح ضمن مبدأ المساواة غير العادلة، غير أن الفلسفة الحداثوية لا ترى ذلك بكل وضوح لأنها واقعة تحت ضغوطات العولمة Globalization والإفراز الاحتكاري للشركات العابرة للقارات من الكارتل الاحتكاري Cartels، والاقتصاد الكوني، والتوجهات الكبرى للأمركة Americanization، كما أن هذه الفلسفة تميل إلى التجريد، وإلى التعامل مع المفاهيم المجردة البعيدة عن السياقات التاريخية والاجتماعية والواقع الفعلي للمجتمعات الشرقية (1).

اقترح جاك ديريدا بأن تحل الضيافةHospitality بدلا من التسامح Tolerance بحيث تكون الضيافة من غير شروط وتحقق للضيف نفس حقوق صاحب البيت، على عكس ما يرى هابرماس الذي يؤمن بالتسامح لتجفيف منابع الإرهاب منطلقا من أن الحداثة - عنده- لا تلغي الإيمان الديني، وإنما قدمت أسلوبا جديدا لممارسة الإيمان الفعلي - الحقيقي- المقام على أساس عقلي حسب مقاس- كانط- والعقلية المذهبية للبعض من علماء الجعفرية كمحمد الصدر والطلقاني(2)، وهكذا ينظر هابرماس إلى الظاهرة بعلمية عندما يربطها بغياب المساواة والعدل، وعدم تطبيق التحديث الفعلي في الشرق البائس، ويمكن لنا دراسة أفكاره في مؤلفاته الفكرية (الخطاب الفلسفي والاتصال وتطور المجتمع ونظريات الفعل الاتصالي) (3) ويعتبر نظرية الحداثة فريسة للعولمة الكونية، وللاقتصاديات الاحتكارية حسب مناقشاته مع الإيطالية المتأمركة جيوفاني بورادوري، حيث يعتقد أن (المشاركة الديمقراطية participatory Democracy هي من أهم ثمرات الحداثة التي تكفل سيادة القانون والمساواة والعدل) وبالرغم من المساوئ الأخرى في تبرير السيطرة الكونية على الآخرين بحجة التخلف أو الظلم أو الإرهاب، وحيث يعبر عن ذلك (بإنتاج نظام العدالة الاحتكارية التي استغلت الأنظمة الرأسمالية غير المقيدة، التي استخدمت الأصولية المسيحية- اليهودية في صراعها ضد الأصولية - الدينية (الإرهاب) ولتبرير صدامها مع الأنظمة الشمولية المنطلقة من نفس منطلقاتها) (4) ويضيف (بأن تلك الصدامات اعتمدت المواريث غير العقلانية، المتحيزة، وبذلك غابت المبادئ الديمقراطية الحقيقية القائمة على المشاركة الحرة العقلانية، ثم أن القوى الضخمة تجاوزت الشرعية الدولية وحقوق الآخرين، واستغلت شعارات الحرية لغزو عالمهم سياسيا واقتصاديا، مما أجبر الآخرين على التطرف والمغالاة الدينية والتعصب الفكري للدفاع عن سياجهم الاجتماعي والثقافي بتحشيد المواريث الثقافية والدينية، بل وتعتقد بورادوري (لا يصح اعتبار ذلك التطرف عودة إلى الإيمان القديم حسب النص (ترهبون به عدوكم) أي الإرهاب التصوفي، أو إلى الفتوحات، إنما هو رد فعل مذعور إزاء الحداثة المعولمة المرتبطة بالغزو والعدوان وتدمير المدن والاغتصاب السياسي والاقتصادي وبتطرف تكنولوجي باسم العلم والتقدم والديمقراطية) (5) وهكذا تمكن الفيلسوف الألماني هابرماس من كشف المنطقية للعولمة التي قسمت المجتمع الدولي- حسب رأيي - إلى رابحين وخاسرين، وإن الثقافة الغربية أصبحت أخلاقية تحتاج إلى المراجعة لتحسين إنسانيتها.

الرؤية الفكرية

يتميز الفكر الفلسفي المعاصر بإمكانيته العلمية في نقد وتشخيص العلة، ودراسة أسباب الظاهرة من دون القفز على الحقيقة، غير أن الكثير من الكتاب في الشرق قد غرقوا في الظاهرة الغربية من دون التعمق بها أو تحليل منطلقاتها، أو معرفة نتائجها السلبية- على الأقل- ومن هؤلاء بعض المتأثرين بالديمقراطية على النمط الغربي، أو الراقصين شرقيا على أنغام غربية، فالفلسفة الحداثوية التحليلية على ضوئها بل والسباحة في تياراتها السياسية والثقافية تعاني في الغرب من تناقضات وانقسامات فكرية شديدة، بل وتعاني من تراكمات نتائجية وأبعاد نهائية تهزها هزا لتولد فلسفة جديدة، أشرت ضمن ما أشرت إليه، الفكر العقلي الإسلامي عند محمد محمد صادق الصدر ومحمد باقر الصدر والطلقاني وغيرهم- في الفقه والأصول، ولعل تنبه الفيلسوفة الإيطالية إلى رد كلمة الإرهاب إلى الديمقراطية هو الذي دفع بعض الوكالات الغربية إلى استعمال كلمة المتمردين (6)، بدلا من الإرهابيين ليشرح لنا عمق المأزق بين الأصولية الفكرية أو الأصولية الدينية حيث اعترف فلاسفة الحداثة بأنها نتيجة للفكر الرأسمالي، انحازت تحت ضغط العولمة إلى الصراع ضد الحضارة والمنطق التاريخي للإنسانية (7).

 


المصادر:

1- سامي خشبة، جريدة الأهرام، 12/2/2004، التسامح وحق الضيافة: مقارنة نقدية.

2- بورادوري: مناقشة، مجلة الفكر الجديد الدمشقية، 2/3/2004.

3- سامي خشبة، المصدر السابق.

4- سامي خشبة، المصدر السابق.

5- بورادوري، المصدر السابق.

6- تلفزيون الحرة، إذاعة سوا، المجلات الأمريكية، 15/1/2005.

7- المصدر الرئيسي، هابرماس، الخطاب الفلسفي للحداثة، ط 95، بيروت.