ردك على هذا الموضوع

مقالات

مفهوم الانتظار من وجهة نظر الإمام الشيرازي

- على ضوء قراءة في كتاب (حول الإمام المهدي) -

فرهاد الهيان

 (حول الإمام المهدي) حلقة من سلسلة للمؤلف الإمام الشيرازي(طاب ثراه) تتناول حياة المعصومين(ع). وهي على الرغم من حجمها المتواضع، لكنها، على غرار كتبه الأخرى، تكتنز نقاطاً وملاحظات فريدة وغير مسبوقة، تميزها عن مثيلاتها من الكتب في هذا الموضوع. وهذا التميز غير المسبوق أحياناً لآثار آية الله العظمى السيد الشيرازي، هو انعكاس للشمولية الأخلاقية والعلمية والدينية المتجسدة في شخصيته التي تحمل بعض ملامح شخصية الرسول الكريم(ص)، حيث كان يحمل نفسه على السير على خطى جدّه الكريم (ص).

ولهذا عندما نراجع مؤلفات هذا الفقيد السعيد، ونقارنها مع سيرته وسلوكه الشخصي والاجتماعي، نجد أنفسنا أمام مرآتين متقابلتين تعكسان صورتيهما. وهذه الخصوصية تتجلى بشكل خاص في كتابه (حول‎الإمام المهدي(عج))، حيث رسم ملامح صورة مبتكرة عن الإمام المهدي (عج) ومواصفته ودولته، وهي صورة تحاكي تفاصيلها تماماً صورة الرسول الكريم (ص) قلباً وقالباً، وهي عقيدة المؤلف الراسخة التي تقول: (إن الإمام الحجة(عج) يظهر على أخلاق جده رسول الله وسيرته، وأما ما يتصوره البعض من كثرة إراقة الدماء وما أشبه، فلا دليل عليه) (1).

 هذه النقطة بالذات، مبتكرة وفريدة، وقلما أتت على ذكرها الكتب التي تناولت الموضوع، حيث إن جميع من كتبوا حول الإمام المهدي (ع) كان وصفهم له على أساس أنه رجل السيف والدم، ولا يعرف سوى قطع رؤوس أعدائه(2).

يرى الفقيد الشيرازي أن رؤية كهذه تتناقض كلياً مع سيرة الرسول الكريم (ص)، وكذلك مع الأحاديث الوافرة التي تتحدث عن تطابق سيرة وسنة الإمام المهدي(عج) مع سيرة وسنة الأنبياء الكرام خاصة سيرة جده المصطفى (ص). كما يعتقد أنه من خلال استعراض القدرة التدميرية الهائلة للأسلحة المتطورة الحديثة، من قبيل القنابل النووية والهيدروجينية، فإن استخدام مثل هذه الأسلحة يعد بحد ذاته ظلماً وإجحافاً بحق الإنسانية والطبيعة، وحرقاً للأخضر واليابس، وقتل المذنب والبريء على حد سواء. هذا الأمر يتعارض مع الهدف الرئيسي والمحوري لظهور الإمام المهدي(عج)، وهو بسط العدل والقسط.

يرى الإمام الشيرازي(ره): (أن استعمال الأسلحة في الأساس هو من أجل درء الاعتداء، لكنها في عصرنا الراهن أضحت وسيلة للعدوان)(3)،  ومن أجل ذلك: (إن الإمام المهدي(عج) يظهر بالسيف، وإن السيف عادل في عمله، أما الأسلحة الحديثة فهي جائرة)(4)، وبالتالي يستنتج: (ولذا يجب الاهتمام لرجوع السيف والرمح والسهم إلى الحياة حتى تلاحظ العدالة في الحرب أيضاً)(5). وجدير بالذكر أن المرحوم أمين الإسلام الطبرسي، الذي عاش قبل قرون، كان أيضاً يرفض الروايات التي تقول بعدم قبول الإمام المهدي(عج) للجزية، وقتله لكل من تجاوز الـ‍20 ولم يتفقه في أحكام الدين، بقوله: (لا علم لي بهذه الروايات)(6).

ميزة أخرى اتصف بها الفقيد الشيرازي(ره) هي وجوب الاضطلاع بالمسؤولية دون اللجوء إلى العنف، أو إراقة الدماء؛ ففي الوقت الذي قضى عمره في حمل راية النضال، إلا أنه لم يفتِ قط بقتل أحد، ولم يحرض أتباعه وأعوانه على حمل السلاح بوجه الحكّام، أو القيام بأي أعمال عنف ضد أي ديكتاتور، بل اقتصر نضاله في سوح الجهاد الثقافي، وكان يحث الجميع على عدم استخدام أي سلاح عدا سلاح الكلمة والقلم.

إن هذا الاضطلاع بالمسؤولية من قبل السيد الإمام الشيرازي(قدس سره) رسم بعداً جديداً لمفهوم الانتظار، مخالفاً لبعض المعروض من الآراء، حيث لم يتنح جانباً ولم يكتف بالدعاء. من وجهة نظره، أن هؤلاء لا يمثلون المنتظرين الحقيقيين للإمام المهدي(عج)، وغير مؤهلين لاستقباله، حيث يقول: (فإن انتظار الفرج من أعظم العبادات، علماً بأنه ليس بمعنى الانتظار القلبي فحسب، وإن كان الانتظار القلبي منه، لكن بمعنى العمل الصالح أيضاً لأجله، ولأجل أن يعجل الله ظهوره. فكما أن الانتظار بالنسبة إلى الزارع أن يهيئ الأرض وسائر الشؤون المرتبطة بالزرع، وكما أن المنتظر للضيف عليه أن يهيئ للمقدمات ويهيئ نفسه لذلك، هكذا فعلينا أن نهيئ أنفسنا ومجتمعاتنا بالعمل الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وننتظر دولته العادلة. ثم إن انتظار الفرج بالمعنى الذي ذكرناه مما ورد التأكيد عليه في الروايات)(7).

وعلى هذا الأساس، فإنه يعتبر أن كل صورة عن الانتظار تحمل ملامح التخاذل والهروب من المسؤوليات الفردية والاجتماعية للإنسان المسلم، هي صورة مشوهة، وهو يرفضها جملة وتفصيلاً. فمن وجهة نظره، المنتظر الحقيقي يقف في نفس صف المجاهد المضرّج بدمه في سبيل الله، والمضحي بروحه من أجل دولته. وقطعاً أن هذا التماثل في المنزلة لا يشمل مَنْ تقاعس عن أي عمل، وركن إلى الدعة والعافية؛ (فالمُنتظِر يلاقي صعوبات كثيرة، حيث يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في زمان أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً؛ فحينئذٍ يكون كالمتشحط بدمه في سبيل الله، أما الجالس المتفرج الذي لا يعمل بواجباته، فهل هو كالمتشحط بدمه؟!)(8).

الميزة الثالثة للكتاب الحالي، هي في الصورة التي رسمها السيد الشيرازي(ره) عن الإمام المهدي(عج)، وهي صورة ملامحها أكثر لمعاناً من الأئمة الذين سبقوه، إلى الإمام زين العابدين(ع)، بل أنه (ع) يفضلهم في جوانب عديدة، وهذه الأفضلية يعزوها إلى مضامين الأحاديث الشريفة. وهو أمر لا يعدو عن دائرة المنطق والعقل حسب رأيه، إذا أخذنا بنظر الاعتبار مسؤوليته العظمى في إقرار السلام في جميع أرجاء المعمورة، وإقامة موازين العدل والقسط: (ثم لا يخفى أن الإمام المهدي(عج) أفضل من الأئمة قبله إلى الإمام زين العابدين(ع) كما يظهر من الأحاديث. فالأول رسول الله (ص) وبعده أمير المؤمنين (ع) والسيدة فاطمة الزهراء(ع) بعدها الإمام الحسن ثم الإمام الحسين، وبعد هؤلاء الأطهار الإمام المهدي وبعده الأئمة الطاهرون من العسكري(ع) )(9).

وأخيراً، يجب أن نشير إلى منهج المؤلف(ره) في تأليفه هذا الكتاب، وهو منهج حديثي، حيث أنه استشهد بالأحاديث في كل موضوع يرتبط بالإمام المهدي(عج)، وكذلك الأمر بالنسبة لمسألة إثبات طول عمر الإمام المهدي(عج) والتغيرات التكوينية في العالم قبيل ظهور علائم الظهور، فهو لم يستعن بالمباحث الكلامية والفلسفية أو العلمية والتحليلية. وسلوكه لهذا المنهج مرده أولاً إلى إيمانه بأن الكون وقوانينه الحاكمة هي في قبضة الله القادر على كل شيء وتحت سلطان مشيئته، وثانياً، بسبب كون الأحاديث الواردة في هذا الشأن، والصادرة عن الصادق الأمين (ص)، بل الصادقين الأمناء(ع)، كافية للركون إليها.

 


(1) حول الإمام المهدي: ص44.

(2) نجم الدين الطبرسي: إطلالة في حكومة المهدي، ص153.

(3) القرن الحادي والعشرون وتجديد الحياة: ص34.

(4) المصدر السابق: ص35.

(5) المصدر السابق.

(6) بحار الأنوار: ج52 ص383.

(7) الإمام المهدي: ص118.

(8) نفس المصدر السابق: ص119.

(9) نفس المصدر السابق: ص35.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

العــدد 69

إتصــلوا بـنـــا