ردك على هذا الموضوع

 

شيء تنقصه المصداقية

خالد القشطيني

التطورات الأخيرة في الساحة الفلسطينية، وكذلك النتائج السلبية لحادثة 11 سبتمبر، فرضت على الكثيرين إعادة النظر في موضوع العنف والعمليات الاستشهادية، وحدت بالبعض لترويج اللاعنف، والدعوة للسلام، والأساليب السلمية، و التنصل من الأرهاب. اتصل بي بعض دعاة الإسلام لمساعدتهم في هذا الخصوص، قابلتهم ببرود، وهذه نقطة لابد لي من مناقشتها.

بعد حملة شارون والحملة الغربية على أفغانستان والمنظمات الإرهابية، تبدو هذه الدعوة للاّعنف والسلامية والتفاهم، كالسلاح الأخير للمنهزم والضعيف؛ إذ يجب أن يكون اللاعنف سلاح القوي الواثق من نفسه، لا سلاح الضعيف أو الجبان. الخصم يعرف ذلك ويعتبر هذه الدعوة منّا إشارة للاستسلام، والإقرار بالضعف والهزيمة، لن تنطلي على خصومنا، وسينظرون إليها كمكيافيلية سخيفة وكاذبة؛ فنحن هنا نواجه هذا التراث الغربي الذي يعتبر المسلمين سفّاكين والعرب كذّابين، الأم الأوربية تؤنب طفلها الوقح بقولها (يا تركي يا رهيب!) و الابن المخاتل (يا عربي يا كذّاب!) وهذا الشعور أعمق في (إسرائيل) منه في أوروبا؛ فقد وصف رئيس حاخاميي الطائفة الشرقية العرب بالأفاعي والكذابين، في ذلك التصريح الشهير الذي اضطر للتراجع عنه، فضلاً عن ذلك تتذكر (إسرائيل) جيداً رغبتنا بتدميرها منذ ولادتها ورمي يهودها بالبحر، وشعار تحرير كامل فلسطين بالسلاح فقط. يرون أن كل هذه المقترحات المعتدلة ليست سوى مقترحات مرحلية نحو ذلك الهدف البعيد. تبديد هذا الاعتقاد أمر عسير يتطلب جهود الجبابرة.

وكما يمكن للكذّاب أن يقنع نفسه بكذبه، فعلى الصادقين أن يقنعوا أنفسهم بصدقهم؛ إذ قبل أن نتوقع من العالم الاقتناع بصدق دعوتنا للسلام ورفضنا للعنف والإرهاب،علينا أن نقنع أنفسنا بها أولاً. لا فائدة من مجرد الكلام عن الرغبة في السلام. لا يوجد سياسي لا يقول ذلك. لم يردد الرغبة في السلام كما رددها هتلر الذي هجم على روسيا وتسبب بقتل 20 مليون روسي من أجل السلام. كان يعتقد أن ذلك سيغري إنكلترا على التصالح معه.

السلامية تكاد تصبح ديناً قائماً بذاته؛ فهي تتطلب رفضاً قاطعاً للعنف والسلاح بكامل صورهما، في البيت، في المدرسة، في العمل، في التعامل مع الآخرين.. تتطلب الزهد والتواضع والإيمان بحب البشرية، بمن فيهم الخصم ، وانسجام الأديان ووحدة الإنسان بدون أي تمييز، والعطف على الحيوان، بما قد يتضمن النباتية. لا يجوز للمجاهد المدني أن يتعاون مع المسلحين أو يبارك عملهم، ويلقي بسلاحه ثم يمتشقه حسب الظروف. حمل السلاح بالنسبة له مثل أكل لحم الخنزير بالنسبة للمسلم. هذه هي الصفات التي جعلت من غاندي ذلك البطل الذي هامت بحبه الشعوب، مثلما هام هو بحبها. وعندما زار بلاد أعدائه الإنكليز، انقطع المرور في لندن بسبب الجموع التي خرجت لاستقباله وإغراقه بالورود والقبل والهتاف.

أين ذاك من معظم رجالنا الذين لا يخرج لاستقبالهم غير رجال الأمن لحمايتهم من غضب الجماهير؟.

ما أحوجنا لقيادات من أمثال المهاتما غاندي، ومارتن لوثر كينغ، وعبد الغفار خان، وإلى حد ما أخيراً آية الله الشيرازي(قدس سره).

إذا كنّا نريد أن نفتح صفحة جديدة مع العالم، ونمسح عن أذيالنا لطخة الإرهاب والقسوة واللاإنسانية والهمجية، فعلينا أن نقنع العالم بصدق توبتنا بإقناع أنفسنا أولاً ببربرية العنف وعقمه وسوء عاقبته؛ فهناك ثغرة في مصداقية دعوتنا. لقد مضت سنوات طويلة في لندن وأنا أدعو للجهاد المدني كمفهوم إسلامي للنضال بدون عنف، وطوال هذه السنوات، لم أستطع أن أقنع مسلماً واحداً بهذه الفكرة. وجدت اثنين فقط يؤمنون بها، أحدهما من العراق والآخر من أثيوبيا. وفي سائر الاجتماعات التي عقدتها واجهني بها إخواننا المسلمون بالصد وقالوا إن الإسلام قام بالسيف، ولن يسود وينتصر بغير السيف.

استنكف بعضهم حتى من حضور الاجتماع، وعندما بعثت بمخطوطة كتابي (نحو اللاعنف)، رفض الناشرون في بيروت حتى دخول المخطوطة إلى مكتبهم. وفي محاولة يائسة لكسب دعم أحد السفراء العرب في لندن لمشروع التبشير بإسلام لاعنفي، حذرني سيادته حتى من الكلام في الموضوع، قائلاً إن الجميع سيتهمونني فوراً بالخيانة والعمالة. إذا كان هذا انطباعي الشخصي عن تعلق المسلمين بالعنف، فلماذا ننتقد الغرب على اتهامنا بذلك وبتبنينا للإرهاب؟ كيف سيصدقون هذه النغمة الجديدة منا إذا لم ندعم القول بالفعل؟.

ردك على هذا الموضوع

إتصــلوا بـنـــا

الأعــداد السابقــة

العــدديـن 67 - 68

الصفحة الرئيسية